تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


حتى الرحيل

ملحق الثقافي
11/4/2006
حنـــــا ميــــــنه

وهذا أديب يأكل الذل نفسه وذا أدبٌ رخوُ المفاصلِ مصقعُ وهذا حكيمٌ يزهق الروح كلّهُ وذي حكمة تعوي وتلك تُجعجعُ وهذا، رعاك الله،

في الناسِ شاعرٌ أيملك، في دنيا الكناريَ صفدعُ إذا سئل التاريخُ من مدّ نارها أينطقهُ إلاّ الأديبُ المضيعُ إن المرحوم الصديق العزيز الذي رحل عن دنيانا إلى الملأ الأعلى، محمد الماغوط، كان،‏

في عبقريته، يغزل الشعر والنثر غزلاً شاعرياً، في عطاءاته المتعددة، مسرحياً وتلفزيونياً ومقالات كونت مدرسة خاصة به، هي مدرسة محمد الماغوط بامتياز،وفي كل ماكتب ، وتحدث وأذاعَ كان يكره الأدب، المصقع، رخو المفاصل، يكره الحكمة المبتذلة التي تجعجعُ ولاطحْنٌ أو طحين، ويكره، أكثر الشعر، أو قصيدة النثر، التي تنق نقيق الضفادع، وفي هذا كله، الأديبُ المضيّعُ، كان صاحب قضية، سُجنَ من أجلها وعُذِّبَ، أيام عبد الحميد السراج ،ومقتل المرحوم عدنان المالكي، وما تبع ذلك من اعتقالات في صفوف القوميين السوريين، وكان يقول لي :«ياحنا ! أنا وأنت عرفنا السجون والمنافي، والغربة في أقسى وأشنع صورها، وعرفنا، أيضاً، الأحرار والأغيار، الشرفاء والمنافقين، الطيبين والأشرار، ولما عرفتك انعقدت المودات بيننا، وقد صحت، يوماً ،أمام الحاضرين في بيتي« حنا مينة وصل إلى نوبل، ولن تستطيعوا اللحاق به، فكفوا عن هذا الحسد البغيض، والغرور الكاذب» وكنت أضحك، واصغي بشغف إلى آخر نكتة لديه. هذا،في رأيي، محمد الماغوط، الصديق والزميل والرفيق، في ذكائه المتقد، ونبله الكريم، وكلمة الحق على شفتيه، دون غمغمة أو جعجعة ،وإنما في الكلام الجريء والمعلن،وآخر مرة زرته في مشفى العباسيين، أمسك بيدي ،لمدة ساعة كاملة أمام الحاضرين من أهله وأحبته، وعندما أردت ترشيحه لجائزة العويس الشهيرة رفض قائلاً« هم يعرفون من أنا» وفعلاً عرفوا، ومُنح الجائزة بإجماع، ولما سافر إلى دبي، وتسلّم الجائزة البالغة 021 ألف دولار، هتف لي: تعال يا حنا، مع الويسكي كالمعتاد!» ووعدته، غير أن القضاء والقدر كانا أسبق مني إليه وا أسفاه! وفي الساعة الرابعة بعد ظهر الأثنين، رنّ الجرس في هاتفي لتقول لي الآنسة مراسلة جريدة الحياة:« مات محمد الماغوط، منذ نصف ساعة، وأنا عنده الآن في مستشفى دار الشفاء» فبكيت من لوعة وحسرة، ثم تتابعت الهواتف ولاتزال، من وكالات الأنباء، داخل سورية وخارجها، وحتى من طهران وأوروبا والسعودية، على مدى يومين متتاليين، ولما تنقطع بعد، ولا أدري متى تتوقف! رحم الله الصديق العزيز، الغالي، محمد الماغوط، وأسكنه فسيح جنانه، فقد كان جداراً قوياً يسند بيتنا الأدبي، عربياً وعالمياً، لأنه أدرك، منذ زمن طويل، مقولة القائل «وهل يسند البيت الجدار المزعزعُ». «يادارجاً في الخالدين ضميره، صلت عليك الرفقة الأبرار» وما كدنا نفرغ من وضع زهرة على ضريح العزيز والمبدع محمد الماغوط حتى كان علينا أن نضع زهرةً أخرى على ضريح المبدع الكبير الدكتور عبد السلام العجيلي الذي انتقل إلى الملأ الأعلى،صاحب الروحالإبداعية العالية.. كتب العجيلي صورة البادية السورية، وحياة إنسانها وأحداث حياته، ولم تنسه المدينة والمناصب التي تبوأها في حياته البسيطة في الرقة، وهذه حالة الأديب الأصيل، الذي يتمسّك بحياته وأصالته وبيئته، ليظهرها، ويقدمها للقارىء بشكل أدبي.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية