تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


البيوت الدمشقية القديمة ..عراقــــــة وبساطــــــة .. الصــــواف:العامـــل الاجتماعــــي حـــدد شكلـــــها وطرازهــــا

مجتمع
الخميس 15-7-2010م
لقاء : علاء الدين محمد

يمتاز البيت الدمشقي القديم ببنائه الهندسي المتميز بأصالته وعراقته وبساطته وبزخارفه العربية الإسلامية ،ويعد البيت الشامي أحد روائع فن العمارة العربية فهو مثال صادق للجمال العربي المغلق من الخارج، المفتوح إلى الداخل حيث البحرة تتوسط أرض الدار وتسبح فيها سمكات ذهبية اللون

، البيت مكون من طابقين في أغلب الأحيان يتصدر الإيوان وإلى جانبه غرفة الاستقبال المفروشة بالفرش العربي المرصع بالصدف والقماش الدمشقي الشهير.‏

حول هذا الموضوع كان لنا وقفة مع الباحث حسن الصواف الذي تجاوزت إصداراته الستة عشر كتاباً ولديه ثمانية كتب قيد الطباعة تمحور عدد منها حول دمشق والبيت الدمشقي .‏

وعن البيوت القديمة وامتيازاتها أشار بأنه لايخلو بيت في دمشق من الشجر والزهر ومن الأشجار تجد النارنج - الليمون - الكباد - الكرمة ومن الأزهار تجد الياسمين والفل والشب الظريف والخميسة في أيام الصيف ، ومهما كان القيظ في الخارج فلن يحتاج ساكن البيت العربي إلى مكيف أومروحة وذلك لطريقة بنائه والمواد المبنى منها.‏

وبسبب النباتات الموجودة وبحرة الماء فكل هذه تجعل الجو في غاية اللطف والرطوبة ، ويعتبر البيت الدمشقي مفخرة العمارة العربية ومأثرة من مآثرها وفي الواقع يعتبر مؤسسة معمارية متميزة تنسجم مع فن العمارة الشرقية في مظهرها ،ومخططها ،فهو يعكس الحاجات الاجتماعية ،ويراعي التقاليد الاسلامية ،ويتماشى مع المواد الأولية للبناء المتوفرة في غوطة دمشق وماجاورها من جبال وهو غني بأنواع الفنون اليدوية والمهارات الإنسانية فيه إنجازات أجيال .‏

قارورة عطر‏

الذين سكنوا تلك البيوت القديمة وتغلغلوا في حاراتها وزواريبها الضيقة يعرفون صحة هذا القول (قارورة عطر) الإنسان عندما يدخل البيت من بوابة خشب صغيرة ويبدأ السير على الأخضر والأحمر ،والليلكي تبدأ سيمفونية الضوء والظل والرخام ،شجرة نارنج تحتضن ثمارها والدالية حامل، والياسمينة ولدت ألف قمر أبيض علقتهم على جدار النوافذ ...أسود الرخام حول البركة الوسطى تملأ فمها بالماء وتنفخه وتستمر اللعبة المائية ليلاً نهاراً ،لاالنوافير تتعب ولاماء دمشق ينتهي ، الورد البلدي سجاد أحمر ممدود تحت أقدامك ،والليلكية تمشط شعرها البنفسجي ،والخبيزة والفل والشاب الظريف ،والمنتور والريحان وألوف النباتات الدمشقية، وهناك العديد من المعاني والمدلولات لنباتات أخرى متعددة مثل لسان الحماية -أحمد بيك - الضراير -فم السمكة - عرف الديك - سالف العروس.‏

أثر العامل الاجتماعي على البيت الدمشقي‏

المستفيد من البيت الدمشقي القديم أسرة كبيرة تضم غالباً الجد والجدة والأبناء والأحفاد .‏

فالعامل الاجتماعي له تأثير على شكل وطراز البيت التقليدي المتمثل بتوزع العائلة الكبيرة حول مركز قوي لصاحب هذا المبنى ، فالثروات المادية حسب التقاليد العربية يجب ألا تغادر جدران البيت الأم، لذلك كان متبعاً زواج الأقارب المقربين ،حيث كانت الأسرة مترابطة عمادها الأب والأم اللذان كانت لهما الكلمة العليا فيما يقع ضمن خبرتهما ومعارفهما ،الأب جسر البيت هوالبركة والخير، بينما الأم معززة مكرمة من زوجها وبنيها الذين يتنافسون لكسب رضاها بمافيهم الزوج ،لأنها كانت المدرسة والملجأ والحصن الحصين لهم جميعاً ،كانت الأم في البيت الدمشقي هي الملكة الحانية المعطاء...‏

- شبه أحد الباحثين الأجانب البيت الدمشقي بالمرأة المتحجبة التي لايرى من محياها إلا ماندر ماذا تقول في ذلك الوصف ،هذا الوصف بأبسط معانيه فيه العبرة التي إذا أردنا أن نصف البيت الدمشقي به ، كانت في بساطة الهندسة والتكوين والتشكيل الخارجي وروعة ودقة وإبداع التوزيع في الفن الداخلي فكم من البيوت والدور الأثرية والتاريخية يمر بها الإنسان في دمشق القديمة ولكن كم واحداً منها لانستطيع أن نحمله هذا الوصف إلا إذا دخلنا وشاهدنا مايستره الحجاب من محياه ومن البساطة والحشمة.‏

فنرى جدراناً باسقة وزخارف هندسية وفنية متناغمة وأشجاراً ونباتات وكأنها الجنة، و أي هدوء وحسن مشاهدة لعين الرائي أكثر من هذا.‏

وعن ظاهرتين هامتين تتميز بهما البيوت الشامية القديمة نوه قائلاً :‏

الظاهرة الأولى ظاهرة القطط الشامية المدللة التي كانت تزيد من نبض الحياة في هذه البيوت، وأما الظاهرة الثانية فهي ظاهرة اليمام وهومايسميه الدماشقة بالعامية (الستيتيات) اللواتي كن يتفنن في بناء أعشاشهن بإبداع مستخدمات العيدان والأغصان الصغيرة بل وحتى الأسلاك المعدنية وهي تهوى السكن في باحات البيت الدمشقي .‏

وعن سبب التشوهات التي لحقت بدمشق القديمة أشار الصواف :لقد بدأت الصناعات والحرف في بيوت المدينة القديمة تشوه معالمها وتضفي عليها طابعاً دخيلاً ومشوهاً إضافة إلى أزمة السكن واضطرار عدة عائلات إلى السكن في بيت عربي واحد ، فتحدث تعديلات ممايؤدي إلى تداعي هذه البيوت وأيضاً هناك الترميم العشوائي وكثير من الأحيان هذا كله يسبب إزالة البناء واستبداله بآخر .‏

يجب تخفيف الضغط عنها ونقل هذه الصناعات إلى مكان آخر ومساعدة السكان في إجراء عمليات الترميم بطريقة فنية صحيحة ،والعمل على إنقاذ مايمكن انقاذه .‏

مهما كتبنا عن بيوت دمشق لانعطيها ماتستحق من الحسن والدلال والتيه فهي تاريخ وحضارة وتراث.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية