|
ملحق ثقافي
وعلى وجه العموم في السوسيو ثقافية فإن ما يدفعنا إلى البحث عن تلك الدراسات الأدبية التي تحاور الآخر الأوروبي من خلال نماذج بلغت حدّ التأثير في الإبداع الغربي على كافة الأصعدة وأيضاً محاورتنا للآخر من خلال آدابنا وعلومنا سواء أكان الجديد منه أم القديم التراثي، ولكن هل يجوز أن ننظر نحن إلى التراث على أنه بقايا ثقافة الماضي؟ من هذه النقطة سعى كثير من الأدباء إلى الدراسة المقارنة على أنها ثنائية اختيار الحفاظ على الذات وهو الأصل وبين مواكبة العصر الأوروبي الحداثي من هنا ننطلق بحوارنا مع أ. الدكتور نذير العظمة ونلوج معه إلى ماهية الأدب المقارن والخوض في تلك التيارات الأدبية التي بلغت حدّ التأثير والتأثر. < بداية نقف عند مفهوم الأدب المقارن..؟: << نستطيع أن نعرف الأدب المقارن: هو الفن المنهجي الذي يهتم بأنماط العلاقات في الآداب عبر كل زمان ومكان، و الذي يبحث في علاقات التشابه والتقارب و التأثير وتقريب الأدب من مجالات التعبير والمعرفة الأخرى أو أيضاً الوقائع والنصوص الأدبية فيما بينها المساعدة في الزمان والمكان أو المتقاربة، شرط أن تعود إلى لغات وثقافات مختلفة تشكل جزءاً من تراث واحد من أجل وصفها بصورة أفضل. < هل لك أن تحدثنا عن أهم المقومات التي تسوغ لنا البحث المقارني؟ << الأدب بقدر ما هو قومي يعبر عن هوية حضارية مخصوصة فهو أيضاً عالمي يشترك مع الآداب الأخرى بقواسم مشتركة وروح عامة،إن اكتشاف الآخر هو ما يدفعنا إلى قراءة الأدب و اكتشاف الآخر يؤول بنا إلى اكتشاف الذات يتأتى ذلك من خلال قراءاتنا للآداب القومية في حدود جغرافية معينة، ولكنه يتم بمستوى العالم حين نقرأ آداباً أخرى غير أدبنا. بمعنى أننا نكتشف الروح الإنساني العام حين تهاجر من آدابنا إلى الآداب الأخرى فتتضح لنا في هذه المرآة المزدوجة التي تمثل الأدب القومي والآداب الأخرى تتضح الذات من خلال الآخر كما يتضح الآخر من خلال الذات وهذا الأمر من أهم مسوغات البحث المقارن والاهتمام بتجارة الرؤى والأفكار والصور والموضوعات والرموز و الأجناس ….الخ ما بين الآداب < ما مفهوم الحوار الأدبي بين الآداب القومية؟ << الحوار بين الآداب هو وسيلتنا العملية للاكتشاف الذي ألمعت إليه في الجواب الأول والحوار لا يعني دائماً الإعجاب بالآخر بل ربما يعني تمرد الذات على صورة وإعادة صياغاتها بما يتفق مع اكتفاء الذات الحوار ربما يعني الفهم والتفاعل في بعض مستوياته لكنه بدون ريب يعني الرد الذي تتكون فيه الذات من خلال تجليها في مرآة الآخر. هناك النص والنص المضاد كما في قصة الإسراء والمعراج و ملحمة الكوميديا الإلهية فتأثر دانتني لا يعني أنه يتبنى ما جاء في رؤيا المعراج عن الحياة والموت والمجتمع والفن والأخلاق بقدر ما يعني الاستجابات المبدعة من خلال ذات حضارية أخرى. لها موقع مختلف ورؤيا أخرى فالصور والرموز والأشكال وحتى الآخر والأفكار عند دانتي تصبح حمّالة أوجه أخرى. < ما الفرق بين الحوار والصراع الحضاريين وما سبب كل منهما في رأيك؟ << الحوار ينبع من الحرية والحرية التي لا تستوعب الآخر هي حرية مقنعة، والحوار محبة وإنسانية تحفزنا إلى معرفة ما يشابهنا وما يختلف معنا في إنتاج الآخر. لكن الحياة ليست حوار كلها كما أنها ليست صراعاً في الجملة من دون شك الحرية كما هي حوار، فإنها صراع لأن الحضارات تتشابه أو تشترك بقواسم عامة ولكنها لا تتطابق والصراع في إطار التفاعل الإنساني ضرورة من ضرورات الحرية لكنه إذا هدف إلى محو الآخر فهو يمحو الذات من حيث يدري أو لا يدري. الصراع في سبيل تحقيق مجتمع أفضل وحياة مثلى مشروع من خلال التفاعل. أما صراع الإبادة ومحو الآخر فهو محور الفلسفات والأفكار العنصرية التي تتنكر لروح الإنسان, ومن أهم مسوغات البحث المقارني هو الاعتراف بالآخر وإبداعه و حريته < في إطار موضوع التأثير و التأثر تمت دراسات أعمال دانتي و المعرى هل هذه الإشكالية استجابت لبحث جمالي وتصور فلسفي عند الدارسين أم هي معالجات خالية من العمق الفلسفي؟ << دراسات التأثير والتأثر في الأدب المقارن هي من توجهات المدرسة الفرنسية وهي تعول على الوثيقة التي تربط عملين أو مؤلفين أو أسلوبين وقلما تقوم على العمق الفلسفي ورسالة الغفران للمعري و الكوميدية الإلهية لدانتي تتصلان بالرحلة إلى العالم الأخر والملحمة من حيث الجنس الأدبي وما قرأته عن العلاقة بينهما في كتابات آسين بلاسيوس الإسباني وكارل بروكلمان الالماني وكليمانت هوارت الفرنسي يتمحور حول بعض بنود الرحلة وإطارها العام و مشابهات بينهما و أعتقد أن تأثير المصادر الإسلامية و العربية في كوميديا دانتي مدينه لقصص الإسراء و المعراج بالدرجة الأولى التي تدين إليها الرسالة أيضا أولا لأن البحث العلمي أثبت أن نسخة من قصص المعراج ترجمت إلى اللغات اللاتينية و الفرنسية والكاستيل في مدرسة حلب قرطبة وأشبيلية للترجمة في عهد الفونسوالعاشر (1264) بينما لم تترجم رسالة الغفران للمعري ألا مؤخرا في مطالع القرن العشرين (1905)وقام بذلك رينولد تيكلسون في المجلة الاسيوية الملكية فالوثيقة التاريخية أذن هي بوصلة دراسات التأثير والتأثر أما العمق الفلسفي فهو بعد من الأبعاد في دراسة المضمون، مخيلة الرحلة في العالم الاخر هي التي اجتذبت أنظار الباحثين لا العمق الفلسفي. < هل من المسوّغ أن نبقى في إطار المشابهة أو المطابقة بين موضوعات النصوص الأدبية، فندرس تشابه بجماليون الحكيم وبجماليون برناردشو، أو ندرس كروزو وحي بن يقظان، أو الغفران والكوميديا الإلهية، ألم تستجد موضوعات أخرى أو ألا يمكن أن يكون هناك قضايا مقارنية أخرى تدخل في باب التأثر؟ <<الاتجاهات الحديثة في دراسات الأدب المقارن تنحو هذا المنحى أي كما يقولون إن أدب مقارن لا يقارن. لا يتمحور حول المشابهات والمطابقات فقط إن وجدت وهذا سائد في كل من المدرستين الفرنسية والأمريكية بعد الخمسينيات من القرن العشرين. وكلمتهم في ذلك "comjarison n.est pas reanon " ونزعة التأثير والتأثير انحسرت وأفسحت المجال أمام دراسة الموضوعات والأجناس وصورة الآخر في هذا الأدب أو ذاك ودراسة والأساطير والاتجاهات حتى اختلط حقل المقارن بحقل الأدب العام لكن دراسة التأثير ماتزال جذابة وإن لم تكن الوحيدة كما كانت في البدء. وأسطورة بجماليون وتجلياتها من الأسطورة اليونانية إلى الأدب الفرنسي بخاصة والأوروبي عامة إلى الأدب العربي لا سيما عند الحكيم إلى الفارسي عند صادق هداية في المرأة المكسورة احتلت مساحة واسعة في تطور الأسطورة وثيمتها وشكلها وشخصياتها ولم تتحور على التأثير والتأثر. كذلك أسطورة دوت جوان وشكسبير الألماني أو الفرنسي لم تعد معينه بخط المؤثر والمتأثر بقدر ما هي معينة بتطور الثيمات والأشكال وما يتصل بذلك. مشروعية المؤثرات قائمة ولكن منهجيات وعلوماً أخرى أخذت تفرض ذمتها في الحقل المقارن. <ما مسوغ وجود الأدب المقارن خاصة أن المناهج الحديثة ترفض كل ما هو خارج النص و المقارنية تعتمد كثيراً على ما هو خارج النص؟.. << المقارنة تعتمد على النص وما فوق النص وما بعده وليس لها غني عن النصوص. سلطة النص هي من فلسفات النقد الأدبي في الاتجاهات البنيوية الحديثة وفلسفتها. وهي مدرسة أخرى واتجاه آخر في النقد لا يغني عن الدراسة المقارنة. إن دلالات النص الواحد وأبعاده لا تلغي الدلالات المشتركة لنصوص عدة. واكتشافات المنهجيات المقارنة لا تعول على النص بل تأخذ في حسبانها الزمان و المكان و العلاقات الأخرى ما بين النصوص العابرة للثقافات و اللغات و الأوطان وهي مساحة أخرى لا تغريها الاهتمامات البنيوية. < هل نستطيع أن نتحدث عن خصوصية مقارنية عربية؟. << نستطيع أن نتكلم عن حيوية الدراسات المقارنة في عالمنا العربي وشراكتها مع المدارس الفرنسية و الأمريكية و السلافية و لن نصل بعد إلى رؤية أو منهجية مستقلة في هذا العلم ولا أعتقد أننا من الضروري في العلوم الانسانية كما في العلوم الطبيعة أن نحشر النزعة القومية فالكيمياء والرياضيات وعلم النفس و الاجتماع وغيرها من العلوم هي واحدة عند الأمم وإن تنوعت الأبعاد و المنهجيات لكن علينا أن نؤكد أن استهداف علاقات أدبنا وثقافتنا بالآخر يجب أن تستأثر باهتماماتنا وأن نقوم بجهد مبادر للتمييز المنهجي. < حبذا لو قمت بتوضيح مفهوم الصورانية أو الصورولوجية؟. << صورة الآخر في هذا الأدب و ذاك من أهم الحقول المتطورة في الدراسات المقارنية الحديثة. صورة الأوروبي في الرواية العربية وصورة العربي في الأدب الحديث. تأخذ بيدنا إلى فهم أعمق للعلاقات ما بين الأدبيين المعنيين و الثقافيين المخصوصتين وجوهرهما. لا سيما الأبعاد النفسية وأسبابها تلك الأفكار المسبقة المتحيزة و المنحرفة عن جادة الشراكة الإنسانية، إن صورة العربي في أفلام هوليود المتمركزة بالنفط وصورة الجمل و الخيمة والجنس،هي صورة نمطية جائرة ما أبعدها عن الحقيقة و الدراسات المقارنة ومنهجياتها هي سبيلنا لوعي هذا التحيز و الأساليب الاقتصادية الجشعة التي تكمن وراءها و الفروق الثقافية المتولدة عنها ومصاحباتها النفسية. |
|