|
ثقافة والإصرار للأخذ بثأره منهم، لم يجد من حامل لتلك الوصية في تلك الصحارى المُقفرة سوى صخرةً ضخمة، كما لم يجد مداداً ليكتب كلماتها، سوى دم جرح ظهره النازف إثر تلك الطعنة الغادرة.!
وعلى ما يبدو من يومها، فقد ابتليّ الكتاب والكتابة العربيّان بالجمود، يوازي بثقله جمود تلك الصخرة الجاثمة في البوادي، وكانت الكتابة أشبه بالنزيف الدائم على مر الأيام، ولا تجد من سبيل للمصالحة معها، وأنما كان دائماً ثمة ثأر يؤخذ منها بطريقة ما، أو بصيغ مختلفة.! عند المنافذ والحدود فقد واجه المثقفون والكتاب العرب على طول حدود ما يُسمى «الجغرافيا العربية» جملة من الحواجز والموانع والصعوبات، نذكر منها على سبيل المثال فقط: سيطرة الجدوى التجارية، وتحكمها في سوق الكتاب دون النظر إلى القيمة النوعية، ثم كان الافتقار إلى وسائل التشجيع الإيجابية التي تُحفز الكاتب الجيد للتفرغ للتأليف، وإن وجدت فهي في الحيز الضيق دائماً. و كان أيضاً غياب الصوت النقدي المؤثر على الساحة الثقافية، ومن نافل القول إنه طالما كان للناقد المبدع دوره وحسابه عند المؤلف أولاً، وعند القارئ ثانياً، وإسهامه الإيجابي في خدمة الكتاب ثالثاً، على أن مثل هكذا أدوار كانت غائبة في أكثر المراحل من عمر الكتاب العربي. وهناك الافتقار المُخيف لدور النشر والجهات المعنية بالكتاب لاسيما في المجال المتعلق بالتخطيط المُتصل بعملية النتاج الإبداعي للكتاب، ومن المهم أن نذكر في هذا المجال افتقار المجلات الأدبية والصحف الثقافية المؤثرة على الساحة الثقافية، حتى في عز انتشارها كانت تفتقد إلى البرمجة والتخطيط الذي يُعنى بالمواد الإنتاجية المطبوعة ومعالجتها نقدياً، ومن المهم أن نذكر أن هكذا دوريات صارت اليوم شبه منقرضة، أو هي في طريقها إلى الانقراض، حتى أنّ وجودها بالصيغة الشكلية الأجمل - على الأقل - هو في الدول الخليجية فقط. ثالثة الأثافي إضافة لكل ما سبق، فإنّ المؤسسات والهيئات الشعبية والحكومية، ولاسيما تلك الجهات المعنية بالتربية في حسابها، وفي نطاق عملها ومخططاتها، كانت تفتقد لأي بوادر تشيع الكتاب أو تنمية عادة المطالعة وتعميق الصلة بالكتاب الورقي، أما المعضلة، والتي بقيت ثالثة الأثافي على مدار عمر الثقافة العربية، فتلك الحالة السياسية والرقابية التي كانت تترصد الكتاب العربي ككائن مريب ملاحق ومترصد على مختلف المنافذ والعبور. ما سبق كان بعض من السهام التي تمً من خلالها طعن الثقافة العربية في ظهرها، ولا تزال من ثمّ تنزف، وتكتب بمداد حبر دمائها، فهذه الصعوبات وسواها الكثير، كانت تُبيّن بعض ملامح محاصرة الكتاب، وضعف حركة التعريف به، والكتابة عنه ونقده وإيصاله إلى القراء المحتملين، والنتيجة هي إهمال الكتاب، حتى صار فن بائس كالدراما التلفزيونية يتفوق على الكتاب بما لا مجال للمقارنة، فصار أجرة ممثل في مسلسل، أو ثمن حلقة من مسلسل بائس يوازي أجور ما يُدفع لكتّاب دولة عربية بكامل عدتهم وعددهم. والنتيجة كان أقل من يقرأ في مختلف مناطق الكون، هم العرب. ما قبل الأخير الكتاب الورقي، الذي كان الحامل ما قبل الأخير للكتابة والثقافة العربية، كانت قد مرّ بمراحل كثيرة ابتداءً من صخرة كليب، والرقم الطينية والجلود وورق البردي، حتى وصل لعصر الطباعة، ومن ثم الكتاب الورقي بشكله الحالي، لكن اليوم وقد صار للكتاب حامله الإلكتروني، على مواقع النت، ومواقع التواصل الاجتماعي، والذي لا يختلف بتقديري عن الواقع، إلا بالسرعة في اكتشاف أنفسنا والآخرين، وفي إمكانياته المتوفرة والمتاحة للوصول إلى النتائج بأقصر فترة زمنية، وكان لذلك نتائجه التي أسقطت على مدى أكثر من عقدين من الزمن، كل أوراق التوت عن عورات الجسد والعقل والقلب، ولاتزال في طريقها، لتسقط كل الأقنعة عن وجوه الجميع الداخلية، لتعكس الواقع بكل تفاصيله العارية المشوهة، ولتمنح فرصة التأمل، هنا سيمنحك النشر الإلكتروني الفرصة لمشاهدة كل شيء من بعيد، مختلف منتديات القراءة والحوار، ولا يتم فيها إلا الإقصاء والسجالات والحوار بأقصى حالات الشتائم حيناً، وبمنتهى اللطف طوراً. كما يمكن للمرء أن يُتابع كتاباً يكتبون بشكل جميل ومقنع عن الواقع الحرج الذي يحتاج لنهضة استثنائية، وهم أنفسهم - ربما - ستقرأ لهم يتبادلون الاختلاف مع كتاب آخرين بالتحريض وإثارة ردات الفعل الغرائزية لدى الآخر، وسوف تقرأ الشعر وستصيبك التخمة، وكذلك النفور من تحويل الشعر لمهنة شائعة. كما بإمكان من يُريد أن يُحمّل مكتبة بكاملها، وبأقل كلفة، إذا كان يسعى لأن يقرأ، لكن رغم كل هذا الفضاء المفتوح للكتاب، بقي الكتاب مغلقاً، وبقيت نسبة الذين يقرؤون في العالم العربي، ثابتة في كل الأزمنة، ثبات صخرة وصية alraee67@gmail.com">كُليب.!! alraee67@gmail.com |
|