|
ساخرة طلبت من العم (أبو سعيد) الذي أمضى عمره في مهنة الخياطة أن يحدثني عن أطرف حادثة جرت معه أثناء مزاولته المهنة، فافتر فمه عن ابتسامة عذبة، وقال: من زمانو يعني من شي خمسين سنة، كان عندنا في البلد رجل عصبي يدعى (أبو فلان).. إذا لم يعثر على أحد يتشاجر معه فإنه يتشاجر مع الذباب الي يمر بالقرب من وجهه! الأقدار ساقت (أبو فلان)ذات مرة إلى حلب، فاشترى من هناك قطعة قماش تصلح لأن تكون بنطالاً صيفياً، حملها وعاد إلى إدلب، ومن الكاراج جاء مباشرة إلى دكاني. كان الطقس حاراً، ومعروف عن (أبو فلان) أن درجة العصبية ترتفع عنده في وقت الحر، أو كما يقول هو : (الشوب). سلم علي، ولم ينتظر رد السلام، إذ سارع إلى إلقاء القماشة على الطاولة، وقال: فصل لي هالقماشة بنطال كويس! أنا، وغيري من أهل البلد، كنا نتعامل مع (أبو فلان) بحذر شديد، وكنا نلاطفه مثلما تلاطف سيدة المنزل صحن الزيت لئلا ينسفح على الأرض، فتخسر الزيت من جهة، وتتبقع الأرض وتذوق الأمرين في تنظيفها. قلت له: أمرك.على راسي. خلنا نأخذ القياس. مسح العرق الذي كان ينز من جبينه بمنديله، ومسح رقبته أيضاً، واستدار إلى المرآة، وأنا بدأت بأخذ المقاسات، وكلما أردت تغيير وضعيته كنت أطلب منه ذلك بلطف شديد. وهكذا حتى انتهينا من أخذ القياس بسلامة. قالي لي: متى تنتهي من خياطة البنطال؟ قلت له: اليوم هو السبت، تعال يوم الثلاثاء تجده جاهزاً. نظر إلي نظرة غضب واستهزاء وقال لي وهو يلوح بأصابع يديه: الثلاثاء؟! ياحبيبي ! شمينا هوا غربي، أنا آتي إليك يوم الثلاثاء، فتقول لي كان عندي ظروف عائلية وما انتهيت من خياطة البنطال، تعال الخميس. آتي يوم الخميس فتقذفني إلى يوم الاثنين الذي يليه، والاثنين تشلفني للسبت الذي بعده. يعني بودك تحطني في المرجوحة، وتاخدني وتجيبني، كأني أنا مضحكتك ومضحكة الذي خّلفك! بس هذا الشي بعيد عن بوزك أخي، أنا بطلت أفصل البنطال. ناولني القماشة لأشوف. نتر القماشة من على الطاولة وخرج من الباب وهو يبربر قائلا: أشو هالناس التعبانة؟ السيد أبو سعيد مفكر حاله مافي خياط غيره في البلد، علي الطلاق بالتلاتة الخياطين أكثر من الهم على القلب..وبا..! السائق والضباب كنا جالسين في مكتب الاستقامة لبيع وشراء السيارات، وكان الدكتور أنور يحكي لنا كيف اصطدمت سيارته بسيارة خاصة حديثة الصنع قال: كنت قادماً من دمشق. وبعدما تجاوزت طلوع الثنايا، ووصلت إلى منطقة النبك، نزل، فجأة ضباب كثيف، أنا خففت سرعتي حتى وصلت إلى الأربعين، ومع ذلك أخذت عيناي تغزلان وتدمعان، وأصبح تركيزي على الطريق صعباً. الصراحة أنني خفت من أن أصطدم بحافة الطريق، أو بالمنصف، أو أتشقلب وأنزل في وادٍ سحيق.. فما كان مني إلى أن أوقفت السيارة إلى يمين الطريق، وأشعلت خلاط الأنوار. بعد أن توقفت خطر لي خاطر، فاتصلت بصديقي السائق(أبو تيسير)، وسألته عن أفضل طريقة للسير في الضباب بأمان، فقال لي: الأفضل في مثل هذه الحالة، أن تنتظر حتى تعبر أمامك سيارة، سر وراءها، وبهذا يستكشف سائق السيارة الطريق، وأنت تمشي وارءه دون عناء. هذا ماحصل بالفعل، فماهي إلا دقيقة أو أقل، حتى عبرت أمامي سيارة صغيرة، فمشيت وراءها وبدا لي سائق السيارة ماهراً جداً في السير أثناء الضباب، فكان يمشي باتزان، وسرعة ثابتة، ولايخرج عن منتصف الطريق قيد أنملة. وفجأة، ولا أدري كيف حصل ذلك، وجدت مقدمة سيارتي تصطدم بمؤخرة سيارته بقوة، والسبب أنه توقف دون أن انتبه أنا أنه كان يريد أن يتوقف. مسحت عيني اللتين تزايد الغبش عليهما بصعوبة، وقلت للسائق الذي نزل من سيارته واتجه نحوي: عفواً، اسمح لي أن أقول لك إن الحق عليك، كان يجدر بك أن تعطي إشارة بأنك ستتوقف. ضحك السائق، رغم حراجة الموقف، وقال لي: تريدني أن أعطيك إشارة،؟ مانك ملاحظ إنك صدمتني بعدما أدخلت سيارتي في كراج بيتنا؟!!.... |
|