|
معاً على الطريق وحتى اخترع القنابل الفوسفورية (كالتي أطلقت على الشعوب الآمنة في العراق ولبنان وغزة ..) ولهذا الجانب المادي من الحضارة مزايا إيجابية لا تعدّ ولا تحصى تجلى فيها الترف والرفاهية والاستهتار, فكانت نتائج هذا التجلي ما نرى من أوبئة: نذكر هاهنا: (السارس) و(الحمى القلاعية) و(جنون البقر) و(انفلونزا الطيور) و(بق الفارش) و(انفلونزا الخنازير) وكلها باستثناء (الإيدز) تنتشر في الحيوان وتنتقل بسلاسة إلى الإنسان منطلقة من المجتمعات الغربية تملؤها بالرعب وتحصد الأرواح بالآلاف . ولعل أخطر ما فيها هي العدمية التي تطوق الأفراد وتعزلهم بعضهم عن بعض لأن الأخطر في انتقال الوباء من إنسان لآخر هو (النَّفَس) و(اللّمس) وبخاصة (القبلة) التي هي سلسبيل الحب والحنان وأمنية العشاق والمغرمين . وهكذا تفسخت الحضارة الغربية وغدت ضرباً من الهمجية تبدل فيها الإنسان وحشاً أشدّ ضراوة , وماتت فيها القيم . تصوروا أن تُحرم الأم من تقبيل ابنها وشمه وضمه ، وأن يغدو الزوجان هيكلين يحملق كل منهما إلى الآخر كمن يتأهّب للنزال , تصوروا أن يصير الإنسان جماداً لا مشاعر ولا أحاسيس. نحن بلاد الشمس المشرقة تجلو قلوبنا وفيافينا وتسقينا رحيق الحياة . نحن بلاد الرياح التي تثب على نوافذنا وأبوابنا وتجر ذيولها في بيوتنا وخيم بوادينا تكنسها من الأوبئة والأدران. وُلد فينا عيسى الذي وهب الإنسانية الحضارة المسيحية سلاماً ومحبة مضحّياً بنفسه ليصلبه (بيلاطوس) اليهودي كما يُصلب شعب القدس هذه الأيام , ووُلد فينا محمد «ص» الذي دعا العالم إلى الحضارة الإسلامية محبة ورحمة . وردّ إلينا الغرب (مسيحيّتنا) ملطخة بالغطرسة والدمار وخراب الضمائر . ولكن مادامت كنائسنا تقرع أجراسها ومادام أطفالنا يعمّدون على مذابحها , ومادمنا قادرين أن نتحدى وحشية المفترسين ومادام المؤذنون يرفعون الأذان ومادام بيننا من يتوضؤون ويغتسلون ويصلون خمس مرات في اليوم ، فإننا المنتصرون . لقد بدأت الحضارة الغربية تتفسخ ، وبدأت عنجهيتها تنتكس . إنها قوة أمريكا تضرب بذراعها الطويلة أي نقطة في هذا العالم ، وتضع تحت إبطها هيئة الأمم المتحدة ومجالسها ومحاكمها الدولية, تحرّم على الآخرين ما تبيح لنفسها ولإسرائيلها , وتواكبها أمم تقرّحت أنيابها من سحق عظام الشعوب , وبدأت الحقيقة تشمّر عن ساعديها وتكشف عن ساقيها تتأهب ببطء وثبات لتنقض على ذياك التاريخ الملطّخ بالسواد ، وتطويه وتخزنه على الرفوف . إن تاريخ الإنسانية قائم في ذاكرة الشعوب يتوالد ناسها ويعيشون ويفنون ، لكن هذه الذاكرة باقية بقاء الإنسان على وجه البسيطة كالسماء المرصعة بالنجوم . إن قوة الإنسان ليست في القدرة على البطش والطغيان ، بل في الحلم والأناة ، والصبر على الشدائد , وإن الحضارة الغربية وبال على الإنسان تستدرجه إلى الدرك الأسفل لتمنّيه بالسقوط الأبدي . |
|