|
أبجــــد هـــوز والله العظيم من كل قلبي فرحت كثيرا عندما قرأت الخبر ولا سيما أن العادة جرت أن نقرأ عن أخبار تمس النزاهة, لكن الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس ولا يترك بني آدم بخير, اقتحم فرحتي ساخرا وهو يقول: أنتم تشبهون الأسرة التي لديها مجموعة أطفال معوقين, ثم تتباهى في أنها أنجبت طفلا معافى, وقد أعاد هذا اللعين, أي الوسواس الخناس إلى ذاكرتي صورة موظف النفوس الذي كان ينظر إليه الناس باحتقار, ويقولون هذا الشخص بيتبرطل, أي يرتشي ولا يخجل من الظهور في الشارع أمام الناس, ويستنكرون فعلته لأنه موظف, أي ابن حكومة, وابن الحكومة «لازم يكون محترم», لأنه يقبض راتبه من الحكومة أول كل شهر, والبرطيل أي الرشوة حرام وعيب وتشوه سمعة الموظف, وبتخلي الناس تحكي عليه, ويشيرون إليه بالأصابع, وتابع الشيطان الرجيم وسوسته بأن كان في المدينة موظف واحد اكتسب شهرته الرديئة في أنه يرتشي ولا يخجل من أحد, وأنتم الآن تحتفلون بتكريم شخص واحد لأنه موظف نزيه ولا يقبل الرشوة, وقد عثرتم عليه بطريق المصادفة.. أخي وردة واحدة لا تصنع ربيعا. عندما تجرأ الشيطان وخاطبني بكلمة أخي, انتفضت كالملدوغ وصرخت به: لا تقول أخي, أنا ماني أخوك, أنت أخ للمرتشين والحرامية واللصوص والكذابين والمخادعين والخونة والذين يظهرون كل يوم بوجه جديد, أنت أخ لهؤلاء العلق الذين يمصون دم الوطن وأهله ولا يقدمون أي شيء.. انقلع من خلقتي أيها الشيطان الرجيم. بعد ذلك أحسست أن صوتا رحمانيا يخاطبني قائلا: أحسنت يا صديقي بطرد هذا الملعون, وصدقني أن الوردة الواحدة تصنع ربيعا, قلت: كيف؟ قال: هذا الموظف النزيه قدم وردة للوطن, والمسؤول الذي قام بتكريمه أيضا قدم وردة للوطن, وكل شخص نزيه وكل مخلص وكل شريف يقدم لوطنه وردة, والقاضي العادل, ومن يأكل لقمته بالحلال, والفنان الجيد, والكاتب النزيه, ومن يقف ضد الظلم والباطل, ومن يحارب الفساد, ومن يجاهر بالحق, ومن يصنع الخير ويحرص على العدالة والقانون والمساواة, والذي يفضح الغلط ويشير إلى الصواب دون أن يرتجي منفعة أو مكسبا شخصيا.. كل واحد من هؤلاء يقدم لوطنه وردة, ومجموع هذه الوردات تصنع الربيع. وهنا قلت لنفسي: قديش الفرق كبير بين حكي الملائكة, وحكي الشياطين؟ لكن المشكلة ليست في كلام هدول ولا هدول, المشكلة في الشخص اللي ما بيسمع غير كلام مصلحته الشخصية ولو كان من بعده خراب البلد أو الطوفان. |
|