|
آراء الحزن موجود في اليتم والطلاق وفقدان الولد وهو جنين. أما الفرح فهناك قول جميل للمسيح:« افرح ان الله يحب الفرحان» أو ما تقوله العامة ان الفرح يزيد من العمر ويحافظ على شباب الوجه من التجاعيد و«اضحك تضحك لك الدنيا». امزح كلما شعرت بالوجود لكن إذا كان هذا الوجود حروباً ودماراً وقتلاً وامتهان الانسان وسجنه دون ذنب لأنه أراد التعبير عن رأيه. أو في كم الأفواه في قول الحقيقة، فمن أين يأتي الفرح؟. تقول الناس: الصحة هي فرح الجسد ببلوغه أسمى درجات الوجود، الفرح الحقيقي هو انعتاق وحرية، انعتاق من أسره، وتجاوز له إلى دنيا الروح. هي ارتفاع من واقع الأرض نحو مشارف السماء وهكذا تستطيع الحواس أن تكون أحياناً تسامياً إلى ما وراء الأحاسيس. ويستطيع عالم المادة بالتالي أن يكون منطلقاً إلى عالم الروح. فالفرح تحرر من الزمان والمكان بأبعادهما المعروفة، نستطيع بواسطته بكل سهولة ان نطير إلى المستقبل، أو أن نعود إلى الطفولة، لأنه يهدم الحائط بين الحلم والواقع فتتجاوز كثافة الأرض الحقيقية طبقة بعد طبقة. وتبلغ إلى منطقة نائية يصبح فيها العالم وهماً. وتزول الاشياء والاماكن والاحقاب من وجوهنا. مفسحة المجال أمام مخيلاتنا لإعادة خلقها كما نشاء. الفرح إنه ينظم الحياة على شكل أسطورة مدهشة، مبدعاً من توافه الحياة اليومية قصة تروى. الدنيا إطارها المسحور، والناس أشخاصها، إنه ينقلك إلى نظام الأبدية التي هي روح الزمان، تضمن وجوده بأن تستمر هي ذاتها عبر كل أجزائه. الفرح عكس الحزن، ولكن أفراحنا قليلة جداً في هذا العالم الرديء... والانسان خليط من الحزن والفرح. من الخير والشر، يقول أبو حيان التوحيدي:« واعلم أني بشري أزل إذا قلت، وأضل إذا ارتأيت، وأخطىء إذا توخيت، وأصيب إذا وفقت، وأحقق إذا ألهمت، وأنا إذا قربت، وأسعد إذا لوطفت، وأتخلص إذا رحمت، فإذا لمت فليكن لوماً هوناً». والانسان بين هذا وذاك أشكلت عليه الحياة فقد أشكل الانسان على الانسان في أمور عدة منها: بم كان الانسان إنساناً؟ ما سيماه الذي يستعلم بها أمره ويستعرف، وفي حال السلب، متى يسوغ أن نقول: إنه ما عاد هذا الانسان إنساناً، وإنما صار حيواناً أو بهيمة، أي فقد إنسيته أو آدميته أو بشريته؟ فما «الإنسية».. وما «الآدمية» وما «البشرية»؟... قال الحافظ الذهبي:« دق رجل على أبي نعيم الباب، فقال: من ذا.قال: أنا، قال: من أنا؟ قال: رجل من ولد آدم، فخرج إليه أبو نعيم وقبله وقال: «مرحباً وأهلاً، ماظننت أنه بقي من هذا النسل أحد». والصوفي ماجد الكردي قال: «وما خلق الله من عجيبة إلا ونقشها في صورة الآدمي. ولا أوجد أمراً غريباً إلا وسلكه فيها، ولا أبرز سراً إلا جعل فيه مفتاح علمه، فهو نسخة مختصرة عن العالم. أن يتغلب المرء على الدقائق بأن يفرغها من شحمها ويصبح غير خاضع لقانونها، كالأغنية التي يرتفع بواسطتها إلى أعلى نقطة من الفرح. ويبطل بواسطتها عن السقوط من يوم إلى آخر بلا ماض، بلا مستقبل، متحللاً، متهافتاً، منزلقاً نحو الموت، ليصبح مثلها نفراً، لا تؤثر فيه العوامل. والفرحان يفكر بموسيقا الدبكة والرقص الشرقي، فيما الحزين تأسره،السمفونيات العالمية، التي إيقاعها دائماً الحزن والسؤال عن ماهية الوجود... ولما خلقنا الله كي نموت لكن كل هذه الأمور لاتمنعنا من أن نرى فيه إنساناً مؤثراً ومحظوظاً. لا لشيء إلا لأنه ابتكر عملاً فنياً تعالى بفضله فوق تفاهة عمره، وخلق مبرراً لوجوده، لقد أنقذ نفسه، لقد اغتسل من آثامه فينصت إلى صوت حنون يخلعه من حزنه، مثلما قال شوقي في« يا جارة الوادي» لا أنت من عمر الزمان ولا غده جمع الزمان وكان يوم لقياك إنه الحب الذي يتحدى الزمن،يتحدى الحزن، والفرح.. كأنما خلقنا كي نحب لا لكي نعيش. ان الحب هو العذوبة والجلال والفن والشعر. انه وحي الروعة، كتلك التي ننظر إليها بإعجاب إلى قصيدة جميلة أو إلى أبطال الروايات والسينما. لماذا إذاً لا نسعى إلى الخلاص عن طريق الفن. قد لا نملك مؤهلات موسيقية أو كتابة الشعر أو الرواية... لكننا نستطيع أن نحاول. في الفن تتحدد هويتنا.الناس عندما يقرؤون أثراً عظيماً سيقولون إن صاحب هذا الكتاب هو شاب له المواصفات التالية، وبذلك يكتسب هوية ويتحول مصيره إلى أسطورة جميلة ويعثر على معنى لأيامه التي تتخذ لها قيمة ثمينة في نظر الآخرين، انه لن يكف، وهو منهمك في التأليف عن التفكير بنفسه. ان هناك درجات من الحب أو الحقد أو الاهواء الجامحة والحماسات المختلفة التي ترفع الانسان فوق نفسه. والألم شيء قبيح الفرح شيء جميل الحب قيمةعالية، ربما به تتعادل الحياة مع أشيائها. |
|