|
شؤون سياسية كان من أشهرها عملية الجاسوس الإسرائيلي جوناثان بولارد الذي ما زال في سجنه منذ سنوات ولم تفلح جهود اللوبي الصهيوني والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في الإفراج عنه، زد على ذلك أن إسرائيل لم توفر رغم تلك العلاقة الاستثنائية التي تربطها بالولايات المتحدة أعمالاً عسكرية هجومية ضد أهداف عسكرية أميركية وأشهرها قيام إسرائيل بمهاجمة السفينة الحربية الأميركية ليبرتي إبان عدوان إسرائيل على الدول العربية في عام 1967 والتي راح ضحيتها عشرات الضباط والجنود الأميركيين، ورغم هذا وذاك بقيت العلاقات الأميركية- الإسرائيلية النموذج الاستثنائي دون منازع، لكن اليوم يبدو أن أصواتاً غربية وعربية بدأت تراهن على أن جملة من المتغيرات الدولية وربما الداخلية سواء في الجانب الأميركي أم الإسرائيلي مرشحة لإحداث تراجع حقيقي في استثنائية تلك العلاقة ولعل العرب هم الأكثر مطالبة قبل غيرهم باستغلال تلك المتغيرات لصالح قضاياهم، وبالتالي لإحداث الشرخ المطلوب في بنية العلاقات الأميركية- الإسرائيلية كي يجعل الأميركيين يقفون على مسافة واحدة مع أطراف الصراع في المنطقة. خبراء كثر من الوسطين الأميركي والأوروبي يرون أن ذاك النمط الشاذ في العلاقات الأميركية- الإسرائيلية مرشح كما يبدو في ظل معطيات دولية جديدة إلى الانحسار والتراجع، ذلك لأن الولايات المتحدة في عهد أوباما هي في طريقها للتغيير وكذلك جنوح إسرائيل إلى مزيد من التطرف ومثل هذين الأمرين في كل من الولايات المتحدة وإسرائيل يسيران في واقع الأمر في اتجاهين متعارضين، إضافة إلى أن نخبة صنع القرار في أميركا أوباما أدركوا حديثاً عجز القوة الأميركية عن تحقيق أي نوع من أنواع الهيمنة المنفردة على العالم أو حتى في قيادة النظام الدولي لفترة طويلة، وبالتالي أدركوا الفشل العسكري الذي مني به الجيش الأميركي في العراق وأفغانستان، أضف إلى ذلك أنهم أدركوا أيضاً السقوط الأخلاقي للسمعة الأميركية في العالم وتراجع النموذج الأميركي كنموذج يحتذى به على الصعيد العالمي، وفوق كل هذا وذاك الأزمة المالية العالمية والاقتصادية التي بلغت من الضخامة حداً فرض على إدارة النظام الرأسمالي العالمي مراجعة أسس هذا النظام وبالتالي الضعف المالي والاقتصادي الذي كشف عن ورقة التين لهذا النظام الرأسمالي، الأمر الذي سهل كل ذلك فرصاً في غاية الأهمية لقوى دولية طامحة للمشاركة في قيادة النظام الدولي الجديد، وبينما كانت مكانة الولايات المتحدة في النظام الدولي آخذة بالتآكل والتراجع كانت مكانة تلك القوى الدولية الأخرى تتعاظم وتزداد مكانة وقد استطاعت روسيا على سبيل المثال أن تستعيد مكانتها وتفرض نفسها من جديد كقوة عالمية، في حين واصلت الصين نموها الاقتصادي بمعدلات متسارعة جداً وأصبحت مرشحة لشغل موقع القوة الاقتصادية الأولى في النظام العالمي خلال فترة لا تتجاوز ربع قرن ثم هناك الهند والبرازيل وغيرها من القوى التي تطالب بمقعد دائم في مجلس الأمن. إذاً كما يقول المراقبون الغربيون: إن مثل هذه المتغيرات تبدو عميقة إلى الدرجة التي تفرض على واشنطن إعادة النظر في خريطة تحالفاتها الدولية وكل الدلائل تشير إلى أن أميركا لا بد أن تسعى لإعادة صياغة العلاقة مع إسرائيل على أسس جديدة ترتكز كما هو متوقع إلى تغليب المصلحة الأميركية أولاً عوضاً عن العلاقة الحالية التي تغلب المصلحة الإسرائيلية على المصلحة الأميركية. والحال كذلك كما يقول هؤلاء المحللون ينطبق على الساحة الإسرائيلية التي تراجع فيها دور قوى الاعتدال لصالح قوى التطرف الديني لتحقيق المشروع الصهيوني وهو ما يدفع بالمنطقة وبالعلاقات العربية بشكل عام مع قوى الغرب إلى حالة من الاضطراب قد لايكون من السهل السيطرة عليها، كما هو عليه اليوم ولهذا فإن موازين الساحة الإسرائيلية في مجمل قواها السياسية تميل لصالح ذاك اليمين المتطرف وهو ما كشفت عنه الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة ولهذا سيكون من الصعب جداً على حكومة إسرائيلية كهذه تبني سياسة قابلة للتجاوب مع متطلبات الخطاب السياسي الأميركي الجديد ولاسيما أن هذه الحكومة تضع نصب عينيها تصفية المشروع النووي الإيراني وتصفية حزب الله وحماس الفلسطينية وهي تعمل على هذه القاعدة الثلاثية دون أن يكون لديها أي شيء تعطيه للسلطة الفلسطينية سوى استراتيجية فرق تسد ولعبة شد الأطراف التي كشف عنها ليبرمان والتي تستهدف إثارة الفتن الطائفية وشغل الدول العربية الرئيسية بصراعات داخلية تحول دون انخراطها في الصراع العربي الصهيوني، ولأن مثل هذه السياسة قد لا تتفق كثيراً مع توجهات إدارة أوباما الجديدة التي يبدو أنها ميالة كثيراً لفتح صفحة جديدة مع دول المنطقة والاستمرار في حل الدولتين لتسوية القضية الفلسطينية وبمثل هذه الخطوة سيكون من الصعب جداً استمرار التوافق الاستثنائي في العلاقة الحالية الأميركية الإسرائيلية. الطرف الإسرائيلي بدوره يدرك أن نتنياهو ليس من السهولة عليه الدخول في صدام مباشر مع إدارة أوباما وهو كما تشير دوافعه يسعى أولاً إلى احتواء هذه الإدارة الأميركية الجديدة بوسائل شتى فيما أيضاً الرئيس أوباما يريد أن يجد مخرجاً له من أزماته التي ورثها عن سلفه في العراق وأفغانستان وغيرها، ولهذا يرى أوباما كما يقول معاونوه أن علاج تلك القضايا يستوجب قدراً كبيراً من الهدوء والاستقرار في البيئة الدولية المحيطة وانتهاجه الوسائل الدبلوماسية عوضاً عن الوسائل العسكرية، وهذا بالطبع ما يتعارض مع خطط المشروع الصهيوني. إذاً أمام الصورة القريبة من الواقع والمنطق لتوجهات إدارة أوباما فإن الفرصة متاحة أمام العرب لبناء علاقات عربية أميركية متوازنة جديدة تسمح بإحداث وتعميق التناقضات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وبالتالي تجنيد العرب لقوى دولية أساسية أخرى للضغط على إسرائيل وهذا بالطبع ممكن جداً في ظل هذه الفرصة المناسبة في حال التوصل إلى مصالحة عربية حقيقية تضمن البدء في ترتيب البيت العربي وفق رؤية واضحة لإدارة الصراع مع الكيان الصهيوني وبناء أمة العرب لشبكة من التحالفات الدولية الجديدة التي تعزز مطالبهم. إذاً نحن اليوم أمام حالة جديدة وفرصة جديدة في ظل متغيرين أساسيين نحن والولايات المتحدة، في حين أن حكومة نتنياهو يبدو أنها ستحاول تحقيق مزيد من الانقسام العربي العربي- العربي وعلى الجبهة الأميركية السعي إلى إجهاض ديناميكية التغيير التي أوصلت أوباما إلى الرئاسة، إضافة إلى عهدة إسرائيل في حكومتها الجديدة بإشعال المزيد من الحرائق الجديدة في مناطق عربية واسلامية تحول دون التئام شمل العرب. |
|