|
ساخرة قلت مندهشاً: كيف تكون معروفة إذا كنت أنا صديق عمره لا أعرفها؟ ! بالله أسمعني إياها . قال: حينما كان قاسم صغيراً .. كان والده يرسله في عطلة الصيف للعمل بصفة أجير عند القصاب سالم الكعبرة، عسى أن يتعلم مهنة القصابة، فمهنة في اليد - كما يقول المثل - أمان من الفقر . قلت: على ما يبدو أن أبا قاسم ضليع في مجال التربية وعلم النفس!.. فربما لاحظ أن الغباء ضارب أطنابه في شخصية ابنه، وانتبه إلى كونه أشعث أغبر لا يمشط شعره ولا يغسل وجهه، فاختار له هذه المهنة لتناسب شخصيته وميوله ! قال صمود: المهم، في يوم من الأيام، بعد إغلاق المدارس بعشرين يوماً ، ذهب قاسم مع معلمه إلى المسلخ، وكان يرتدي كلابية عتيقة من دون ثياب داخلية ( على الزلط ) ، وبعد أن ذبح معلمه الخروف وسلخه وشفاه أعطاه ( شقة ) وطلب منه أن يحملها على كتفه ويسبقه إلى الدكان، ففعل . وصل قاسم إلى الدكان وعلق الشقة بالكلابة، وبعد قليل وصل المعلم وعلق الشقة الثانية بكلابة أخرى، وقال له: هيا يا سبعي .. ياقاسم .. أشعل الشواية . فأشعل قاسم الشواية، وبدأت طلبات الزبائن الذين يشترون اللحم المشوي تتكاثر، والمعلم يضم اللحم في الأسياخ ويناولها لقاسم الذي يضعها على النار، ويبدأ التهوية للنار حتى تضطرم أكثر، فتعج الدخنة وتتعشق في كلابية قاسم العتيقة الملوثة باللحم النيء بسبب حمله الشقة على كتفه . وفي هذه الأثناء حضر أحد زملائه في الصف وقال له: يا قاسم ، إن الأستاذ مروان العججي سيوزع الجلاءات على التلاميذ في المدرسة الآن، ألا تريد أن تأخذ جلاءك؟ قال قاسم: أكيد. والتفت إلى معلمه واستأذنه أن يغيب ربع ساعة ريثما يحضر جلاءه من المدرسة القريبة . في المدرسة حصلت الأمور على النحو الآتي: كان الأستاذ مروان يوزع الجلاءات على التلاميذ ، فجأة توقف وقال غاضباً: هذه رائحة تيس، من منكم أدخل تيساً إلى المدرسة؟ لم يرد أحد من التلاميذ المساكين الذين لا يعرفون شيئاً عن موضوع التيس الذي يسأل عنه المعلم . وفجأة كانت التفاتة من المعلم مروان فوقعت عينه على قاسم فقال له: ولاك قاسم دق البسمار .. اذهب من هنا حالاً يخرب بيتك على هذه الريحة؟ قال قاسم: أستاذ بودي آخذ جلائي . فقال مروان: ولماذا تأخذ جلاءك؟ ألا تعرف أنك راسب؟ وبعد أن خرج قاسم اضطر مروان لأن يفتح الشبابيك على مداها، وطلب من التلاميذ الذين حصلوا على جلاءاتهم أن يستخدموها كهوايات لإخراج رائحة التيس من المكان ! لاحظ صمود أنني استعذبت حكاية التيس والجلاء المدرسي فقال لي: وكله كوم، وحكاية قاسم دق المسمار مع الحذاء كوم . قلت: ماهي ؟ قال: كبر قاسم وتزوج وأصبح أبا لبضعة أولاد وتوفيت زوجته وتجاوز الخمسين من عمره وهو لا يزال ينسى نفسه من دون ثياب داخلية، وغالباً ما تجده أشعث أغبر وكأنه خارج للتو من عراك مع مصارع قوي على أرض البيدر . وذات مرة دعاني لشرب كأس من الشاي عنده في بستان العنب والتين، فلبيت الدعوة، وبعد أن تغدينا وشربنا الشاي اقترحت عليه أن نتمشى في هذا الجو البديع ونستنشق الهواء النظيف . وبينما نحن نتمشى وجدنا في إحدى ظل شجرات التين الوارفة حذاء رجالياً مرمياً على التراب وكأنه من دون صاحب، رآه قاسم فأراد أن يثبت لي أنه فهمان ( مع أن هذه لا تحتاج إلى إثبات ) فقال: انظر إلى هذا الحذاء ، وتأمل فيه جيداً، أنا أعتقد أن شاباً من طلاب المعهد المتوسط الهندسي الذي يقع في مكان قريب من هنا، حصل بينه وبين إحدى زميلاته اسلتطاف ، وطلب منها أن تخرج معه مشواراً في البراري، فجاءا إلى هنا وجلسا تحت الشجرة بقصد أن يتبادلا عبارات الغزل والذي منه، وفجأة مر أحد ما، فترك الشاب حذاءه وسحب الفتاة من يدها ووليا هاربين ! وحينما اقترب من الحذاء أكثر تفرس فيه قليلاً، ثم نظر إلى قدميه وإذا هما حافيتان، فهتف: - ولي ! هذا صباطي. |
|