|
شؤون سياسية هذا الاتفاق الذي يقتضي تطبيق الشريعة الإسلامية، الشرط الطالباني للسلام، في كل إقليم مالاكاند، حيث تتخذ الحركة من وادي سوات معقلا لها، فإن حركة «طالبان» قامت ب«غزوة» جديدة في مالاكاند، حيث استولت لأقل من يومين على بونير ودير السفلى على بعد 100 كيلومتر عن العاصمة النووية الباكستانية، ضاربة بعرض الحائط اتفاق السلام، الأمر الذي أثار استنفارا دوليا في البلدان الغربية، خصوصا لدى واشنطن ، المتخوفة جدا من التداعيات الخطيرة لسقوط باكستان في أيدي المتشددين الإسلاميين، وبالتالي سقوط السلاح النووي الباكستاني في أيدي «طالبان» و تنظيم «القاعدة»، وهو ما سيجعل أميركا في وضع لا تحسد عليه لجهة التدخل لإنقاذ الحكومة المركزية الضعيفة في إسلام أباد. هذه التطورات الأمنية والعسكرية المتسارعة في باكستان ، البلد المسلم الوحيد الذي يمتلك ترسانة نووية لا تقل عن خمسين قنبلة نووية، جاءت لتؤكد أن حركة «طالبان» الباكستانية قادرة على تهديد العاصمة متى شاءت ذلك، و أنها تمثل دولة داخل الدولة، وهذا ما جعل وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون تقول أمام إحدى لجان الكونغرس كلاماً مخيفاً، إذ اعتبرت أن الوضع في باكستان يشكل «تهديداً قاتلاً» للأمن الدولي. معطية بكلمتين فكرة عن مدى التدهور الذي طرأ على هذا الوضع وما يمكن أن يحمل في ثناياه من مخاطر على المنطقة كلها، معتبرة أن الخطر الوجودي على باكستان متأتٍ من حركة «طالبان » وتنظيم «القاعدة»، لامن العدو التقليدي لإسلام أباد، أي الهند.و كان المسؤولون الكبار في الإدارة الأميركية أرادوا من تضخيم الأحداث الأخيرة، إقناع قادة إسلام أباد بالتخلص من الخوف، والضعف، وعدم التجانس، و التواطؤ من جانب أجهزة الاستخبارات العسكرية الباكستانية. ويعطي المحللون الغربيون تفسيرات متباينة حول هذه الغزوة «الطالبانية» الجديدة، إذ تقول الكاتبة الأفغانية والأستاذة في جامعة «كوين» البريطانية أماليندو ميسرا، إن السبب وراء انسحاب «طالبان» «السريع الهادئ» من بونير ودير السفلى، وسيطرة الجيش الباكستاني «بهذه السرعة» على المنطقة «ربما يكون اتفاقا مسبقا مع جهاز الاستخبارات الباكستانية «آي إس آي»، التي تدعم الحركة استراتيجياً». برأي ميسرا، كانت الغزوة برمتها «اختباراً للمزاج السياسي والاستراتيجي لدى كل من الباكستانيين والولايات المتحدة وحلفائها»، وأيضاً لأثر أي توسع طالباني في نفوس المدنيين. أما الأستاذ في جامعة نيوهمشاير الأميركية مارك هيرولد، فيعزو الغزوة إلى إجراء فردي نفذه فصيل من «طالبان» الباكستانية لأسباب انتهازية أو شخصية «ثم تعرض لتوبيخ، بسبب ما قد يلحقه ذلك من أذى باتفاق السلام، ما دفع بهم إلى الانسحاب». هيرولد يستبعد هذا التهور غير الضروري من قيادة «طالبان، في وقت يؤدي فيه النظام الباكستاني «دوره على جبهتين: استرضاء الولايات المتحدة، واسترضاء الإسلاميين المتشددين، لأن ضعفه لا يترك له خيارا آخر». ويرجع تاريخ حركة طالبان في قسم كبير منه إلى التدخل المباشر للمخابرات الباكستانية، فحركة طالبان هي في الأصل جمعية دينية حديثة النشأة تفرعت عن جمعية باكستانية أصولية أخرى تسمى « جمعية علماء الإسلام » التي يتزعمها رجل الدين الباكستاني ملا سميع الحق وهو بدوره انشق عن الجماعة الأساسية التي يقودها ملا فضل الرحمن في عام 1993، وتدير الجماعة مدارس دينية في باكستان. ومنذ الغزو السوفياتي لأفغانستان في نهاية 1979 وحتى بداية التسعينات كان المهندس للسياسة الباكستانية في أفغانستان هو الجنرال ضياء الحق وورثته، الذي أرسى دعائم أساسية للنظام الباكستاني ما زالت سارية المفعول، وتحقق الاستقرار في البلاد، تقوم على دعم الأحزاب الإسلامية الأصولية، والجيش، والعلاقة الوطيدة مع الولايات المتحدة الأميركية . وعندما أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش أن «الحرب على الإرهاب» هي أولى حروب الألفية الثالثة ,بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، كانت أفغانستان هي المسرح الرئيس لهذه الحرب، التي نجم عنها سقوط نظام «طالبان»،حيث لجأ مقاتلو حركة «طالبان» إلى المناطق القبلية الحدودية داخل الأراضي الباكستانية ،وتحديداً في الاقليم الشمالي الغربي الحدودي، الذي تقطنه إثنية الباشتون( 10 في المئة من السكان البالغ عددهم 160 مليون نسمة)، وهي قومية الأكثرية في أفغانستان (50 في المئة) ، إذ إن وجود أعداد كبيرة من الباشتون داخل الأراضي الباكستانية – وهو من مخلفات تقسيم الحدود في العهد البريطاني التي أملاها الصراع الروسي – البريطاني، كان يجعل اسلام آباد تنظر باستمرار بحذر الى احتمالات ولادة نزعات باشتونية انفصالية داخل باكستان نفسها. وكانت السلطة العسكرية في إسلام أباد متسامحة مع حركة «طالبان»، وتغض النظر عن نشاطها،لأن باكستان خسرت في الحرب الأميركية على الإرهاب عمقها الاستراتيجي في أفغانستان، الذي كان يمكنها من تعزيز مكانتها الاستراتيجية في المنطقة لتعويض اختلال التوازن القائم لمصلحة جارتها اللدود الهند، لا سيما أن أفغانستان وقفت إلى جانب الهند ضد استقلال باكستان عام 1947. فوجود حكومة حامد قرازاي الموالية للغرب، والمتحالفة مع الهند، جعلت المخابرات العسكرية في باكستان ، تمنح التسهيلات اللوجستية لحركة «طالبان» كي تقاوم التدخل الخارجي، و لا سيما العمليات العسكرية للقوات الخاصة الأميركية وقوات الحلف الأطلسي ، إضافة إلى غارات الطيران الأميركي ،و استخبارات الهند، و لكي تعود أيضا إلى أفغانستان ، و ربما لإقامة دولة تكون تابعة لباكستان . وهذا ما جعل مقاتلو «طالبان» يشنون حرب عصابات حقيقية بداية من سنة 2006 ضد الحكومة الأفغانية الفاسدة، التي أظهرت عجزا حقيقيا عن صد هجماتها. و بشكل مواز، تـحالفت «طالبان» مع الباشتون في المناطق القبلية، لتفرض سلطتها وقانون الشريعة، متحدية بذلك السلطة المركزية الباكستانية. في ظل هذه التطورات تصبح الاستراتيجية الجديدة التي وضعها أوباما من أجل إلحاق الهزيمة ب«القاعدة» و «طالبان» في أفغانستان مهددة، وهو ما سيفرض على واشنطن القيام بمراجعة جديدة لاستراتيجيتها، و إقامة توازن إقليمي جديد، تكون الهند و إيران مرتكزاته الأساسية، منعا لدخول منطقة آسيا الوسطى في حروب طائفية و إثنية جديدة. كاتب تونسي |
|