تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


بعد تكاثر عقود الاحتكار علاقة الفنان بالصالة هل يحكمها منطق السيد والعبد؟

الملحق الثقافي
21/4/2009
وفاء صبيح

مع القليل من التحفظ فقط، يمكن توصيف ما يجري على الساحة التشكيلية المحلية، من توقيع الصالات، مع بعض المصورين، عقود احتكار،

بالظاهرة، فقد تكررت، ولا تزال، مع عدد من الفنانين، ارتضوا ارتهان نتاجهم الإبداعي تحت وصاية أصحاب الصالات، ولا يحتمل هذا القول مذمة لـ”الموقعين” عقود الاحتكار بقدر ما هو استحضار لوجهة نظر ترى الأمر في هذا الإطار، وبالمقابل تتطاول وجهة نظر أخرى تنظر إلى الكأس بتفاؤل فتراه مترعاً وفوّاراً. والظاهرة إياها، وان كانت حديثة العهد في مشهدنا التشكيلي المحلي، نجدها “موضة” قديمة ومنضبطة في مشاهد أخرى عريقة في التصوير. في هذه الأسطر حاولنا الاقتراب من هذه “الظاهرة”من خلا ل جمع النقيضين معاً.‏

والبداية مع الفنانة أسماء فيومي، التي أبرمت عقداً مع صالة أيام للفنون الجميلة وتعتمد في وجهة نظرها على مبدأ مسك العصا من المنتصف، فهي تقر أن المبدأ الأساسي لتلك العقود “أقرب للتجارة، والعقد شريعة المتعاقدين، فأنا لا أبيع ولا أشتري، وتحمل الصالة مهمات كثيرة على عاتقها وهي مهمات كانت تسبب لي إرباكاً شديداً، كعملية نقل اللوحات من بلد إلى آخر، وتصميم البرشورات أو الكتالوغات” بالإضافة إلى أن الصالة تساهم بشكل كبير في “عملية الترويج للفنان خاصة إذا كان هذا الفنان في أول مشواره الفني”. و تزيد فيومي “إن ثمة نوعاً من الشفافية بين الفنان والغاليري؛ فالعقد لا يفرض شروطاً معينة في تناول الموضوعات أو مدة انجاز اللوحات”.‏

واللمسة التجارية التي تضمنها رأي السيدة فيومي، تصريحاً أو تلمّيحاً، نجدها أكثر وضوحاً ومباشرة في حديث السيد شفيق اشتي، رئيس قسم التصوير في جامعة دمشق، فهو يرى أن العقل التجاري و”المزاجية تتحكمان في طريقة التعامل مع فنان ما دون غيره، فأصحاب الصالات، ممن يبرمون عقوداً، ليس لديهم معايير علمية أو فنية، فيخلطون بين الحابل والنابل، والخطورة الأكبر أنه يتم ترسيخ أسماء ليست سوى أبجديات تشكيلية بسيطة، وُتفرض على الساحة التشكيلية على حساب أسماء مهمة فنياً، والمسافة بين الفنان وأصحاب رؤوس الأموال تخضع في النهاية لأمزجتهم، ولا يعنيهم أن يكون الفنان سفيراً لبلدهم أم لا، وهذا ما يثير شجون أغلب الفنانين التشكيلين”.‏

ولذلك فضل اشتي “أن تبقى أعمالي في محترفي على أن يتولوا الاستيلاء عليها”.‏

الفنان والباحث عز الدين شموط، المقيم في فرنسا، وصاحب كتاب ( النقد في الفن التشكيلي، أزمة الفن التشكيلي وقيمة العمل التشكيلي بين المال والجمال) يقارن بين ما يحصل محلياً بتشريعات استنتها دول أخرى منذ نصف قرن، فإبرام الفنان عقوداً مع صالات العرض ليس أمراً جديداً ففي “فرنسا مثلا تخضع هذه العملية أي عملية شراء وبيع اللوحات الفنية وصالات العرض لقانون صدر عام 1957 ويستحوذ الفنان بموجبه على نسبة ثلاثة بالمائة من سعر اللوحة في كل مرة تباع بالمزاد العلني رغم أنه لا يملكها، وعدل ذلك القانون عام 1997 لينتفع بهذه النسبة ورثة الفنان من بعده”. لكن هذا في بلاد النور حيث لكل شيء معاييره وضوابطه، والمشكلة “في سورية وحتى في البلدان العربية أنه ليس هناك تنظيم لهذه العملية ولا تخضع لمعايير، والرابح الأكبر فيها هو صاحب الصالة الذي يلعب دوراً خطيراً في تشتيت الثروة الوطنية لهذا البلد أو ذاك. والأهم من هذا وذاك أن العلاقة بين الفنان وصالة العرض يسودها في المستقبل نوع من السيد والعبد، ويمارس صاحب الصالة سلطته على الفنان. ففي ظل الأزمات المالية وهذا ما يحصل حالياً في الغرب يصبح الفنان عاطلاً عن العمل فتتملك الصالة الفنان وقد تمنعه من العرض، بالإضافة إلى أن احتكار الصالة للفنان قد يؤثر على التقنية الفنية له لأن الفنان مطالب بكم معين من الإنتاج خلال شهر”. وهذه التداعيات تودي برأي الأستاذ شموط إلى أن يغدو الفنان “ماركة مسجلة باسم الصالة لأنها هي التي تُسّطع نجوميته وتصنع الكراسات عنه، وتعلن له وترفع أسعار لوحاته، والكثير من الفنانين الغربيين فقدوا هوياتهم، لأنهم كانوا من صنع الصالة. ومن مثالب توقيع عقود الاحتكار عندنا أنه في حال عدم رواج أعمال الفنان فإنه يتعرض لكثير من الابتزاز وهو غير مرغوب به طالما أن أعماله غير قابلة للتسويق.كما أنه في حال الكساد يمكن أن يلقى به في الشارع”.‏

ويستطرد الفنان شموط مُستشهداً بكتاب عنوانه (تجارة الفن) للسيدة كلود مولان، تقول فيه إن بعض صالات العرض بباريس، شغلت الفنانين المتعاقدة معهم، خلال فترات الكساد، بأعمال وظيفية خدمية للصالة، كملاحقة دور النشر وتقديم المشروبات في حفلات الافتتاح. ويسوق الفنان شموط من الكتاب إياه مثالاً آخر أيضاً، على لسان أحد الفنانين وهو يصف طريق (النجاح) الذي سلكه صديقه: في البداية توجب على صديقي أن يبيع نفسه بصورة كاملة وأن يقطع الصلة مع طبقته الفقيرة وأن يتحول إلى مداهن ومتملق، فصار يكره الفقر والفقراء، وطلب “النجاح” بأي ثمن، فلعب دور الخادم والمهرج في حفلات الافتتاح وصار يتقرب من نقاد الفن والصحفيين فيقدم الهدايا والدعوات وأحياناً يقوم بأعمال السخرة. وكان صديقي هذا يقول لي إن سوق الفن هي عبارة عن أسرة واحدة حيث يوجد الممول ومدير الغاليري وناقد الفن، وضمن هذه الأسرة يجب الدخول. وعندما كسدت بضاعته أصبح جزءاً هامشياً من الأسرة. ويردف قائلاًَ: لقد تعلم صديقي كيفية القيام بحركات تثير الإعجاب أي كان مهرجاً لا مبدعاً. ويختم شموط حديثه بالأماني في أن يكون “عندنا مبدعون، فنانون، لا مهرجين”.‏

الناقد و التشكيلي أسعد عرابي يعترف بأن العقد الذي وقعه مع صالة أيام يمنعه من العرض خارجها. لكنه في المقابل يعتبر أن عقود الصالات هي “النموذج ا لأمثل لتفرغ الفنان”. و يضيف بأن الحالة التي لا يفكر فيها المرء بالمادة تكون مثالية، والتفرغ “أفضل من أن يعمد الفنان للمتاجرة بلوحاته، طالما أن العقد الموقع مع الصالة لا يمس شخصية اللوحة، العقود مع الصالات عامل مساعد للفنان، وهو أمر يشبه رعاية الحكومة التي تعمل على تفرغ الفنان”.‏

وفي تقدير عرابي أن هذه العقود لا تصب في مصالح أصحاب الصالات فقط بل هي “تنعش الفنان وتجعله أكثر حرية وتخفف عنه الضغط المادي، كما أنها تزيح عن كاهله موضوعاً كبيراً يقلقه على الدوام وهو تسويق لوحاته وإشاعتها بين الناس”. وعرابي الذي انتهى للتو من إقامة معرض في صالة (التعاقد) يرى أن اللوحة في كل العالم تنجز “لتكون عند الأخر وليس عند من أنجزها. ولا يمكن إشاعة اللوحة إلا عن طريق التسويق وصالات العرض، وحتى اليوم لا توجد وصفة ثانية لإشاعة اللوحات غير تلك، وصالات العرض تغذي هذا التوجه دون أن تجبر الفنان على السقوط في الاستهلاك والنمطية، وتعاملي مع صالة أيام لا يعتبر خطأ في الاستراتيجية لأنها تساعدني في الحفاظ على شخصيتي الفنية بكل حرية، فالعقد الموقع بيننا لا يشترط علي مثلاً أن أغير أسلوبي”.‏

وينفي عرابي وجود شرط بإنتاج محدد في وقت محدد، فالعقد الذي وقعه مع الصالة فيه “مقاسمة لثمن اللوحات فقط”.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية