تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


برامج عاطفية.. بئراً لأسرارهم!!

شباب
الأربعاء 30-6-2010م
هزار عبود

أعيش قصة حب من طرف واحد.. أحبها ولا اتجرأ على مصارحتها.. أحببته نعم لا كتشف خيانته.. افترقنا بسبب رفض أهلها وكلمات أخرى كثيرة

يطلقها شباب وشابات أختاروا أثير الإذاعة كصديق جديد يؤنس لياليهم ويسمع همومهم وربما يكون (فشة خلق) لا أكثر، و بينما أسمعهم كل مساء على أثير يحمل أحاسيسهم ومشاعرهم عبر إذاعات مختلفة تراودني الكثير من الأسئلة- ما الذي يدفع الشباب للبوح بأسرارهم وعواطفهم للعلن؟ وهل اختفى من حياتنا من يسمعنا ويشاركنا همومنا؟ وهل فعلاً تستطيع هذه البرامج مساعدتهم على تخطي أزمة ما أم هي فعلاً (فشة خلق) لا أكثر؟‏

مرآة لحياتنا الشخصية!!‏

عندما توجهت إلى عينة من الشباب بغية معرفة مدى تواصلهم مع هذه النوعية من البرامج وجدت أن بعضهم لم يسمع بها أبداً وما يجذبهم في الإذاعة الأغاني أو الأبراج.. لكن البعض الآخر كانوا من المتابعين لها ووجدوها مساحة للراحة النفسية وكان برنامج/ حنين/ أحد البرامج التي تكرر ذكره ولذلك اعتمدته كنموذج لهذه البرامج.‏

فهو برنامج يذاع على إحدى إذاعاتنا المحلية ويسعى ليحقق هذا الهامش من البوح من خلال متصلين يسردون قصص حبهم أو ربما فشل علاقاتهم وما يسهم في ذلك الخط الرومانسي الهادئ الذي يتخذه البرنامج وهو ما دفعني للتواصل مع مقدمه/ كريم العبد/ عله يجيب عن التساؤلات التي طرحتها في البداية حيث وصف برنامجه بأنه مرآة لكل إنسان يرى نفسه فيها بمكان ما ويكمل:‏

هذا البرنامج يسعى لتوصيل رسالة إنسانية مهمة عبر أربع ساعات في الأسبوع والتي تكون بمثابة فسحة لنفرغ ما بداخلنا، فكل إنسان يعاني من الحياة ومشكلاتها سواء المادية أو العائلية أم الدراسية، كل هذه الأنواع من المشكلات قد نتغلب عليها عندما نشعر أننا قادرون على التدحث عنها لأحد، فإن برنامج حنين يمكن أن نعتبره مرآة لكل إنسان يرى نفسه بمكان ما من البرنامج.‏

وخاصة أننا في كل حلقة نطرح موضوع يمسُّ صميم كل إنسان فهناك أشخاص مروا بتجربة مماثلة أو ممكن أن يتعرضوا لها وهي فكرة البرنامج.‏

وخلال حديثنا تناولنا أيضا المصادر التي يعتمدها في إعداد برنامجه يقول كريم:‏

إن البرنامج من إعدادي وأنا أعتمد على المنحى النفسي في الشيء الذي أود قوله، فأنا لست خبيراً عاطفياً ولم أدرس علم النفس لكني أعتمد على المطالعة والقراءات الكثيرة التي منحتني قليلاً من الإدراك النفسي، ولذلك أبدي رأيي دون أن يكون بمثابة استشارة فأنا لا أبحث عن المعلومات بقدر ما أضع نفسي مكان المستمع وأرى كيف يمكن أن يتصرف.‏

وسبب غياب علم النفس المرتبط بكل النواحي الإنسانية والنفسية التي قد يعيشها الإنسان وهو ما تقوم عليه فكرة البرنامج يقول لنا:‏

أشعر أن الناس لن يكونوا بهذا القدر الكبير من الصراحة والارتياح بوجود شخص بمثابة الطبيب النفسي لذلك أشعر أن هناك تفاعل أكبر عندما يكون الكلام بيننا وبشكل عفوي.‏

أما بالنسبة للإفادة التي تقدمها هذه البرامج ومن خلال تجربته في هذا المجال يكمل قائلاً: بعد 11 سنة في هذا المجال أشعر أن أكثر البرامج التي تكون قريبة من الناس هي البرامج الهادئة وخاصة تلك التي تكون في وقت متأخر من الليل فإن المستمع يتخلص من تعب يوم كامل في هذه الفسحة المكونة من ساعتين، فهذه البرامج يمكن أن تتفاعل مع المستمع إذا كان معده ومقدمه لديهما الحس بالمستمع أي يشعران به بشكل صحيح وتقدم النصحية بمكانها الصحيح، بالنهاية يمكنها أن تساعد المستمع إذا كان هو يريد أن يساعد نفسه.‏

يجدونها.. الملاذ الآمن!!‏

هكذا بدأت حديثها الدكتورة إسعاف حمد اختصاص علم الاجتماع في جامعة دمشق وأكملت: فهذا النوع من البرامج الذي يعتمد على الفضفضة هو من أكثر البرامج جذباً للشباب بشكل عام والمراهقين بشكل خاص لأنهم يجدون فيها الملاذ الآمن للتعبير عن ذواتهم وهمومهم ومشكلاتهم المتعددة/ العاطفية.. الأسرية.. الاجتماعية.. والتعليمية/ بشكل حر ودون قيود أو ضغوط من أي جهة فهذه البرامج تحررهم من عقدة الخوف والخجل وتتيح لهم الفرصة لطرح أرائهم ووجهات نظرهم دون تأنيب أو توبيخ أو استهزاء وحتى دون أن تطلب منهم أي تفاصيل تكشف عن هويتم الحقيقية.‏

وبشكل عام يمكن القول إن الدوافع التي تقف وراء إقبال الشباب على هذه البرامج عديدة ومتنوعة من أهمها الحاجة إلى التواصل الاجتماعي والحاجة إلى التعبير عن الذات والأراء بشكل حر وبسيط وأحياناً تكون التسلية فقط هي الدافع الأول والأخير.‏

أسباب أخرى.. للهرب إليها!‏

فنحن الشباب نعيش زمن التطورات والانقلابات المتسارعة سواء العلمية أم التكنولوجية والاجتماعية وفي ظل ذلك بتنا نفتقد نوعا ما لتلك المشاعر القوية الصادقة التي تربطنا بالآخرين تحت مسميات مختلفة كالصداقة مثلا مازالت موجودة وإلا كما يقولون: إن (خليت خربت) لكنها باتت تحتل ركناً صغيراً من حياتنا المليئة بالعلاقات المتشابكة والتي يعنون معظمها تحت المصلحة المتبادلة فهل لغياب الصداقة الحقيقية أو انعدام الحوار مع الأهل دور في ذلك أم ثمة عوامل أخرى وهنا تجيبنا الدكتورة إسعاف حيث تقول:‏

قد يكون لغياب الصداقة دور مهم في لجوء الشباب إلى هذه البرامج لكن هناك عوامل أخرى أهمها الرغبة في معرفة الذات والتعبير عنها إضافة إلى الرغبة في الإرشاد والتوجيه، وهناك أيضا الرغبة في التواصل مع شخصيات إعلامية وإجتماعية مشهورة بالإضافة إلى الأسرة وهي المسؤولة عن تكوين شخصية الفرد وهي الأساس الذي يحيط باستجابات الفرد المختلفة لكن يبدو أن علاقة الشباب بأسرهم تصل أحياناً إلى نقطة حرجة فينعدم الحوار وتغيب عنها الصداقة وبالتالي يفتقر الشباب إلى الجو الآمن المفعم بالحب والتقبل والحنان الأمر الذي يدفعهم إلى البحث عن بدائل أخرى تشبع حاجتهم إلى الاحترام والحوار ويجدون في هذه البرامج ضالتهم المنشودة.‏

ويبقى أن نقول: إن هذه البرامج ليست على سوية واحدة فبعضها جاد وهادف تطرح قضايا ومشكلات تهم الشباب ومحاولة الوصول إلى حلول ممكنة ومناسبة وبعضها الأخر سطحي جدا هدفة الأول والأخير التسلية غير المفيدة لذا لا نستطيع التعميم أو القول إنها إيجابية أو سلبية بالمطلق.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية