|
ريف حمص- القريتين
26 شاباً لم يتجاوز عمر أكبرهم 20 عاماً.. كنا بانتظار لقاء الحقيقة معهم، وكانوا بانتظارنا لنشاركهم لحظة العودة إلى أهاليهم في مدينة القريتين، تلك البلدة التي صرخت مرتين من وجع الارهاب في عمر الازمة في سورية. رغم حكايات القهر التي طالت هؤلاء الشباب في ظلم وظلمات اختطاف التنظيم الارهابي «داعش» لهم، بعد أن دمر بلدتهم وذبح وقتل ما يقارب 200 مدني من أهلهم انتقاماً من الأمان الذي عاشته القريتين بعد أن حررها الجيش العربي السوري منذ نحو السنة ونصف السنة.. إلا أن الخوف لم يظهر على ملامح هؤلاء الشباب الذين كانوا دروعاً بشرية لانسحابات التنظيم من البلدة بعد العملية العسكرية الاخيرة للجيش العربي السوري، والذي استطاع من خلالها أن يسترد البلدة للمرة الثانية من يد التنظيم الارهابي ومن ورائه واشنطن، حيث استماتت ومرتزقتها لدخول البلدة، في محاولة لقطع عمليات الجيش وتشتيتها عن أهدافها في محافظة دير الزور وريفها.
التقينا بهم على مشارف فرحة موعد للقاء بأهاليهم، بدت وجوههم مبتسمة ومشرقة رغم تقاسيم التعب التي رسمها هول القتل والهمجية الداعشية بحقهم وبحق ذويهم من الأهالي المدنيين العزل. كثيرة هي التفاصيل التي رواها هؤلاء الشبان في طريق جلجلتهم وآلامهم، فعمر الطالب في السنة الرابعة في قسم التاريخ والذي حفظ كتبه الجامعية قالها بعفوية مطلقة: لم أقرأ يوماً في كتب التاريخ عن حجم الهمجية والغباء التي «يتمتع» بها مسلحو داعش، ويضيف الشاب: هاجموا القريتين فجأة، بعد أن كنا نعيش بسلام وبعد المصالحة التي قامت بها الدولة السورية مع عدد من المتورطين معهم من أهالي البلدة. وفي الساعة الثالثة فجراً تسللوا إلى المآذن وراحوا يصرخون «سيطرنا على الناحية»، وقاموا ببث الأكاذيب عن «انتصاراتهم» في البادية، وأنهم قد مددوا «دولتهم» القذرة على مساحات شاسعة، وبعد ذلك قاموا باقتحام المنازل و «اعتقالنا» داخل أقبية المنازل. تساقطت دمعة منه وهو يصف لنا حجم الفاجعة.. ذبحو الصغير قبل الكبير، ورموا الجثث في حارات وأزقة البلدة. يضيف عمر: شاهدت أقربائي يذبحون بالسكين، خاصة أولئك الموظفين والعسكريين.. وصل حقدهم لذبح طفل لم يبلغ عامة الثاني لمجرد أن أمه قاومت ظلمهم، وقالت إنها تقف مع الحكومة السورية، وإنها فداء لتراب هذه الارض.. صمت عمر طويلاً في حزنه.. ولكن صديقه حاول التخفيف من معاناته، فأطلق ضحكة بريئة عكست حجم حال «داعش» إبان انتصارات الجيش، قال الشاب الذي لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره: إن الدواعش كانوا جائعين، دخلوا المنازل ونهبوا المؤن ولم يسلم منهم حتى «قطرميز المكدوس». نعم أكد الشاب لنا وهو ساخر: كانوا جائعين ومفلسين، فاعتدوا على كل ممتلكات البلدة وسرقوا المحال التجارية والصيدليات والمشافي، وأجبرونا على حمل مسروقاتهم إلى المغاور المجاورة لتوزيعها على مجموعات لهم منتشرة في ساحات ضيقة من البادية.. لكننا استطعنا الخلاص منهم. أكمل الحكاية شاب آخر هو مناف، الطالب في كلية الهندسة الكيميائية والذي بدا كبطل في روايته، حينما استطاع ان ينقذ نفسه ومن معه بعد أن قتل داعشياً بسلاح يجهله... مناف قتل وانتقم لأهل بلدته بسلاح الشجاعة وحب الحياة والإيمان بالوطن. قالها مناف بكل عنفوان: قتلت أبو عبد الرحمن العراقي، ذاك الإرهابي الذي أطلق النار على رؤوس الأطفال والشيوخ.. كان أنين أخي المريض هو دافع القوة لأستلّ سلاح هذا الداعشي منه، وهو السجان علينا في المغاور التي جرّنا إليها وباقي الدواعش الـ 13 الذين كانوا معه. يكمل مناف: بعد دخول الجيش السوري إلى القريتين ارتاب السجانون الدواعش فذهب معظمهم وتركونا تحت تهديد سلاح اثنين منهم، فهجمت على أحدهم وانتزعت سلاحه وقمت بقتله، وتمكنت مع 26 شاباً من الوصول إلى أقرب نقطة للجيش السوري، وهي تكفلت بإنقاذنا وجلبنا إلى هنا للعودة لأهلنا.. ختم مناف وظلت كلماته الأخيرة تتردد في أذني: لم أكن أتوقع يوماً ما أن أقتل أحداً ولكننا لسنا دعاة قتل بل نحن نرد القتلة والإرهابيين لسلامة بلادنا. وصلنا مع المخطوفين إلى القريتين ملأ نثر الارز والسكاكر والزغاريد هواءها استقبالاً لابنائها.. وكان لدموع الأمهات والأهالي تفاصيل وحكايات أخرى تحكي عن الصرخة الثانية للقريتين ستسرد صحيفة الثورة تفاصيلها غداً... |
|