تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الانقلاب التركي على مخرجات استنه لن يمر

دمشق
الثورة
دراسات
الأثنين 30-10-2017
العميد د. أمين محمد حطيط

قادت تركيا العدوان على سورية تحت أشراف أميركي، وعملت لتسليم "الإخوان المسلين "مقاليد الحكم فيها لتكون سورية مدخلا لإقامة "الإمبراطورية العمانية الجديدة " في الشرق الأوسط لكن تركيا اصطدمت بالدفاع السوري الأسطوري،

وفشلت في عدوانها وسقط "الإخوان المسلمين" في مشروعهم الإقليمي بدءا من سورية وتمددا إلى شالي أفريقيا وخاصة في مصر.‏

رغم هذا الفشل الاستراتيجي ضلت تركيا تؤمل في العودة إلى سورية بمشروع جديد يعوض لها فشلها، وبدات تطرح المشروع تلو المشروع بدءا من المنطقة الأمنة والممرات الإنسانية ومناطق الحظر الجوي وصولا إلى أنشاء قوة عسكرية تركية تنفذ عمليات ميدانية مباشرة داخل الأرض السورية وتحتل الأرض عدوانا وانتهاكا للسيادة السورية بتعاون وتنسيق مطلق مع الجماعات الإرهابية التي احتضنتها منذ تشكيلها الأول.‏

ولكن الأحلام التركية التي تعاظمت في راس اردغان إلى حد تصور قدرته على وضع اليد على الشمال السوري بما فيها حلب التي سرق معاملها ال 1200 ليغتال الصناعة السورية التي كانت منافسا قويا للصناعة السورية وذات ارجحيه تسويقية عليها، لكن تركيا اصطدمت مرة أخرى بالدفاع السوري الصلب والذي طوى في نهاية العام 2016 صفحة حلب ودفت فيها الأحلام التركية كما قال الرئيس بشار الأسد. ثم كان العامل الكردي برعاية وقيادة واحتضان الأميركي، عامل نشا على الحدود الجنوبية لتركيا وأثار هواجس كبرى لديها تتصل بأمنها القومي ووحدة أراضيها في مواجهة خطر الانفصال الكردي.‏

استفادت روسيا من الوضع المستجد الذي أنتجه تجرير حلب و فيه انتصار استراتيجي كبير لمعسكر الدفاع عن سورية معطوفا على الحال التركية و فيها مرارة الفشل و مخاطر الهواجس تلك لدة تركيا ، و قامت روسيا بمد اليد إلى تركيا لتمنحها فرصة الخروج من سلسلة إخفاقاتها و هزائمها في سورية ة هواجسها و دعتها إلى استنه لتشكل مع ايران إلى جانبها منظومة رعاية عملية وقف أعمال العنف و الإرهاب في سورية و لإنتاج بيئة الحل السياسي الذي يحفظ وحدة سورية و سيادتها و قرارها المستقل ، قامت روسيا بذلك رغم علمها بالدور العدواني التخريبي الذي مارسته تركيا منذ بدء العدوان ، لكنها مع ذلك أتاحت لتركيا فرصة الخروج من ماضيها عملا بمبدأ " اصنع لخصمك هزيمة يمكن ان يتقبلها حتى يكون انتصارك دائما و مستقرا لا ينقض " .‏

كان من المنطقي ان تتلقف تركيا الدعوة الروسية، وتستفيد من الفرصة التي اتيحت لها، وبالفعل استجابت وسارعت إلى استنه متظاهرة بالحرص على وقف الأعمال العدوانية والسعي إلى حل سياسي يشكل مخرجا من الأزمة. لكن العارفين بالطبيعة الاردغانية شككوا منذ البدء بإمكانية وفاء اردغان باي تعهد يقطعه خاصة وان انقلابه على التفاهم الاستراتيجي مع سورية وظهوره بمظهر العدو الخبيث اللئيم لا زال ماثلا في الأذهان. ومع ذلك ورغم التشكيك ورفض التصديق بان اردغان يمكن ان يصدق، تمنى الجميع ان يكونوا هذه المرة مخطئين وان يلتزم اردغان طريق الصدق والأمانة والوفاء بالتعهد. لكن مسار تركيا خلال الجولات الخمس الأولى في استنه خيب امل المتفائلين وأكد شك المشككين.‏

وفي الجولة السادسة من اجتماعات استنه، توصلت القوى المشاركة إلى اتفاق حول إدلب ومنطقتها بجعلها منطقة منخفضة التوتر وحددت مساحتها وتعهدت تركيا بان تقوم بمراقبة تنفيذ المجموعات المسلحة عملا بقواعد مناطق خفض التوتر وفقا لما أرسى في استأنه حول هذا الموضوع.‏

لقد كان على تركيا بمقتضى التكليف في استنه، ان تقوم بفرز الجماعات المسلحة في إدلب بين إرهابي واجب تصفية وجوده، ومعرض مسلح يقبل الانخراط في العملية السياسية ويلتزم بوقف الأعمال العدوانية، وان تقوم باتخاذ التدابير اللازمة عبر مراقبين تنتدبهم لذلك للتحقق من التنفيذ والتزام الجماعات المسلحة بهذا الاتفاق.‏

لقد كان المخرج الذي اتفق عليه في استنه ليحل مسالة إدلب، مخرجا مناسبا رأى فيه الراعيان الروسي والإيراني انه يوفر على سورية وحلفائها معارك ضارية لتصفية الإرهاب هناك وتطهير منطقة إدلب واستعادتها عبر برنامج مرحلي إلى كنف الدولة، لكن الحكومة السورية أشعرت الجميع بان تركيا ليست محلا للثقة، وان سورية لن توافق على أي وجود عسكري تركي قتالي على أراضيها لأنها ترى فيه احتلالا ينتهك السيادة الوطنية.‏

وفي التطبيق صحت مرة أخرى الهواجس السورية وشكوك المشككين بالنوايا التركية، حيث انه وبعد أسبوعين على بدء العمل التركي في إدلب تبين للقاصي والداني ان تركيا انحرفت كليا عن مخرجات استنه 6 وراحت تنفذ مشروعها الخاص الذي يبدو أنها متمسكة به لا يفارق خيالها. وهو مشروع السيطرة على سورية ان لم يكن كليا لأنها لمست الاستحالة في ذلك، فليكن برأيها جزئيا كما تحلم وتتمنى الأن. ومن اهم ما سجل من انحراف تركي في مهمة إدلب كان:‏

1) إدخال الجيش التركي كقوة قتالية تنفذ مهام ميدانية عملانية من احتلال وسيطرة على الأرض في حين ان المهمة كانت إدخال مراقبين عسكريين فقط للتحقق من تطبيق قواعد العمل في منطقة خفض التوتر.‏

2) أما الانحراف الثاني فقد كان في التنسيق التركي العلني الوقح لا بل العمل مع جبهة النصرة الإرهابية في الميدان كتفا بكتف، ففي حين كانت طبيعة مهام تركيا بموجب مخرجات استنه تصفية جبهة النصرة نجد الجيش التركي يؤكد تحالفا مع هذه المنظمة الإرهابية، ويستمر بالتعامل معها كما كان منذ نشأتها دون ان يكون لاستنه ومخرجاتها أي تأثير يحملها على التغير.‏

3) أما الانحراف الثالث فقد كان في خروج تركيا عن النطاق الجغرافي للمهمة وتوجه قوات تركية إلى تطويق عفرين ومنهم من يتوقع اقتحامها وضمها إلى منطقة إدلب وهناك من يتخوف أيضا ان يتمادى التمدد من الباب إلى منبج وكامل المنطقة من ريف حلب الشمالي إلى إدلب وجسر الشغور.‏

هذه انحرافات تركيا وخطتها العدوانية الجديدة فهل تمر؟‏

في البدء لا بد من التذكير بان الراعيين الروسي و الإيراني لن يسمحا لتركيا بخداعها و أفشال مشروع بذلا الكثير من الجهود من اقله ، و اذا كانت تركيا تدفن راسها في الرمال و تتناسى أنا تعمل في منظومة رعاية و ليست منفردة في هذا الموضوع ، فان ردة الفعل الأولية من الراعيين و ما هو منتظر منهما في استنه 7 بعد ساعات سيكون من شانها إيقاظ تركيا من أحلامها العقيمة ، يقظة تعيدها إلى الرشد و يرجعها إلى ارض الواقع ، فان فعلت و تراجعت تكون حفظت لنفسها الموقع في منظومة الرعاية و ان لم تفعل فأنها تكون تسببت لنفسها في خسارة إضافية من طبيعة استراتيجية لان سورية و معها حلفاءها لن يسمحا باستمرار الانحراف و الخداع التركي ، الذي سيكون له علاج لن يكون اردغان سعيدا به .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية