تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أهازيج العصافير

ملحق ثقافي
2/5/2006
اسامة الجويج العمر

ما أكثرما كانت تزعجه أهازيج العصافير عند الفجر، فكان يدفنُ رأسه تحت الوسادة بعد أن يُحكم إغلاق النوافذ وهو يشتمُ ويعلن... بلا جدوى فما كان منه إلا أن ابتاع مسدساً وأطلق على الأهازيج التي سقطت على الأرض مضرجةً بدمائها،

حملها بحماسة ودفنها في حديقة منزله ثم جلس على الارض وهو يتنفسُ الصعداء. شعر الناسُ بالاستغراب الشديد لاختفاء أهازيج العصافير من السماء وعلى أغصان الأشجار، ولم يلبث أن غمرهم حزن مدلهم، وغدت ساعاتُ الفجر مثقلةً بكآبة الغروب، لكنَّ الذي حدث أن الاهازيج لم تمت، بل أصيبت إصابات بالغة، وشيئاً فشيئاً تماثلت للشفاء في مثواها غير الأخير، ورويداً رويداً تكاثرت تحت سطح الارض، فاستأنفت جداولُ السعادة سيرها في الأفئدة.. بعدما تحولت الكرة الأرضية بأكملها الى مغزل لأهازيج العصافير. المطرقة والمسمار ما إن قرب النجارُ المطرقة من رأس المسمار لإدخاله في عارضة خشبية حتى سألته المطرقة بلهجةٍ بالغة التهذيب: هلا سمحت لي ياصديقي العزيز أن أربتَ على رأسك إعجاباً بما يحمله من عقل ذكي؟ أجابها المسمارُ وقد استطال من شدة الفخر: على الرحب والسعة، فبدأتِ المطرقة تربت على رأسه بلطف،لكنه ما إن اصبح أكثر ثباتاً بين ثنايا الخشب حتى ارتفعت الوتيرة فجأة، فاستحالت الى طرقات عنيفة،فصرخ المسمار وهو يئن من الألم: ماهذا ..ما الذي حدث؟! نهرته المطرقة بلهجةٍ قاسية قائلة: اسكت! وتوالت ضرباتها التي غدت أشد عنفاً، وبلغت ذروتها في اللحظة التي أصبح فيها رأس المسمار موازياً تماماً لسطح العارضة الخشبية. اللقاء الأخير على مقعد في الحديقة العامة، جلس الشاب والفتاةُ يتجاذبان أطراف الحديث، قال لها بثقة: لقد اعتدت على مجالسة النساء منذ نعومة أظفاري حتى أصبحت أنظر إليهن وكأنهن رجال! لقد تربيت في بيئة متفتحة متحررة من جميع العقد والأورام الاجتماعية. قالت له بثقة أكبر: وأنا كذلك ترعرعتُ في وسط خالٍ تماماً من تشنجات التعصب، حيثُ جالستُ الرجال منذ طفولتي الاولى حتى استحالوا في نظري الى نساء! وهكذا لم يتمكن الاثنان من الزواج على الإطلاق!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية