تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الاتفاق والاختلاف في الكتابة الذكورية والأنثوية

ملحق ثقافي
2/5/2006
أحــــــلام الترك

«الاتفاق والاختلاف في الكتابة الذكورية والأنثوية» عنوان عريض لندوة وصل الاختلاف فيها إلى حد التشكيك بوجود كتابة أنثوية،

هذا من وجهة نظر(الذكر) طبعاً، هكذا بدون أدلة تطبيقية ،في حين كان على (الأنثى) أن تجمع كل الطروحات التي تتبنى مثل هذا الرأي، وتفندها وتدعم رأيها بكثير من الشواهد والأدلة، في محاولة منها لدحض هذه النظرة الهزلية لما تكتبه الأنثى، والتي لا تؤسس إلا إلى تعطيل طاقاتها. جرت فعاليات هذه الندوة التي هي ضمن (احتفالية يوم الكتاب العربي الذي يقيمه اتحاد الكتاب العرب) والتي حاضر فيها الناقد د. خليل موسى والناقدة د. ماجدة حمود والقاصة نعمة خالد وأدارت الحوار الشاعرة فاديا غيبور، في المركز الثقافي العربي بالعدوي مساء (18/4). الكتابة حقل ذكوري خاص أشار د. خليل في مداخلته إلى أن موضوع الندوة خطير جداً ومحرج وإشكالي، ويتطلب وضع النقاط على الحروف، وهو لهذا ابتدأ بتقديم الاعتذار لأن ما سيتلوه سيكون صريحاً، منطلقاً من تسمية (عصر الكتابة النسوية) الذي أطلق على القرن العشرين الذي برز فيه كثير من الباحثين الذين نادوا بتحرير المرأة منهم محمد عبده وقاسم أمين والشعراء الرصافي والزهراوي ونزار قباني، ولأننا نريد أدبا ًنسوياً يضاهي أدب الرجل لذلك ستكون النموذج المرأة الغربية بما حققته من تفوق بمجالات شتى بحيث لا نستطيع حتى الحلم بها، في حين المرأة العربية مازالت مقيدة، وتشهد الكتابات النسوية على ذلك، ففي سورية كانت وداد سكاكيني من رائدات الرواية السورية، لكنها كزميلاتها لم تقدم فيما أبدعته صوتاً خاصاً، فلقد خرجت هؤلاء الأديبات فيما كتبنه من معطف الرجل، أغلبهن وصفن الظلم الواقع على المرأة ليس أكثر، وطلبن من الرجل أن يشفق على حالة الأنثى، إلى أن جاءت كوليت خوري في روايتها (أيام معه) التي هزت فيها العادات والتقاليد يومها (1959) فكان لها صوتها الخاص، لكنها لم تستمر في هذا النهج، ثم جاءت غادة السمان المبدعة حقاً، أما الروائيات السوريات (الجديدات) فإذا رصدنا ما يكتبنه نلحظ أن موضوعهن الأثير هو الجنس والمسكوت عنه كتغطية للعجز في البناء الفني لما يكتبن، وهذا يؤكد أن الكتابة هي حقل ذكوري خاص أما ما ظهر من مبدعات متميزات فهو استثناء، وهناك أصوات تشكك بهذا الإبداع فتقول أن الرجل هو من يكتب للمرأة !! فهذا محمد كرد علي يرى (أن المرأة خلقت للإنجاب وتربية الأطفال والعناية بالزوج، وايضاً المرأة لم تخلق للكتابة، وإذا كتبت فهناك من يكتب لها)، والمحاضر إذ يرفض هذه المقولة، فهو لا ينفيها كاملة، فبعضهن هناك من يكتب لهن !! رغم ما في هذا التصريح من تجريح، ويبحث المحاضر عن الأسباب التي أحالت المرأة على هذا الواقع المرير، فسيستحضر الفيلسوفة (سيمون دي بوفوار) ويصفها بأنها أول امرأة في التاريخ تقف موقفاً أنثوياً حقيقياً في كتابها (الجنس الآخر) 1946 حين ترى أن المرأة لم تخلق امرأة بل صنعت امرأة، ويرى المحاضر أنه تقع على المرأة مسؤولية أن تنهض بنفسها دون مساعدة الرجل أو أي أحد، لكنه يعود ليؤكد أن الكتابة حقل ذكوري، ومادامت المرأة قد دخلت فيه، فعليها أن تشحذ أدواتها، فهي لم تزل حديثة العهد بالإبداع!!. مشكلات الإبداع وأدواته عند الروائي والروائية على حد سواء الشاعرة غيبور علقت أن ما تكتبه المرأة أو الرجل لا يقاس من منطق الذكورة أو الأنوثة، بل من منطق الإبداع الذي لا هوية له إلا الإبداع. وهذا ما أكدت عليه د. ماجدة في مداخلتها التي رصدت شواهدها من الرواية السورية، فأشارت إلى أن الهم والمعاناة واحدة في الخطاب الذكوري والنسوي الروائي، هذا الخطاب الذي يتطلب قدرات لغوية خاصة تعكس قدرات فكرية وإنسانية وتخيلية تستطيع نقل الواقعي إلى الجمالي، وربما كانت معاناة الرواية السورية تكمن في ذلك القلق بين مصداقية الواقع وجمالية تحويله إلى فن، مما يتطلب قدرة غيرية للمؤلف تمكنه من تجاوز ذاته فنسمع الشخصية عبر لغتها الخاصة التي من المفترض أن تكون بينها ما يناقض وجهة نظر المؤلف؛ من هنا يحتاج الروائي إلى امتلاك ثقافة استثنائية منفتحة يصاحبها عمق إنساني، فيتيح لوجهي الحياة فرصة التعبير على لسان الشخصيات المتعددة الرؤى في الرواية، لا أن ينطق الكاتب شخصياته بلغة يؤمن بها ويقمع أي لغة نقيضة لها؛ ولعلنا لا نتسرع بالحكم حين نقول إن معظم الروائيين والروائيات العرب ومنهم السوريين قد عانوا من هذه الإشكالية، فلم يسمحوا للآخر الذي يخالفهم الرأي بالتعبير عن وجهة نظره؛ حتى بدت الرواية جزءاً من سيرتهم الذاتية، وتساءلت المحاضرة هل النرجسية قدر المثقف العربي؟ وساقت أمثلة كثيرة منها (وليمة لأعشاب البحر) للروائي حيدر حيدر التي ينتصر فيها لرؤيته الماركسية فيمنحها لبطله في حين تبهت وجهة نظر المخالف فيمارس عليه الكاتب القمع الفكري والقمع الجمالي حين يرسمه بطريقة بشعة ساخرة، أما حين ينأى الكاتب والكاتبة عن خصوصيتهما فإن خطابهما الروائي يسقط غالباً في التعميمات ومتاهات الرموز دون أن يفلح في مد الجسور بين لغة الهم الخاص والهم العام ؛ كما في رواية ماري رشو (الحب في ساعة الغضب)، وجانب آخر نلاحظه عند الروائية هو ضياع الملامح الحقيقية للرجل في روايتها وكذلك خصوصيته، مثلما تضيع ملامح المرأة وخصوصيتها لدى الروائي كما فعلت غادة السمان في (كوابيس بيروت) وأنيسة عبود في (النعنع البري) وهيفاء بيطار في (قبو العباسيين) ونبيل سليمان في (مجاز العشق)، وإن منحها الكاتب صوتها الخاص، فلا يلبث أن يستعيده أحياناً وهو بهذا أسير السياق الاجتماعي التقليدي كما نلمس في رواية خيري الذهبي (لولم يكن اسمها فاطمة). نقد رجالي يتهم وإبداعات نسائية تدحض زيف التصنيفات وعلى نفس الفكرة أن لا اختلاف بين الكتابة الذكورية والكتابة الأنثوية هذا إذا كان أصلاً هناك كتابة ذكورية أو أنثوية لها سماتها الخاصة، هكذا تابعت القاصة نعمة، فقد جمعت معظم الطروحات التي تدعي هذا الاختلاف راصدة إياها مبينة زيفها عبر أدلة تطبيقية، مبتدئة مما يطرحه النقد الأدبي اليوم والذي يركز على إشكاليتين تتمثل الأولى في قراءة المرأة كاتبة ومكتوباً عنها انطلاقاً من استلاب شخصية المرأة وتشيئها في الكتاب الذكوري من جهة ومن وعي المرأة الباحثة عن تحررها من الاستعمار الذكوري من جهة أخرى. وتتمثل الثانية في إعادة قراءة التراث الثقافي البشري من المتطور النسوي المقابل للمنظور الذكوري الذي حجب وعي المرأة وخطابها في الماضي، ومن هنا كان لا بد للكتابة النسوية من تفعيل هذا الخطاب المغيب وهدم بعض المقولات الذكورية الثابتة، لكن ليس المرأة وحدها التي أنشأت هذا الخطاب، فًأصحاب منظور الاختلاف يعزون ذلك إلى أن نفسية المرأة الخاصة والإشكالية التي لا يمكن أن يصل إليها أي كاتب مهما كانت براعته، هي التي تبرر مشروعية (كتابة أنثوية)، ثم تكوين جسد المرأة المختلف عن تكوين جسد الرجل يعد مدخلاً لتوظيف الكتابة الأنثوية من خلال مقولات الجسد وإعادة القيمة له. وهناك رأي آخر يقول إن عقل المرأة وما ينتج عنه من رؤى وأخيلة متأثرة بأوضاعها النفسية والجسدية والموضوعية هي الأساس لتشكيل خطاب المرأة المغاير. وردت المحاضرة عبر تساؤلها أفلا تتقاطع أخيلة مبدع مع أخيلة مبدعة، وهل ابتعد الروائي عن الغوص في الأبعاد النفسية للمرأة وكذلك الروائية عن الأبعاد النفسية للرجل، وهل استطاع الروائي والروائية أن ينشئا خطاباً مختلفاً عن الآخر أثناء الغوص في تكوينات الجسد؛ وقدمت مثالاً لما كتبه رشيد بوجدرة في روايته (ليليات امرأة آرق) ونبيل سليمان في (مدارات العشق) وهدى بركات في (أهل الهوى) وأحلام مستغانمي في (ذاكرة الجسر) هذه الأمثلة وغيرها كثير ما ذكر عن أن الأدب النسوي (إذا جازت التسمية) يحتفي بالجسد والأمكنة وباللغة الشاعرية، وبأن المرأة ما زالت بمعزل عن قضايا المجتمع، وقضيتها الأساس هي الإلحاح على ضرورة المساواة في الحقوق والواجبات مع الرجل كما ذكر هذا النقاد (حسام الخطيب وعبد الله ابراهيم وعبد الله الغذامي)، وقد رأت الشاعرة غيبور وأن هذه مقولات متخلفة قولاً واحداً، في حين اختتمت القاصة نعمة مداخلتها بأن الأدب إما أن يكون رفيعاً أو لا ينتمي إلى الرفعة بغض النظر عن جنس المبدع؛ أما الأنصار مصطلح (الكتابة النسوية) فما زال أمامهم الكثير من الجهد التطبيقي والتنظيري لإقناعنا بإمكانية وجود جماليات فنية نسوية خاصة.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية