|
رسم بالكلمات هو الذي اعتاد أن يتعرف على أشيائه باللمس والتركيب والفك أو على الأقل بالنظر أو التذوق أو الشم .. فكيف سيعرف الآن ما هو بعيد عن متناوله بعد السماء عن الأرض, وكيف يغفو على مخدة من الكواكب ويلتحف غطاء" من أفئدة النجوم ورقصات أشعة القمر .
بدت الكلمة غريبة عن عالمه الصغير ..لكنها تسللت الى تلافيف دماغه ..فحين يصيب يكون الله راضيا عنه مباركا خطواته ...حين يداعب اخاه الصغير ويحنو عليه الله يرسل اليه ببعض الحلوى ..لكنه بالامس اغضب امه فكان الله له بالمرصاد ..اسئلة تلعثم بها الطفل الذي غدا رجلا فجأة ودون مقدمات .من هو الله ؟ ماذا يلبس ؟كيف يراني ولا أراه ؟ أتراه يحب من الأطعمة ما أحب ؟ أينام بجواري حين أنام...؟ والكثير الكثير من الأسئلة المدّثرة بالدهشة الطفلة, لمخلوق بالكاد تعرف الكلمات طريقها إليه . وقف بجوار أمه المنشغلة بتحضير أطباق الطعام لمائدة الغداء ..سألها بحياء وبصوت يكاد يكون همسا ": هل الله سيتناول الغداء معنا ؟ ظنت الأم أن الكلمات تعثرت في مخيلة طفلها فتسأله مستوضحة ماذا قلت يا أحمد ؟ فيعيد الصغير استفساره بشيء من نزق الأطفال . تصمت الأم برهة, لتجيب بلسان حواء الخارجة من الفردوس الأعلى . حديث بدأ بالطلاسم مما عقد الموضوع أضعافا مضاعفة في عقل الصغير لتنهي كلامها ناسية عدد السنوات المزروعة على أناملها في يد واحدة وهي أقل من شمعات عمر ابنها, فهو ندها الآن..الله يرعاك يا ولدي ويبارك خطواتك, حين توافق رغباتي وتطيعني, فرضى الوالدين من رضى الله . أقفل أحمد على دهشة ما عرفها قبلا" وغادر كشمس الغروب على أمل الشروق مجددا". بعد حين وهو يتموج في حضن والده كنهر في غابة عذراء .. تجاوز الطفل حدود خجله, وهمس في أذن والده : هل الله يحب والده مثلي ؟ ابتسم الأخير ابتسامة رضى لحبٍ غادر قلب طفله, ثم بدأ حديثه عن المثل والفضائل ناسيا" محدثه والرأس الصغير الذي يستقبل حديثه كغزو فضائي للأرض . في النهاية وافق الأم على أن رضاه على أفعاله من رضى الله عليه . حينها أدرك أحمد بحدس الطفل, وكأنه ومض واثب في فضاء مدلهم بالغرائب, أن الله سلّم أختامه وأعطى سلطته لأمه و أبيه فهما ظله على الأرض . تعاقبت السنوات على عمر أحمد وفي كل مرة حينما يسأل أحد عن الله يبدأ حديثه بالطلاسم وينهيها بتعيين نفسه السلطة الأرضية لإرادة الله في عليائه . عندما رأى الأطفال يموتون في جنوب لبنان, وفي بغداد, وغيرها من أصقاع العالم الغارق في حمامات الدم, سأل والديه : أين يذهب هؤلاء الأطفال ؟ أجابا باتفاق غير منسق : يذهبون الى أبيهم الذي في السموات ؟ -وهل الله يحرمهم من اللعب والذهاب الى المدرسة ليأخذهم ؟ ارتبكت الإجابة وضاعت في انشغالات مفتعلة. بعد عقدين من عمر أحمد اكتشف أن الله مختلف عن كل ما سمعه, وأن تفسير بعض الأشياء يشوهها. |
|