تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ببخارٍ أخير يكتب حمزة ديوب ....قصائد عن دنيا مكتملة لا ينقصها غير الحقيقة

ثقافة
الثلاثاء28-4-2015
علي الراعي

وكان كل يوم

قبل أن ينام‏‏

يُشعل المصباح فوق سريره‏‏

لا لشيء..‏‏

فقط لتراه الأحلام‏‏

هذه بعض من شهقات الشعر التي يُسطرها الشاعر حمزة عبود في مجموعته الصادرة عن دار التكوين في دمشق، و.. التي اختار لها عنواناً لافتاً ومخاتلاً هو: (البخار الأخير).‏‏

و.. في هذه المجموعة، للشاعر ديوب، يُمكن للمتلقي أن يتلمس ثلاثة مستويات من القول الشعري، وهو ينسحب على الإيقاع وحرارة (الومض الشعري) كما على شكل القصيدة، في المستوى الأول نراه يبني عمارته الشعرية من خلاله على (المتواليات) في كل (متوالية) حكاية، ثمّ لتتوالى الحكايات، و.. كأنها لا تريد لها أن تنتهي. و.. من وجهة نظري الشخصية، فإنّ الشاعر في هذه المتواليات، استطاع القبض على (بيت القصيد) بكل ما للعملية الشعرية، أو (اللعبة) الفنية من إبداع.‏‏

في المستوى الثاني من شغل الشاعر، نجده يذهب صوب (التداعي) تداعي يذهب استطالة واستطراداً لدرجة يُخشى على القصيدة من الوقوع في مهب (الذهنية) أو ربما التجريد الشعري، حيث تتابع الجمل الشعرية، و.. تتراصف، كمن يُحيك سجادةً على مساحةٍ طويلة وواسعة، سجادة مُحاكة بطريقة (تجريد) بعض الفنانين الإسلاميين في (تزويقاتهم) من توليدات وتكرارات هندسية ونباتية لإملاء الفراغ على الجدران وغير ذلك من حوامل فنونهم.‏‏

في المستوى الثالث، نجده هنا أتي القول الشعري برشاقة غزلان تقفز على السفوح، وذلك في الاتجاه الذي يذهب بالقصيدة لأن تكون ومضةً، تلك الومضة التي تسرد القول الشعري دفعةً واحدة.‏‏

غير أن الشاعر، وفي كل مستوياته الشعرية شكلاً وإيقاعاً، غالباُ ما يكون التأمل البعيد فضاؤه لإنجاز إبداعه، لتأتي القصيدة موشحة بالسرد الحكائي، و.. كأن الشاعر هنا قادمٌ ليروي. لكنه دون أن يُضحي بالصورة الشعرية الحارة.‏‏

يسيرُ بالفرح إلى آخره،‏‏

و.. بالحزن إلى أقصاه‏‏

في رقصةٍ واحدة‏‏

حكايات شعرية يرويها الشاعر بشخصيتين فقط، كثفهما بـ(ضميري) رفع منفصل، الأول (هو) الغائب، والثاني (أنا) الذي يحضر، بعد غياب الـ(هو)، وما.. بين الـ(هو) والـ(أنا) يروي الشاعر حمزة ديوب توليداته الشعرية التي فاضت على العتبات، وأقصد عتبات (العناوين) التي كثفها هي الأخرى كما شخصيات حكاياته الشعرية، وهنا اختزلها إلى أرقام، ذلك أن الرقم هنا كثف العنوان الذي تماهى بمضمون النص. أو مع الكثير من القراءات التأويلية، وذلك ضمن خيار ساد طويلاً لدى السورياليين. أي أن جاء العنوان ليكون أقرب إلى محطة، أو وقفة قبل البدء بسرد الومضة، او التوليدة الثانية، سواء للشاعر، و.. حتى للمتلقي. وفي هذه المحطة تحضر كل (الضمائر) المنفصلة منها والمتصلة، الغائبة منها، وكذلك الحاضرة.‏‏

حتى عنوان المجموعة جاء مخاتلاً كعتبة سريعة، تريد ان تلفت الانتباه لأمرٍ ما، ثم تمضي (البخار الأخير) والذي شفعه بغلاف ملفت بعد ان سطره - العنوان - أبيض نافراً على الصورة الموحية لتلك النافذة المشبعة ببخار الماء، من تلك العتبة يضع حمزة عبود متلقي مجموعته وجهاً لوجه مع حمولات من التأويلات.‏‏

كم‏‏

عليه أن يهتدي ليضيع ؟‏‏

يسكن نبعاً، و.. يترع عطشاً‏‏

يحمل الحكمة، كمن يحمل وزراً‏‏

و.. لأن الأمر كذلك، تأتي قصائد الشاعر - لاسيما في مستواها الأول - متواليات، أو ومضات شعرية متتالية، يترك بينها مساحة من بياض، ذلك لأن مثل هذه المتواليات لا تحتمل مثل هذا (البذخ) من العناوين، فكان أن أشار لها بـ(بياضٍ) هو نص آخر بصري يُغني القصيدة بمزيدٍ من التأويل. ذلك أن (التوليدة) الشعرية، يأتي بها الشاعر كحكمة، و.. للحقيقة، فإن حمزة ديوب يبدو انه اختار لعبته الشعرية هنا تحديداً فذلك القول المكثف الذي يقول الحالة الإبداعية دفعةً واحدة. وهذا ما نجده وفيراً في المستوى الثالث الذي أشرنا إليه فيما سلف.‏‏

كاملةٌ هي الدنيا‏‏

لا ينقصها إلا الحقيقة‏‏

و.. هنا تماماً يصير للفن أحرفاً تصطاد المعاني الأجمل للتعابير، وهذا ما اشتغل عليه ديوب طوال قصائد المجموعة. و.. هنا أيضاً يمكن أن نشير إلى أن الحب يقف بأبعاده الكونية والعاطفية والروحية في قلب تجربة الشاعر، لكنه في الحيز الضيق، فقد ذهبت القصائد صوب التأملات التي كانت عماد تجربة الشاعر، صوب «مولوية «خاصة تماماً كما يذهب إلى (التأرجح.. التأرجح.. التأرجح.. يُعلم الطيران). فقد أتقن الشاعر هنا لعبة السرد بنقلها إلى مجال الشعرية، فالقصيدة تأخذ عن الشعرية المنحى الانفعالي للتجربة، وعن السرد أخذت الحياد اللغوي، يشتغل على الأمر عندما تأخذ مجموعة من المتواليات الشعرية موضوعاً واحدة، كما في موضوعة الليل على سبيل المثال، وغيرها من الإستلهامات التي كان يوفر لها الكثير من الومضات الشعرية، لتكون القصيدة تبعاً لذلك تؤكد على المعنى المتعلق بالمضمون السردي والمتمثل بالأحداث المتتابعة، أي المضمون الناتج من عملية السرد الشعري، هنا المضمون الذي يصبح أكثر سطوعاً داخل ذاكرة المتلقي، وهذا ما تستهدفه القصيدة بالأساس.‏‏

الليل كمالٌ مبكر‏‏

و.. أسرارٌ‏‏

لا يدركها إلا من يعرف‏‏

كيف يُقشّر alraee67@gmail.com"‏‏

alraee67@gmail.com‏">العتمة‏

alraee67@gmail.com"‏‏

alraee67@gmail.com‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية