|
ملحق ثقافي فمن هي أيها الكائن «العادل» الذي أفرط في الولع والوله، والحب، حتى تَمَثَّلتها في الجنة الآهلة بالحُور العِين، ناعسات الطرف، كأنهن الدُّرُ المكنون..؟! وإن إكثار الجاهلي من عدد النسوة في خيمته أو منزله، ثم تعدد الزوجات والسراري في الاسلام، كل ذلك مظهر من مظاهر التدلّه العنيف بالمرأة «علّة الوجود». وهو أيضاً وجه من وجوه التقيد بالمسار الحَضَري الذي أخذت به الأمم الغالبة أيام البابليين والآشوريين والمصريين والفرس والإغريق والرومان.. وللعرب بعض العذر في ذلك، لنزول الكم الأبهظ منهم، في منطقة جغرافية، ملتهبة الأرض والسماء. لأن تذوّقهم للجمال كتذوقهم للفنون الجميلة عامة والشعر خاصة، وهذا التذوق كان غامضاً غير محدد، فلم يُفسدوا مفاتن الطبيعة بتهاويل الأثقال والألوان والأبعاد «المقاسات». واكتفوا بأن تعارفوا على بعض شروط الجمال، فجعلوا منها أصولاً عامة، وكتب الأدب تعُج بالصفحات عن هذه الأصول والتوصيفات المرغوبة في مكان، والمرفوضة في أماكن أخرى. فكانت المبالغات، والتضخيم والتهويل، هي السمة الغالبة على تشخيصهم، ونضرب هنا مثلاً طريفاً ورد في موسوعة «نهاية الأرب» يقول: «من رأى مثلَ حِبَّتي، تشبه البدرَ إذ بدا تدخُلُ اليومَ ثم تدخُلُ أردافها غدا..؟! وفي رسائل الجاحظ مثلاً، جاء أن العربي «الأسمر» يصل «البيضَ» من الجواري، ولا سيما الرقيقات البشرة الصافيات اللون، اللواتي يَضرِبُ لونُهن بالغداة إلى الحمرة،وبالعشيِّ إلى الصفرة.. وخصَّ السمرَ والسود أحياناً بالخدمة والسعي بين المنزل والسوق..!! ثم يؤكد هذا التوصيف بقوله: جِلْد من لؤلؤ رطب، مع رائحة المسك الأذفر، في كل عضو شمسٌ طالعة..!!... والتعميم مرفوض، في هذه المشتهيات ولكننا نبتغي الطُّرفة، حيث جاء في «نهاية الأرب» أن اللون الأسود الذي تسبغه الطبيعة على الزنجيات أو على الأقوام البيض التي طال مكوثها في الأقاليم الحارة، قد فَتَن كثيراً من العرب، وأعجب به الشعراء وارتقى بعضه إلى مكانة رفيعة في المجتمع، قال أحدهم في غانية سوداء: أَشْبَهَكِ المسكُ وأشبهتهِ قائمةً في لونه قاعدهْ.. لاشكَّ إذ لونُكما واحدُ،أَنَّكما من طينة واحدهْ.. فلنستمع إلى المغالاة التي دفعت أحدهم للقول: ومن يكُ معجباً ببنات كسرى..فإني معجب ببنات حام.. وهذا ثالث قد فاض به الكيل ليقول: أُحبُّ لحبها السودانَ حتى أحبَّ لحبّها سودَ الكلابِ.»!! إن مائدة الجمال الحافلة، التي تناول منها العربي غذاءه متسعة الأركان، شاسعة الأبعاد، بوسعه أن يأخذ منها ما يروق لذوقه العام، ولرغبته الطارئة. فلكل واحدة سرُّ حلاوتها، وتناقضها، وتوافقها، فها هو «الكونتراصت» التناقض في الجزئيات اللونية مثلاً، كيف يشكل عاملاً محبباً. فيقول الشاعر ابن المنذر: فأمسيتُ في ليلينِ بالشَّعر والدجى، وشمسينِ من خمر وخدِّ حبيب..وسرقة أحمد شوقي واضحة في قوله: ودخلتُ في ليلينْ: «فرعِكِ والدجى.»..!!.. أليس كذلك..؟!!. |
|