|
إضاءات ممن كانت لهم علامة مميزة في الحياة التشكيلية السورية، سواء كان راحلاً، أم لا يزال يتابع مسيرة العطاء الإبداعي.. معرض الربيع الحالي (افتتح مطلع هذا الأسبوع في خان أسعد باشا) وجه تحيته للنحات أحمد الأحمد، ابن البادية السورية الذي رحل عن دنيانا قبل أشهر قليلة،بعد أن نحت اسمه خالداً في ذاكرة التشكيل السوري، وفن النحت خاصة. ومع أن ما قدمته البادية السورية من فنانين تشكيليين ليس بالكثير عدداً، فإنه مثّل علامة متميزة في المشهد التشكيلي السوري، بتنوع وأهمية التجارب التي أنجزها ثلاثة من أبنائها: مصور ملّون (أحمد مادون)، وحفّار بارع (علي سليم الخالد) – أمد الله في عمره- ، ونحات متفرد (أحمد الأحمد). وإذا كان مادون والخالد قد ولدا وعاشا في حاضرة البادية ومدينتها (تدمر)، واستوحيا الكثير من تراثها المعماري والنحتي، فإن أحمد الأحمد قد ولد في البادية ذاتها حيث لم تجد عيناه أمامها سوى المساحات الخاوية الممتدة حتى الأفق، الخالية إلا من صخور قليلة، ومثلها خيام تأوي رعاة الغنم.بحيث بدا ميله نحو النحت غريباً بعض الشيء، إلا إذا افترضنا أن تأمله الطويل بما صنعته الرياح في الصخور المتناثرة قد أثار في موهبته الفطرية رغبةً في محاكاتها.. بخلاف كثير من أبنائها الذين اتسموا بطبع ناري، أرخى هدوء البادية بطباعه على أحمد الأحمد،فكان هذا الهدوء سمة ملازمة لشخصه وإبداعه.ورغم وفرة حضوره الشخصي والإبداعي في المعارض الفنية، فقد كان بعيداً للغاية عن الصخب في حديثه وحركته وتقديمه لنفسه.وكذلك الأمر في منحوتاته التي اكتسى معظمها بحال من الاستقرار أوحى بهدوء أبدي، ما خلا بضع منحوتات بدت بما تملكه من حركة كحال الأوقات التي تعبث فيها الرياح بكثبان الرمال، معيدة تشكيلها على هواها، قبل أن تغادرها تاركة فيها ذكرى مرورها العاصف.. ولد أحمد الأحمد عام 1946، وتخرج من كلية الفنون الجميلة في دمشق (قسم النحت) عام 1972بدرجة جيد جداً. ثم سافر إلى بولونيا حيث حصل عام 1978 على ماجستير في النحت من أكاديمية الفنون الجميلة في وارسو، ومن ثم دكتوراه فلسفة علوم إنسانية في حقل تاريخ الفن من جامعة وارسو عام 1985، وكان موضوع بحثه عن النصب التذكارية، ليعود إلى دمشق ويدرّس في قسم النحت بكلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق حتى بلوغه سن التقاعد.أقام أحمد الأحمد خمسة معارض فردية في كل من سورية وبولونيا واستراليا، (استبدال النقطة بفاصلة) وشارك في المعارض المحلية والدولية منذ عام 1978، ونال جائزة النحت الثانية في مهرجان(امرأة وتربية – وطن وتنمية) سورية2003،والجائزة الثانية لمسابقة تمثال البطل يوسف العظمة 2003. امتلكت منحوتاته حساً معمارياً واضحاً، وقد استخدم فيها العديد من الخامات إلا أن الحجر كان الأقرب إلى مزاجه.كما أنه أنجز عدداً من المنحوتات الجدارية،غير أن ميله نحو النحت الفراغي كان الأكثر وضوحاً، والأكثر تعبيراً عن تجربة رحل صاحبها بهدوء، كما عاش.. عودة إلى معرض الربيع الحالي، فقد اعتمدت وزارة الثقافة فيه نظام المسابقات بدلاً عن تقليد الاقتناء الشامل الذي كان يهدف إلى تشجيع أوسع شريحة ممكنة من الفنانين الشباب.وقد يكون نظام المسابقات جديداً على المعرض، ولكنه ليس بالغريب عن تاريخه. فعند تأسيسه مطلع الخمسينات، اعتمد المعرض السنوي نظام المسابقات لسنوات عديدة قبل أن يُستبدل بأسلوب الاقتناء الذي نما وتطور مع السنين إلى أن صارت وزارة الثقافة تقتني المعرض بكامله. وقد جاء هذا الاستبدال نتيجة إشكالات عديدة كانت تلي إعلان الجوائز، وتهدد بانحسار أهمية المعرض. غير أنه في العقدين الأخيرين دار جدل طويل بين الفنانين- وإن لم يصل معظمه إلى الجمهور- عن مدى صحة أسلوب الاقتناء الشامل، خاصة بعد أن صار كثير من الفنانين يقدمون للمعرض ما هو قليل الأهمية من أعمالهم، فيما يخصون المقتنين والصالات الخاصة بالأكثر أهمية، وكانت النتيجة تراجعاً مستمراً في سوية المعرض السنوي.. من المبكر الحكم على نتائج التجربة، وإن كانت المؤشرات الأولى تسير لصالحها، وتوحي بأنها ستشكل حافزاً ضرورياً للفنانين الشباب لأجل السعي لما هو أكثر إبداعاً وابتكاراً وتجدداً.. لكن هل يمكن أن تنجح التجربة في معرض الفنانين المخضرمين؟.. خاصة إذا أخذنا التاريخ والواقع الراهن بعين الاعتبار.. |
|