تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


البحـــث العلمــــي..بين التفرغ والتمويل والنشر.. حزمة مشكلات تحتاج إلى حل

تحقيقات
الثلاثاء 11-12-2018
ميساء الجردي

رغم ما حققه التعليم العالي من انجازات ومساهمات في جميع المجالات إلا انه مازال يعاني من أزمة متعددة المظاهر، هي نفسها تقريبا الموجودة على امتداد الجامعات السورية، تبرز ملامحها من خلال غياب الاستفادة الحقيقية للأبحاث في مجالات التنمية،

ومن خلال المآخذ المتعددة التي يتحدث عنها الباحثون في الجامعات والمراكز البحثية من الاهتمام والتركيز على العملية التعليمية وإهمال الاهتمام بالبحث العلمي، والاهتمام بتوظيف مدرسين عوضا عن التركيز على توظيف باحثين قادرين على أداء المهام البحثية، وكذلك غياب الخطط والاستراتيجيات الوطنية للبحث العلمي، وضعف الميزانية الداعمة، وعدم تخصيص وقت محدد للبحث مثل ما هو مع عملية التدريس،وعدم توجيه البحث العلمي لمعالجة مشاكل المجتمع.‏

الحقيقة الثانية‏

بالوقت الذي يعتبر فيه البحث العلمي من أهم أسباب الرفاهية في المجتمع، من خلال تطبيق نتائجه على شكل اختراعات وأجهزة تكنولوجية تسهل حياة الإنسان، بما يقدمه من بيانات وحلول للمشكلات والعقبات التي تواجه الأمور التنموية، وباعتباره الوظيفة الأساسية الثانية للجامعات، بدأ المنحى الجدي لدينا بهذا الاتجاه مؤخرا، نتيجة لظروف الحرب على سورية والحاجة للنهوض بعملية الإعمار،‏

وبسبب ما أصبحت تعانيه جامعتنا من تراجع بالجودة والترتيب العالمي، ومن نقص بالكوادر وهجرة الكثير من الأساتذة والكفاءات العلمية إلى الخارج، وأمور أخرى تم رصدها من خلال مديرية البحث العلمي في وزارة التعليم العالي مع الدكتور شادي عظمة الذي تناول تفاصيل واقع البحث العلمي في سورية وما تعمل عليه وزارة التعليم العالي من خطط مستقبلية تشمل الاهتمام بالباحث وضرورة حل مشكلة العلاقة بين القطاع البحثي والقطاع الإنتاجي، والنظرة الواقعية إلى موضوع توفير الدعم المالي للأبحاث وتحفيز الباحثين، وتحسين سبل الوصول إلى ميادين المعلومات في مشهد جديد ونظرة مختلفة.‏

8 آلاف رسالة دكتوراه‏

لم ينته التدقيق في الأرقام والإحصائيات المتعلقة بعدد رسائل الماجستير والدكتوراه بشكل نهائي ولكن بالعموم فإن الوزارة تعمل حاليا على قاعدة بيانات جديدة بحسب الدكتور عظمة، حيث استلمت الوزارة حوالي 19 ألف رسالة بحثية تبدأ من تاريخ 2012 وتم إدخال 8 آلاف رسالة دكتوراه وحاليا يوجد صيغة عمل مشتركة مع كلية هندسة المعلوماتية بجامعة دمشق لتشكيل فريق مهني يتابع إدخال البيانات، ومن المتوقع أن تكون جميع رسائل الدكتوراه والماجستير خلال وقت قصير موجودة على موقع الوزارة، مع وجود شبكة اتصال مباشر مع كل الجامعات تمكن الجميع من الاطلاع على كامل الرسائل وتقدم أرقاماً وإحصائيات تبين ما لدينا من إنتاج علمي.‏

ومن المؤشرات الأخرى التي حملتها إحصائية الوزارة خلال عام 2015 - 2016 من مشاريع دكتوراه منجزة في الجامعات الحكومية وصلت إلى 399 مشروعاً، من أصل 750 مشروعاً مسجلاً، بينما وصل عدد مشاريع الماجستير المنجزة لنفس العام 1871 مشروعاً من أصل 3089 مشروعاً. هذا وقد بلغ عدد طلاب الدراسات العليا 18714 طالباً في الجامعات الحكومية.‏

مشكلة النشر الخارجي‏

أكد الدكتور شادي عظمة أن البحث العلمي في سورية استمر ضمن الحدود المقبولة على الرغم من ظروف الحرب وصعوبات المرحلة, وأن تراجع عدد الأبحاث يعود لهجرة الباحثين إلى خارج القطر وإبرامهم عقوداً خارجية حيث أصبح هؤلاء ينشرون أبحاثهم باسم المكان الجديد الذي نقلوا إليه، مبينا أن خطة وزارة التعليم العالي لتوصيف هذا الواقع انطلقت من ثلاث نقاط رئيسية، أولها يتعلق بالكشف عن الإحصائيات من حيث عدد الباحثين لدينا وعدد الأبحاث المنشورة داخليا وخارجيا وكم لدينا من اختصاصات وما هو المتميز منها؟ ومن بعض المؤشرات التي تم التوصل إليها، على سبيل المثال وجود 450 مقالة منشورة خارجيا في عام 2017 وأن أكثر اختصاص لديه نشر علمي بحثي هو اختصاص الطب البشري يليه اختصاص الصيدلة والفيزياء ومن ثم الاختصاصات الهندسية، وهي الاختصاصات التي نشطت خلال السنوات الخمس الماضية، في نشر البحث العلمي الخارجي.‏

تكاليف باهظة‏

يتوقف الباحثون عند المشكلات المادية طويلا، كأهم صعوبة تواجههم في تحقيق أهدافهم البحثية، واعتبر مدير البحث العلمي: أن النقطة الثانية المتعلقة برصد البحث العلمي هي دراسة واقع الباحث ومعرفة المشاكل التي يعاني منها، والتي كان في أولويتها المشكلة المتعلقة بالجانب المادي، حيث العمل البحثي عمل صعب ويحتاج إلى وقت طويل وجهد وتفرغ ونفقات وليس له أي عائد مادي، بل على العكس فهو يحتاج إلى تكاليف لانجازه وتكاليف كبيرة للنشر الخارجي. وهذا يخلق ضرورة تقديم الدعم المالي للباحثين من قبل الجامعات من خلال مواردها الذاتية، والتي هي على الأغلب مخصصة لطلاب الدراسات العليا مبينا ما تعمل عليه وزارة التعليم العالي حاليا من تبني ودعم الأبحاث التطبيقية حتى لو كانت من خارج نطاق الوزارة، من حيث توفير التمويل المالي المباشر، أو التعاون مع الوزارات والجهات المعنية بتطبيق هذه الأبحاث والاستفادة منها. بالإضافة إلى تأمين مكافآت مالية من موارد الوزارة لكل باحث يقوم بالنشر الخارجي أو يقدم بحثا تطبيقيا والتي سيتم العمل بها بعد الانتهاء من عملية إحصاء أعداد الأبحاث وقيمة الميزانية وما تتحمله، وعلى هذا الأساس توضع أرقام المكافآت وشروط الأبحاث التي تستحق ذلك.‏

على المدى البعيد‏

وتحدث عظمة عن ضرورة خلق جو تنافسي كبير بين الباحثين في الجامعات لدعم ونشر ثقافة العمل في الإنتاج العلمي، ومعرفة من هم الباحثون الذين يساهمون في تطوير البحث العلمي، مشيرا إلى أن خطة الوزارة في دعم البحث العلمي تعتمد على الخطة المطلوبة من قبل هيئة تخطيط الدولة، فهي التي تحدد الجوانب التي يجب التركيز عليها ليتم دعم المشاريع بالأبحاث المطلوبة. حيث يتم إصدار إعلان عن هذه الأبحاث ويمكن للباحثين التقدم إليها من كافة الاختصاصات وبعد الموافقة يقوم الصندوق بدعمها وتمويلها. بالإضافة لما يقوم به من اتفاقيات مع الوزارات الأخرى التي تعمل على طرح ما لديها من مشكلات على الباحثين، ليتم تبيان ما هو هام ومناسب منها، وتمويله، حيث تنفيذ هذه المشاريع وفقا لفائدتها وضرورتها كما هو الحال مع الزراعة والموارد المائية والبيئة والكهرباء.‏

الدور الغائب‏

نادرا ما نجد مؤسسة خاصة تطلب بحثا علميا لتطوير عملها في سورية؟ بالإضافة لمشكلة التوجه إلى الخارج من قبل بعض القطاعات الإنتاجية التي تستدعي خبراء من خارج القطر وتترك الأبحاث التي تقام على أرض الواقع وتعالج المشكلة الموجودة بشكل فعلي. وهذه بحسب توصيف الدكتور عظمة:مشكلة ثقافية يجب العمل على حلها كما هو الوضع في الدول الغربية إذ إن أول ما يعمل عليه مدير شركة أو مؤسسة لتطوير عمله هو البحث مع الجامعات لإيجاد أبحاث تدعم مشاريعه، وهذا ما بدأت الوزارة تعمل عليه من خلال التنسيق بين الجامعات، وأصحاب الشركات والمؤسسات الخاصة عن طريق عقد اتفاقيات التعاون. واشراك الهيئة العليا للبحث العلمي حتى يكون العمل موحدا.‏

تكريم وطني‏

تنوعت مجالات العلوم وتطبيقاتها التي تناولتها جائزة الباسل منذ إحداثها عام 1994 حتى الآن، إلا أن الاستفادة من هذه الأبحاث على الرغم مما تحصده من جوائز هي مشكلة أخرى يتوجب التساؤل حولها. فقد أكد مدير البحث العلمي أن الاستفادة لاتزال ضمن حدودها الدنيا على الرغم مما تقوم به الوزارة من نشرات ومراسلات لجميع القطاعات وتضع إعلانات في كافة المجالات الإعلامية، وتقوم بالندوات العلمية الخاصة بالأبحاث المطروحة والقيمة. وأن جائزة الباسل هي نوع من التحفيز والتكريم الوطني لتشكيل حالة تنافسية بين الباحثين. مشيرا إلى أنهم عملوا على تصميم استمارة خاصة لاستثمار البحث العلمي بحيث عندما يصل أي بحث ذي قيمة تطبيقية إلى الوزارة، تتم مساعدة الباحث للوصول إلى ما يريد. مشيرا إلى وجود انطلاقة واستراتيجية جديدة في التعامل مع الأبحاث وانتقاء الأفضل وأي بحث علمي محكم علميا ويمكن الاستفادة منه، يمكن لصاحبه أن يتوجه إلى وزارة التعليم العالي ليحصل على الدعم.‏

ليس له قيمة‏

تتكرر التصريحات حول أبحاث مضى على انجازها أعوام ولم ترَ النور وأبحاث بقيت حبيسة الأدراج وأخرى مهملة رغم أهميتها. ولكن وبحسب الدكتور عظمة أن أي بحث مضى على انجازه مدة عامين، لم يعد له أي قيمة علمية لأنه لكل بحث وقته العلمي والتطبيقي.مبينا أن الوزارة بدأت من مرحلة جديدة تتناسب مع مرحلة إعادة الإعمار فما كان قبل الحرب وخلالها ما هي إلا مرحلة متعبة، تتطلب أن يتعاون الجميع للتخلص من تداعياتها، وتشخيص ما يحتاج منها إلى معالجات بطرق بحثية علمية، وأن يعمل الباحثون كل في اختصاصه لمعالجة هذه المشكلة. مشيرا إلى وزارة التعليم العالي وضعت استمارات خاصة بالبحث العلمي تخاطب من خلالها جميع الجهات للتعاون معها في تنفيذ أي بحث يحقق قيمة مضافة بدلا من وضعه على الرف.‏

رصد مالي‏

تقدر ميزانية البحث العلمي بشكل تقريبي بأقل من مليار وأكثر من 500 مليون ليرة سورية تقدم من ميزانية الدولة ومن الموارد الذاتية للجامعات وهي مخصصة لدعم الأبحاث التي تحتاج إلى تكاليف مالية بحسب ما تقرره اللجنة العلمية التي تناقش رسائل الماجستير والدكتوراه المقدمة إليها، وتحدد ما يستحق منها إلى الدعم المالي لتلبية احتياجاته، فقد أكد مدير البحث العلمي في ختام حديثه بأنه نادرا ما يتم رفض بحثي علمي مقدم إلى اللجنة الوزارية. إلا أن أكثر الاختصاصات التي تتقدم بأبحاث علمية هي الطبيات والهندسات، بينما حتى الآن لم تأخذ العلوم الإنسانية طريقها الصحيح في المجال البحثي على الرغم من التوجيه المستمر لضرورة طرح أبحاث حول إعادة بناء الإنسان وتقديم الدعم النفسي والتنموي ولم تتلقَ الوزارة طلبات أبحاث حول ذلك، منوها بأن ذلك قد يعود إلى عدم حاجة الأبحاث النظرية إلى تكاليف كبيرة، وعدم تقديم أبحاث نظرية إلى الوزارة لطلب الدعم المالي، ليس معيارا على أن هذه الأبحاث الإنسانية غير موجودة في الجامعات السورية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية