تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


محاضـــرة: تباين المفاهيم بين الأجيال .. حقائق معلنة وأخرى خلف الكواليس

مجتمع
الخميس 15-7-2010م
متابعة : محمد عكروش

إذا ما وقع الابن في زلل فهل سيستطيع أن يدرك و يصحح هذا الزلل أو الخطأ أم سيستمر فيه في غفلةٍ دون أن يكتشفه ؟ هل سيظل الابن محاصراً بالعجز عن التعبير عما يزعجه أم سيحاول اكتشاف وسائل لوضع حد لهذا العجز ؟

ولقد حاول الاستاذ الباحث عبد العزيز الخضراء البحث في هذا العجز وأسبابه في حوار صريح مع الآباء والأمهات ضمن محاضرته التي ألقاها في النادي العربي فقال: ( لنعترف أننا لا نريد لحبل السرة أن ينقطع بيننا وبين أولادنا ولا نريد أن يتمتع أولادنا بالاستقلالية وإثبات الذات إرضاءً لعواطفنا ولا أن يبقوا في كنفنا، إشباعاً لمشاعر سلطوية تجذرت فينا أنهم تحت سيطرتنا، وهكذا تنشأ هوة بين ما نريد ومايريدون، ويظهر التباين في المفاهيم الذي قد يؤول لمعارك طاحنة تفقد الجو الأسري نكهة المحبة والسعادة ، وإذا أردنا لأولادنا أن يبقوا في دائرة أبوتنا ولطعم السعادة ألا يفارقنا ينبغي أن نتقبل أولادنا ونتأكد من أنهم لا يرفضوننا ، بل يرفضون أن يبقوا أدوات نسيرها كما نريد ، فلهم شخصياتهم وقناعاتهم التي سيواجهون بها عصرهم ومطالب حياتهم ، وينبغي أن نعيد النظر فيما ترسخ لدينا من مفاهيم ونتعامل معهم بمرونة، فنفكر بما يفكرون ، ونرى ما يرون ونشعر بما يشعرون ، ونبني جسور التواصل معهم بعقل مفتوح وفكر متطور وعاطفة متوازنة.‏

هذا ما أكده الباحث وتابع ليقول: المجتمع الذكي الواعي مجتمع يحرص على وضع خمائر التغيير في عجينة التكوين.‏

فسحة حريةٍ للشباب‏

ويبقى للقديم حرمته بل وقدسيته أحياناً، وكذلك للجديد بريقه ولمعانه وطرافته ، لذا فمن واجب الأجيال القديمة التي تقبض على ناصية الأمور أن تفسح للشباب مكاناً في توجيه شؤونهم ، وتعطيهم صوتاً في رسم أقدارهم ، ولعل هذا ما يطلبه شباب اليوم.‏

بر الأمان‏

لكن ما البدائل التربوية التي تضمن لسفينة الأسرة أن ترسو على برّ الأمان بعد عاصفةٍ من الشد والجذب فهذا أبٌ يقول: ( ابني ما أريده يفعله ) وآخر ( ابني ما يريده يفعله ) وكلاهما ليسا في مصلحة الطفل.‏

ولهذا بين الباحث هذه البدائل قائلاً: إذا أردنا لهذه المبادرة النجاح فلا بد من الاقتناع أن الولد لن يصغي فعلاً إلى شروحاتنا ولن يقتنع بها كما ينبغي إذا لم نحاول رؤية الأمور بالطريقة التي يراها بها هو والتي قد تختلف عن رؤيتنا فإذا بذلنا هذا المجهود الذي لا يستقيم حوار بدونه فإننا نوقظ لدى الولد استعداده للانفتاح نحو مانحاول أن نفهمه إياه وبصدد مبرر ما نوجهه إليه وما نطلبه منه وهذا يذكرني بمثل سنسكريتي يقول ( إن الزورق الذي يقوده الأب والابن لن يغرق).‏

بالإقناع والحوار‏

وأكد الباحث: نرجو ألا يفسر حديثنا أننا ندعو للتشاؤم ، أو إلى غلق أبوابنا ونوافذنا عن سماع كل قادم جديد، فليس باستطاعتنا صده عن بيوتنا وأولادنا ، ولكن بإمكاننا غربلة معطياته ، وكسر حدة مؤثراته السلبية ، لنكون قادرين بالإقناع والحوار على انتقاء الصالح من هذه الثقافات لمجتمعنا ولأبنائنا ولمستقبل ناشئينا وبهذا نتحاشى ان تفرغ هذه الثقافات الوافدة على أبنائنا ما لديها من أفكار وآراء هدفها تغيير مفاهيمهم وتبديل أفكارهم ، واعتبار حصيلة الآباء والأجداد تراثاً انتهت صلاحيته.‏

وأشار الباحث في معرض حديثه أيضاً من تعابير هذا الاغتراب بين الآباء والأبناء لا بد من ذكر حالتين: ( إن التفاهم بين الأهل والشباب ضيق جداً إلى حد أن الشباب لا يطيق أن يتكلم مع أحد من أهله ، فنجده يتكلم مع الغريب ولا يتكلم مع القريب لماذا كل هذا ؟ هل لأن عقلية الأهل منحصرة بالجيل القديم..).‏

ولادة جديدة للوالدين‏

فكيف تكون التربية من أجل أطفالنا وليس من أجلنا نحن؟ وهنا يوضح الباحث أنه يمكن القول: إن التربية ليست مع ما هو قائم فحسب بل يجب أن تكون متغيرة وقادرة على احتواء الجديد وتمثله دون الوقوع في الأزمة التربوية التي نعاني منها اليوم ، فالمفاهيم والتصورات والقيم التي اعتنقناها في الطفولة تقع في إطار المطلق والشمولية، وهي بوصفها كذلك قادتنا إلى نوع من الجمود والتقوقع حول الذات فتشعرنا بالغربة عن روح العصر الذي نعيش فيه وقد كتب (بيكول بريور) عن العلاقة بين الأهل والمراهقين : إنما هي لحظة صعبة تعيد الراشدين إلى مراهقتهم الذاتية ، وتتيح لهم أن يحيوها من جديد بصورة مؤلمة ، ولكنها أيضاً في بعض الأحيان ثرية محررة ، فهل بوسع هذه الأزمة أن تسمح يا ترى بولادة جديدة للوالدين؟.‏

نفهم روح العصر‏

فنحن كما ذكر محمد عابد الجابري بحاجة إلى التحديث ، والانخراط في عصر العلم والتكنولوجيا كفاعلين مساهمين، وليس فقط كمستهلكين.‏

وفي كل الأحوال لا بدّ أن نتخلى عن جمودنا فنعمل على إزالة الثغرات التي تهدد أولادنا فنخطو في ثلاثة اتجاهات:‏

- أن نفهم روح العصر وثقافته ، ونكتشف المؤثرات التي تضغط على أولادنا.‏

- أن نساعد أولادنا على تجاوز هذه المؤثرات ، بالتواصل والحوار الهادىء الذي يبني القناعات ، فلا نقابل أفكارهم بالرفض، بل نعيش معهم أفكارهم وزمانهم ، وهذا يشعرهم بالاعتبار والتقدير لذواتهم وبأنهم عناصر ينظر إليهم باحترام ونناقش آراءهم بموضوعية .‏

- كما لا بد وأن نعيد قراءة ذواتنا كآباء وأمهات ونقّوم أسلوب تعاملنا مع أولادنا بموضوعية فنحدد الثغرات والخلل ونتحاشى التعامل معهم بإذعان باعتبارهم صغاراً، ينبغي أن نحترم استقلاليتهم ، ونمنحهم ثقتنا ، ونسبغ على تعاملنا معهم روح الديمقراطية المنفتحة على الآخر.‏

وختم ليقول : قد نعجز عن إنقاذ أبناء الجيل الجديد ، ولكننا سنؤثر في مسارهم ، وسننقذ بعضهم وسنمهد الطريق لصيانة الجيل القادم.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية