تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


كاترين هيبورن وسبنسر تريسي.. ثنائي السينما والحب

ملحق ثقافي
2/5/2006
إعداد وترجمة:سناء عرموش

كانت كاترين هيبورن وسبنسر تريسي ثنائياً رائعاً في تاريخ السينما، اشتركا معاً في بطولة تسعة أفلام، حيث كانا على الشاشة متزوجين، ولديهما أطفال، بينما في الواقع، كانا مجرد محبين،

لم يستطيعا الزواج، لأن تريسي متزوج وهجر زوجته، ورغم ذلك كانا بحاجة إلى بعضهما البعض، حتى إن كانت محاولة الزواج، صعبة. كانت مشاعرهما الرقيقة التي يكنها كل واحد للآخر ملموسة من خلال الأداء الظاهر لأدوارهما الهزلية، وفي فيلم « سيدة العام» تبدو المشاعر ظاهرة للعيان، كبرا على الشاشة وخارجها معاً،‏

وقد كان ذلك محرضاً على إضفاء الصبغة العاطفية على علاقتهما، لكنهما لم يكونا ذوي الشخصيات السهلة، ومع ذلك صقلهما الحب خلال فترة تدرجهما من خريف العمر إلى الشيخوخة، كان يمتلك كل منهما الآخر، إذ أحبت هيبورن، تريسي دون تحفظ، وعندما مات تريسي اقتضى العرف ألا تحضر جنازته. سبنسر تريسي ممثل عفوي رائع، كان يعجز عن أداء الدور الرديء، ويكره تجاوز حدود الفظاظة، ويلتزم بالأسلوب المعقول الذي لايضاهيه فيه أحد. ولد سبنسر تريسي في ويسكونسن في أمريكا في نيسان عام 1900 من عائلة تنتمي إلى الطبقة الوسطى، والده رجل أعمال ناجح، وعندما كبر سبنسر تنقل بين عدة مدارس، ثم التحق بجامعة ريبون، قرر عندها أن يصبح ممثلاً، في أواخر العشرينيات من القرن الماضي، قام العديد من الاستديوهات السينمائية باختياره ممثلاً على الشاشة، لكن ملامحه الصارمة، وبنيته المكتنزة، لم تجعله مؤهلاً ليكون الممثل الأول. حدث ذات مرة في عام 1930، أن لفت أنظار هوليوود إليه، بسبب دوره كمجرم مسجون في فيلم «الميل الأخضر» من إنتاج برودواي، وتزامن الفيلم مع موجة جديدة من أفلام العصابات، زادت من شدتها أفلام «القيصر الصغير» الذي أدى بطولته إدوارد ربنسون. كانت شركة (إم جي إم) قد أطلقت مؤخراً الفيلم المثير «السجن الكبير» الذي تسبب في إعادة النظر في عرض فيلم تريسي الأول «عند أعلى النهر» الذي يعالج موضوعاً مشابهاً، واعتبر المخرج جونسون فورد مخطوطة الفيلم تافهة، وقام بتعديل عليها إلى كوميديا بمساعدة تريسي وموهبة جديدة أخرى همفري بورغات. تذكر فورد بأن تريسي كان عفوياً، وكأنه لم يكن يعلم بوجود آلة التصوير، وقع تريسي عقداً مع شركة فوكس، لكنه في ذلك الحين، تجنب أن يصبح نجماً في هوليوود. بدا غير جدير بنظام عمل الأستديو، ثم أصاب نجاحاً أفضل، عندما أعارته فوكس إلى شركة كولومبيا حيث شارك لوريتا يونغ بطولة فيلم «قلعة رجل»، وإلى شركة وارنرز في فيلم «20 ألف سنة في سينغ» مع بيت ديفيس. في عام 1935، انتقل تريسي إلى شركة (إم جي إم) حيث برز نجماً من الطراز الأول، البطل المظلوم الذي انساق للانتقام في فيلم «غضب» فريتس لانغ، والصياد البرتقالي في فيلم «القبطان الشجاع» لـ فيكتور فليمنغ. حصل تريسي على جائزة أول أوسكار لدورتين متتاليتين كأحسن ممثل، ثم أوسكار أخرى عن دور الأب فلانغان الصريح القوي الذي لعبه في فيلم «مدينة الطفل»، إلا أنه كان هناك جانب أسود في حياة سبنسر، كان منفصلاً عن زوجته لويز، وأمضيا فترات طويلة منفصلين، وكان خلالها يطارد تريسي نجمات هوليوود، وبقي وفياً لطفليهما، لكنه لاقى صعوبة في التوصل إلى تفاهم مع حالة الصمم عند ابنه. كان مدمناً على الشراب، وأحال المشروب وحشيته الفطرية إلى عنف، ومن ذكريات جوزيف فانكيوز عنه يقول:«كان يسلك الطريق الصعب للإنسان المدمن، وقد فعل ذلك بطريقة رائعة، تحمل فترات طويلة مدركاً أنه لم يكن يستطيع لمس قطرة واحدة من الشراب، وأنه سيأتي وقت عندما يعلن بيل غرادي، وفرانك ويتباك لأخيه ولـ لويز أنه سيرحل لمدة أسبوعين، ويستأجر جناحاً في فندق، مصطحباً معه صندوقين من زجاجات الشراب، ويقفل الباب على نفسه»، وذلك ما حدث في شتاء عام 1941، كان الأدمان على الشراب قد أتلف صحة تريسي، وفي هذه الفترة، دخلت أميركا الحرب العالمية الثانية بعد الهجوم الياباني على بيرل هاربر، وشارك في القتال بعض نجوم هوليوود. في هذه المرحلة المتدنية من حياته، عمل تريسي مع هيبورن لأول مرة في فيلم «سيدة العام»، كان بالإمكان وجود قلة من المشاركات المتباينة في التمثيل، لكن هيبورن كانت النموذج الكامل للمرأة الأميركية الشمالية، انحدرت من أسرة كبيرة، ثرية، ليبرالية في كونكتيكت، كانت والدتها مؤيدة لحقوق المرأة، ومنذ طفولتها تلقى هيبورن التشجيع من والديها كي تتبنى موقفاً مستقلاً وراديكالياً من العالم، ارتدت البنطال واحتقرت الماكياج، كانت حسناء رائعة، عنيدة كبقية أقطاب السينما البارزين الذين كانت على علاقة بهم. تزوجت في بداية الثلاثينيات زواجاً فاشلاً، ورأت أن الزواج والمسرح لايجتمعان، كوّنت هيبورن شهرتها المسرحية كأمازونية شابة مذهلة في مسرحية «زوج المحاربة»، جاء ظهورها السينمائي الأول عام 1932، في فيلم «وثيقة طلاق» شاركها في البطولة جون باريمور. جعلتها الجذور الاجتماعية لعائلتها، الفتاة المناسبة لأداء دور جو في فيلم «نساء صغيرات» الذي أعدته للسينما أركو عن قصة لويزا ماي ألكوت. حازت على أول أوسكار عن أدائها النابض بالحياة في فيلم «مجد الصباح» كممثلة متلهفة للنجاح، وكذلك الفتاة الواعدة في باب المسرح الخلفي مع جنجر روجرز. كشفت هيبورن عن أرائها المناوئة بالمساواة بين الجنسين في دور «قائدة طائرة» في كريستوفر سترونغ ودور فتاة متنكرة في «سيلفيا سكارليت»، كان آخر أفلامها في أركو هو «تربية طفل»، وشاركها البطولة كاري غرانت ونمر. الشراكة السحرية في «تربية طفل» بين غرانت وهيبورن، تجددت في شركة إم جي إم في قصة «فيلادلفيا» الذي سبق أن أحضرته إلى الاستديو من برودواي باشراف المخرج جورج كاكور، واستمرت المناوشة الهزلية بكل قوتها. لكن كما في أركو، كانت شركة إم جي إم في حيرة حول كيفية الاستفادة من هيبورن إلى أن عملت مع تريسي في فيلم «سيدة العام» لـ جوزيف مانكيوز. منذ اليوم الأول على بدء التصوير، كان واضحاً بأن شغفاً يتنامى بين النجمين، لعب تريسي درو محرر رياضي، وهيبورن دور معلقة أخبار واسعة الثقافة، كان الجمع بين الأثنين كما وصفه دافيد تومبسون يشبه الجعة والبسكوت المالح. كانت الفوارق بينهما سبباً في تقاربهما، وهو أمر أخفاه تريسي تحت مزاحه الفظ. انجذبت هيبورن إليه بسبب ما يمتلكه من قوة جسدية وحساسية عاطفية، كانت تتشكل ملامح علاقة فريدة، مما أثار الفضول بأن تريسي كان يشبه إلى حد كبير والده الذي تحبه بشغف. غارسون كانون وروث غوردون اللذان كتبا سيناريو لفيلم تريسي وهيبورن، قد لاحظا تأثير هيبورن على عمل تريسي في التمثيل، يبدو أن تريسي كان راغباً في أن يصبح نجماً كبيراً، كان يحضر إلى الأستديو ويحفظ دوره ويمثل الفيلم كما لو نظرنا إلى قائمة أفلامه قبل لقائه بكيت والأفلام التي قام بتمثيلها فيما بعد، سوف نلاحظ أشياء كثيرة مميزة طرأت لاحقاً. في فيلم «ضلع آدم» الذي كتب السيناريو كانون وغوردون، كان تريسي وهيبورن يؤديان دور زوجين محاميين خصمين خلال محاكمة وايداي بتهمة القتل، وقد عكس الحوار علاقتهما بعيداً عن الشاشة. في فيلم « الولايات المتحدة» لعب تريسي دور رجل يطمح في أن يصبح رئيساً، وهيبورن الزوجة التي تعرفه جيداً، وبصفتهما محترفين، لم يسمح تريسي وهيبورن لعلاقتهما أن تتدخل في عملهما، لم يحدث أن تناقشا في أمور العمل، لكن تحديقة هيبورن الثابتة في الفيلم، تخبرنا بالكثير عن تلك العلاقة. بوجود تريسي معها، أخضعت هيبورن مهنتها لمهنته، فكانت تدلك الأنا الرقيقة الذي تحمله وتطعمه في الليل وتسهر عليه عندما يمضي تريسي إلى واحدة من حفلاته، كانت تلحق به وتنظفه وتضعه في الفراش، فيما بعد ترعى عودته إلى الأستديو ثانية. قلما تصل إلى قرار مهني على أساس الكيفية التي سيؤثر فيها على تريسي، وأصبحت علاقتهما حقيقة ثابتة في هوليوود، بحيث أن محرري أعمدة الشائعات تركوهما وشأنهما، كانت العناية بـ تريسي ستصبح محنة أمام هيبورن. ففي عام 1943، وصف له عقار لمقاومة اكتئابه، لكن خلال تصوير فيلم «شاب اسمه جوباتا» كان واضحاً بأن كل ما يقال عن العلاج، لم يكن حكيماً، ولولا اهتمام هيبورن المتواصل لتدهورت صحة تريسي تماماً، لكن سرعان ما اجتمعا في فيلم «من دون حب» بمشاركة لوسيل بال وفيه لعبا دور عالمين تربطهما علاقة حب معقدة. في فيلم «والد العروس» وجد تريسي نفسه في ظروف أقل إثارة للجدل، «اعتدت دائماً أن أفكر في أن الزواج، مسألة بسيطة». أحرزت هيبورن نجاحاً أمام همفري بوغارت في فيلم «الملكة الأفريقية»، وفي فيلم «بات ومايك»، عمل تريسي وهيبورن معاً، وفيه كان تريسي متعهد حفلات رياضية، أشيب الشعر، وهيبورن بطلة رياضية، ارستقراطية تمتلك مهارات أدهشت الشاب برونسون. في العام 1955، حقق تريسي نجاحاً كبيراً في دور الغريب ذي الذراع الواحدة في فيلم «يوم عصيب في بلاك روك»، وكان في منتصف الخمسينيات من عمره، وقد بدا أكبر سناً مما هو عليه، لكنه لم يزل يحتفظ بحضور جسدي يرهب جانبه.، لكن تريسي لم يستطع الإفلات من قبضة المشروب، وافترق عن شركة إم جي إم بعد فيلم «يوم عصيب في بلاك روك»، وبينما كان يصور فيلم «الجبل في أورما» مع روبيرت، سقط عن العربة بشكل مؤثر، والأسوأ سيأتي عندما أسند إليه دور العجوز في فيلم «الشيخ والبحر» عن رواية همنغواي، بنفس الاسم. تم التصوير في هافانا، أحضر همنغواي المدمن على الشراب، تريسي معه، وقد أنهى المخرج فريد زينمان الفيلم في حجرة الأستديو. في عام 1962، اعتزلت هيبورن التمثيل، لكنها عاودت الظهور عام 1967، لتمثل فيلماً أخيراً مع سبنسر تريسي. تقول: «في السنوات الأخيرة من حياة تريسي أقللت من التمثيل، لم يكن هو في صحة جيدة، وقد فارقه الإحساس بالثقة، وكنت في وضع يمكنني من تخفيف وطأة الحالة عليه». تقول كاترين هيبورن: «عندما التقيت سبنسر اكتشفت نفسي، كان واضحاً أن ذلك يعني لي الكثير، أعتقد أن الأمر يجب أن يكون، لكنه امتلكني وأنا لم أمتلكه».‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية