تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


وقفــــــــــة عـــــــــــزٍّ

شؤون سياسية
الخميس 7-5-2009
غفران الناشف

انضوى العرب تحت ظلال الهلال العثماني مدة أربعة قرون وفي أوائل القرن التاسع عشر وبعد إعلان الدستور العثماني 1908 و الانقلاب على السلطان عبد الحميد تسلم الحكم رجال من جمعية (الاتحاد والترقي) المتعصبة والمطالبة بالدولة الطورانية،

والتاريخ يذكر (يهود الدولمة) أنهم حفنة من اليهود هربوا من ظلم التفتيش في إسبانيا، واستقروا في سالونيك بتركيا، دخلوا الإسلام نفاقاً ولعبوا دوراً هاماً في إضعاف الامبراطورية العثمانية وساهموا بالانقلاب العثماني، وخلع السلطان عبد الحميد بعدما رفض محاولة تيودور هرتزل الصهيوني عام 1901، وإغراءاته المالية للسماح لليهود بالتوطن في فلسطين بل أصدر أمراً يحظر فيه دخول اليهود لفلسطين، ومن بعده قام الحكام الاتحاديون (ومعظمهم من يهود الدولمة) بفتح باب الهجرة اليهودية وقاموا بتصفية الخلافة العثمانية وبفصل الدين عن الدولة وتأسيس الدولة العلمانية التركية.‏

في عام 1914 أعلنت الحرب العالمية الأولى فأسرعت الدولة العثمانية لحشد قواتها وطاقاتها البشرية إلى جانب الألمان، فقام العرب حسب الموقف (السياسي والعسكري) بتأييد الدولة التركية في نضالها، يشدون من أزرها في قتالها خوفاً من أن تسقط هذه الدولة تحت سنابك خيل الغزاة الأجانب، فتدافع العرب وفي مقدمتهم أبناء سورية للقتال والدفاع عن هذه الدولة، قسمت الامبراطورية العثمانية أثناء الحرب إلى ست مناطق عسكرية، وكلف أحمد جمال باشا أحد أقطاب الاتحاديين - بقيادة الجيش العربي وكانت دمشق مركز قيادته، تقرب جمال باشا من العرب واتصل برجالهم وزعمائهم وقربهم إليه، وأدناهم منه، فكان الدكتور عبد الرحمن الشهبندر طبيبه الخاص، وعبد الكريم الخليل الرجل الذي لايغلق في وجهه بابه، وتقرب من محمد كرد علي صاحب جريدة (المقتبس) وعبد الغني العريسي صاحب جريدة (المفيد)، أقام له الدمشقيون الحفلات لقدومه ومن بينها حفلة النادي العربي، حيث ألقى كلمة محذراً العرب من عواقب التخاذل في حق الدولة التركية، وسراً أصدر أمراً عسكرياً بتفريق كتيبة الضباط العرب وإرسالهم إلى ميادين القتال في الدردنيل والقفقاس ولم يرجع إلا قلة منهم بعد الحرب.‏

غادر جمال باشا دمشق إلى القدس ليعد حملة الترعة، وكان الشعب العربي إبان هذه الحرب في معيشة بائسة، فشبابه في الجيش التركي يحاربون بعيداً عن وطنهم وأطفالهم يموتون جوعاً، ونساؤه يترملن، وشيوخه يموتون كمداً، هذه الحالة البائسة بقيت راسخة في ذاكرة كبار السن فحدثونا عنها وعن السفربرلك، ماذا كانت نتيجة هذه التضحيات تجاه من حكموا تركيا الطورانية ويمثلهم أحمد جمال باشا الذي أطلق العنان لنفسه باتخاذ القرارات التعسفية بحق هذا الشعب العربي.‏

اعتقل في أواخر شهر حزيران 1915 عدداً من الشباب العرب وعلى رأسهم (عبد الكريم الخليل) بدون سبب وأحالهم للمثول أمام المجلس العسكري (ديوان الحرب العرفي) في عاليه والذي يتكون من هيئة تحقيق يرأسها (بنفسه) وهيئة قضاة يرأسها قائم مقام (شكري بك)، وتم التحقيق معهم سراً، وكم كانت دهشة الشعب العربي واستغراب العالم بالمفاجأة وهي تعليق هؤلاء الرجال على أعواد المشانق صباح 21/آب 1915 والشهداء (رحمهم الله) هم: 1- عبد الكريم الخليل، 2- رضا الصلح، 3- صالح حيدر، 4- مسلم عابدين، 5- نايف تللو، 6- محمد المحمصاني، 7- محمود المحمصاني، 8- عبد القادر الخرسا، 9- محمد محمود نجا العجم، 10- سليم عبد الهادي، 11- نور الدين القاضي، 12- علي الأرمنازي.‏

كانت الغاية من الإعدام: التخلص من رجال الحركة العربية والقضاء عليها في المهد، كما جاء في الوثائق السرية التي نشرها البلاشفة 1918 .‏

وقف جمال باشا السفاح على شرفة مطلة على ساحة الشهداء ليرى بأم عينيه الجريمة البشعة التي اقترفتها يداه، وقد تناهى إلى سمعه الكلمات التي قالها الرجال وهم يمشون خطواتهم الأخيرة في الحياة، وكعادة السفاحين فاقدي الشعور والإحساس، لم تحرك فيه كلماتهم، وحتى لم يرعش له جفن خجلاً، للظلم الذي ألحقه بهؤلاء الأبطال الشهداء.‏

كان لكل رجل منهم وقفة عز شامخة يودع فيها الحياة، ويستودع الأجيال وطناً أقسم أحراره ألا يسلموه للعبودية والاحتلال، ولم تمضِ هذه الجريمة من دون عقاب، إذ مالبث بركان الغضب أن تفجر واندلعت شرارة الثورة العربية الكبرى من الحجاز ليلتحق بها المتطوعة العرب من شتى أقطارهم، ومالبثت قواهم الثائرة أن تقدمت لتستولي على المدن العربية وتطرد منها جيوش الأتراك، وليعلن شريف مكة استقلال العرب، ودخل ابنه الأمير فيصل دمشق في 30/10/1918 وسط احتفالات وابتهاجات الشعب العربي السوري، وفي 25/ كانون الثاني 1919 تشكل المؤتمر الوطني السوري الذي أعلن استقلال سورية في 8 آذار عام 1920 وبايع الشعب العربي الأمير فيصل ملكاً على البلاد.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية