|
قاعدة الحدث بتسلم دفعتين منها الأسبوع الماضي، ولا سيما أن العلاقة بين الطرفين تشهد مداً وجذراً في العديد من الملفات دفعت بإدارة ترامب لفرض عقوبات اقتصادية مشددة على أنقرة ساهمت بتدهور الليرة التركية وأدخلت نظام أردوغان بمشكلات عديدة كانت سبباً في خسارة حزبه الانتخابات البلدية في أكبر معاقله العاصمة الاقتصادية اسطنبول. تختلف تحليلات وتكهنات المراقبين حول ردة الفعل الأميركية على الصفقة الروسية التركية، حيث يراها البعض منهم بالمنظور الاستراتيجي بداية لحرب باردة جديدة بين القطبين الكبيرين روسيا والولايات المتحدة، ومؤشر على تضعضع حلف الناتو من خاصرته التركية بالنظر إلى موقع تركيا بالحلف كرأس حربة في مواجهة النفوذ الروسي في الشرق الأوسط ومناطق أخرى. لكن يبدو أن تركيا ضربت بعرض الحائط بإجراءات واشنطن لإتمام شراء المنظومة الروسية. محللون قالوا إن الصفقة التي بدئ بتسليمها لتركيا، ستؤدي إلى توترات واضطرابات في مسارات العلاقة بين أنقرة وواشنطن، بالإضافة إلى أن عدم إمكانية التنبؤ بردود أفعال الرئيس الأميركي ترامب، خصوصاً أن التوتر في العلاقات بين البلدين يتجاوز الخلاف على صفقة s400 لما هو أبعد من ذلك. فهناك على سبيل المثال تضارب في الاستراتيجية المتعلقة بشأن الحرب على سورية، حيث لم تستجب الولايات المتحدة للمطالب التركية الخاصة بإقامة ما تسميه منطقة آمنة في شمال سورية، ومازالت واشنطن تواصل دعمها للأكراد السوريين الذين تعتبرهم أنقرة تهديداً استراتيجياً لما يسمى أمنها القومي، كما تتباين رؤى البلدين بشأن قضايا اخرى. وفيما يتعلق بالصفقة الروسية ذاتها ثمة قلق أميركي من أن يتم توظيف المنظومة الدفاعية الروسية، بحسب مسؤولين أميركيين، في كشف أسرار تكنولوجيا الأسلحة الأميركية الموجودة في نطاق دول حلف الناتو، ويضاف إلى ذلك طبعاً القلق الأميركي المتزايد من تغلغل موسكو في منطقة الشرق الأوسط. فنياً تعتبر واشنطن منظومة الـ S400 تهديداً غير مقبول لمقاتلاتها الاستراتيجية المعروفة f35، فهذه المقاتلات صُممت للعمل بشكل متوافق مع الأنظمة العسكرية لحلف الناتو، بما في ذلك الدفاعات المضادة للصواريخ، وهذا ما يثير مخاوف إدارة ترامب من أن روسيا قد تضبط قدرات منظومتها ضد التحالف الغربي من خلال المعلومات التي تحصل عليها في تركيا. ويزداد الرفض الأميركي لتسليم تركيا S400، في ظل اتساع نطاق الخلافات بين موسكو وواشنطن، على خلفية اتهام الأخيرة لموسكو بخرق اتفاقية الحد من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية «ستارت3»، و»اتفاقية الصواريخ المتوسطة وقصيرة المدى» ناهيك عن التباين في التعامل مع بعض الملفات الأخرى، في الصدارة منها الخلاف بشأن إدارة الأزمة في سورية ناهيك عن قلق واشنطن مما تعده انتهاكاً روسياً لسيادة دول غربية، وتطبيق أساليب عدائية ضد الدول الأوروبية، وهو ما ينقل التوتر في العلاقات الثنائية الأميركية - التركية إلى مستوى آخر أكثر تعقيداً يتعلق بالسياسات الدفاعية المتعارضة للأطراف المختلفة. والأرجح أن هذه المزايا عالية التقنية لمنظومة S400 بالإضافة إلى المخاوف الأميركية من تمدد النفوذ الروسي في دول الناتو، يقف وراء تحفّظ واشنطن على وصول هذه المنظومة إلى تركيا. لذا فمن المتوقع أن تشهد العلاقات التركية الأميركية تأزماً كبيراً، ليس فقط فيما يخص عدم تسليم طائرات F-35 إلى تركيا، ولكن أيضاً في العديد من مجالات الدفاع الأخرى. وقد يمتد التأزم ليطال العلاقات السياسية والاقتصادية كذلك. اتخذت الإدارة الأميركية في الآونة الأخيرة مجموعة من الخطوات لتضييق الخناق على أنقرة لإلغاء الصفقة، من بينها مشروع القانون الذي قدمه في 29 آذار الماضي أعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، بهدف منع بيع المقاتلات الهجومية من طراز F35، من إنتاج شركة لوكهيد مارتن، إلى تركيا رداً على الصفقة الروسية. وانصرفت خطوة اخرى إلى فرض عقوبات اقتصادية غير مباشرة، وذلك برفع تركيا من نظام الأفضليات التجارية، وتضمن القرار وقف امتيازات تجارية بقيمة 1,7 مليار دولار في إطار نظام «الأفضليات» التجاري، الذي يسمح بإعفاء تركيا من الرسوم الجمركية فيما يتعلق بنحو ألفي منتج من المنتجات الصناعية، والمنسوجات الواردة إلى الولايات المتحدة. وتزامنت الخطوة الأميركية، مع تراجع لا تخطئه عين للاقتصاد التركي، إذ وصل معدل التضخم لنحو 20% بينما تجاوز معدل البطالة حاجز 13% إضافة إلى توقع البنك الدولي باستمرار تراجع النمو الاقتصادي التركي، خلال العام الحالي، تأثراً بالضغوط المالية وتراجع انهيار سعر الليرة، ليسجل «سالب 2,6%». وتجدر الإشارة إلى أن الاقتصاد التركي دخل في ركود للمرة الأولى منذ عام 2009، إثر تسجيل انكماش لفصلين متتاليين نهاية عام 2018، وذلك بعد أن شهدت البلاد اضطرابات على مدى أشهر بفعل تدهور سعر صرف الليرة، وتوتر العلاقة مع واشنطن. من الواضح أن التعقيدات الراهنة في الأزمة التركية-الأميركية، قد تتجاوز الخسائر الاقتصادية وتمتد إلى الخسائر والمميزات العسكرية الدفاعية واللوجستية التي تتمتع بها أنقرة، من بينها البحث عن مقر مركزي جديد لصيانة المقاتلة f35، بعد أن كان من المقرر أن تكون تركيا هي مركز صيانة المقاتلة الرئيسي. إلى جانب أن الولايات المتحدة تفكر جدياً في نقل قاعدة إنجرليك الجوية إلى خارج تركيا، وإذا كانت قاعدة إنجيرليك التركية تشكل مركزاً حيوياً للتحركات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط، فإنها في المقابل تمنح أنقرة ميزات عسكرية ولوجستية في محيطها الإقليمي. في هذا الوضع وقياساً بالضغوط الأميركية المستمرة لن يكون نظام أردوغان مرتاحاً وعليه البحث عن مخارج وحلول للورطة التي دخلها بسبب الصفقة، وسيكون مطالباً بالانخراط أكثر في التحالف مع روسيا وشرقاً باتجاه الصين على حساب العلاقات الأميركية التركية، وثمة من يرى أن على أردوغان أن يسعى لاحتواء الأزمة مع الأميركيين، وفي هذا السياق تبحث تركيا عن طرق فنية للجمع بين المنظومة الروسية والمقاتلة F35، وبالتالي توفير مسعى لتقديم ضمانات تركية لاحتواء المخاوف الأميركية من تسرب المعلومات الفنية الخاصة بالمقاتلة، وهو أمر وإن كان مرفوضًا من جانب واشنطن، إلا أنه يكشف عن سعي أنقرة لتهدئة التوتر مع واشنطن، وتجنب عقوبات ستكون أكثر إيلاماً على أعصاب تركيا. |
|