تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


يارفيق الشعر والغربة والوطن

ملحق الثقافي
11/4/2006
الياس الفاضل

وأخيراً فعلتها يامحمد، ورحلت على اجنحة الموت الى عالم الخلود..

قبل يوم واحد من رحيلك زرتك كعادتي في منزلك وتبادلنا الاحاديث والنخب. سألتني عن أحوال زوجتي سلوى وهل شفيت من مرضها، كما سألتني عن صحتي، وأخبرتك أنني اعاني من مشكلات في الصدر والبروستات، وأجبتني بأنك لاتعاني من أي مشكلات، فَحمدِت الله وشكرته..‏

وقبل أن اغادرك طلبت مني أن اكتب عن« البدوي الاحمر» ..كتابك الاخير.. كما سألتني عن حي القصور، وهل السكن فيه مريح، واجبتك بالايجاب ولما حاولت أن أعرف معنى سؤالك، قلت لي سأشتري بيتا لمحمد.. وفي اليوم التالي تلقيت نبأ رحيلك الفاجع.. فبكيت كطفل صغير فقد أباه، أو أمه، أو لعبته. وأنا عندك في المنزل كنت اراك وأنت تتقلب على مقعدك من اليمين الى الشمال ومن الشمال الى اليمين، فأشعر أن المكان ضيّق عليك فتعود بي الذاكرة الى ايام الشباب حيث كنا نلتقي ، وننتقل من مقهى الى مقهى، ومن «باتسيري» الى آخر فقد كانت الامكنة كلها ضيقة عليك حيث كنت أنت أكبر من كل الامكنة، وأن جميع الامكنة أصغر حجما منك يا محمد. يارفيق الشعر والغربة والوطن. بدأت مسيرتك متفرداً ومتميزاً،ومبدعاً خلاقاً من حزن في ضوء القمر، الى غرفة بملايين الجدران، الى الفرح ليس مهنتي واستمريت متمرداً على قيود الشعر، والحياة رافعاً راية الحرية والانسان ومدافعاً عن الفقراء والبائسين، حيث كنت صديق الفقراء، ورفيق المحتاجين والبائسين والمعزوين. وعاشقا كبيراً للوطن، يحمله في قلبه وفي دمه، وفي حبره، وقلمه ودفاتره. لقد عشت يامحمد حياتك مسكوناً بالدهشة والالم والغضب وكنت ملك المتمردين، وأمير الساخرين بدأت حياتك الابداعية كبيراً، وغادرتها كبيراً كنت دائماً مسكونا بهموم الناس وقضاياهم فالقصيدة التي كتبت لاتحتاج الى شهادة من أحد. هي تشهد لنفسها، وكذلك المقالة الصحفية، والمسرح.. محمد الماغوط، أنت أوجدت مسرحاً جديداً، أعطيت لنفسك حرية السخرية من العالم فكان مسرحك مختلفاً حيث لم يركن لنص تقليدي بل كرس ما يعرف بالقفشة المسرحية الذكية البارعة والحاذقة التي تخلق ضحكة ممزوجة بالألم. لقد كنت بارعاً في الكتابة الوفية لدواخلك ولتجربتك الحياتية فكل ما يعتمل في حياتك وفي روحك تحوله شعراً صافيا.. شعراً جماهيريا، يقرؤه الجميع، المرأة في المطبخ والعامل واستاذ الجامعة، فقد كنت في كل ما كتبت لاتركن الى القواعد، والقوالب الجاهزة لأنك كنت تترك لنفسك وقلمك على سجيته، فتتدفق روحك على الورق محافظة على شاعرية نادرة.. برحيلك خسرنا قامة أدبية عملاقة، وظاهرة استثنائية لايمكن ان تتكرر. فهل أرثيك.. انك اكبر من أي رثاء؟ وفي كتاباتك كلها كنت ترثينا، وترثي جيلنا وتحرضنا على الثورة على أوجاعنا، والى الانتفاض على كبوتنا، والى الانعتاق والخلاص، من الاذلال الذي نعيشه. نعم أنت رحلت.. وسنفتقدك كثيراً . ولكن عزاؤنا أنك باق معنا.. وكلما غابت في عيوننا الدنيا، وأظلمت ،تبقى أنت الكوكب المتألق في سماء الخلود.. نهتدي بك إليك.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية