|
الصفحة الاولى وكان تقديره آنذاك مبنيا على معطيات الميدان وعلى المتغيرات في السياسة الدولية، وبعد أشهر قليلة على هذا الاعلان تجرأ اوباما على الاقرار بأن «التفكير باسقاط سورية او اسقاط الرئيس الأسد فيها انما هو ضرب من الخيال»، اقرار اكد حقيقة قائمة وحاكى الواقع الميداني والاقليمي ان لم نقل الدولي ايضا. وكان منطقيا بعد هذا الاقرار ان يتطور الموقف الأميركي للاتصال بالمكونات الفاعلة في المشهد السوري بحثاً عن حل سلمي منطقي يوقف العدوان المركب على سورية ويكرس نتائج المواجهة ويحفظ لاصحاب الحقوق حقوقهم، لكن السياسة الأميركية التي لا تعترف بمنطق ولا بحق للآخرين ابتعدت عن هذا التصور واختارت الانتقام عبر اعتماد استراتيجية ثأرية تقوم على شن حرب استنزاف في المنطقة عولت عليها لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية ومالية وعسكرية تخدم المصالح الاميركية دون ان تعبأ بالخسائر والاضرار التي توقعها بحق الشعوب والدول في الشرق الأوسط. في مقابل ذلك كان على محور المقاومة ان يحدد الموقف المناسب من القرار العدواني الذي فرض عليه ان يختار بين المواجهة أو الاستسلام، وفي نطاق المواجهة فرض عليه ان يختار بين ان يقوم بردات فعل وفقاً لما يخطط له من شن حرب الاستنزاف وادارتها او يكون له استراتيجية مواجهة تتجه الى تعطيل الأهداف المتوخاة من حرب الاستنزاف ذاتها باعتماد استراتيجية الحسم والتطهير المتدرج، مع العمل على امتلاك زمام المبادرة في الميدان لقلب الصورة والمواقف، أي بدل ان يكون العمل السوري ردة فعل على سلوك المعتدي، يتحول الى الزام المعتدي باتخاذ مواقف تشكل ردات فعل على مبادرة الخصم وتنفيذ عمليات دفاع تتخذ طابع الهجوم، ثم مشاغلة اكثر من جهة وجبهة في آن واحد وبالقدر الميداني المتاح لحمل الجماعات المسلحة للتشتت بشكل يحول دون الاسناد المتبادل والتعزيز ويخفض فرص نجاح الارهابيين في المواجهة. بين هذا وذاك اختارت سورية استراتيجية الفعل والمبادرة، والعمل بسياسة التطهير والقضم المتدرج الذي من شأنه ضمان نسب أعلى في النجاح، وتخفيف الخسائر على القوات المبادرة الى الاشتباك، واخيرا ضمان ثبات النتائج دون تعريض الانجاز المتحقق لأي خطر جدي، استراتيجية وضع لها جدول اولويات تنفيذية وتم اختيار الجبهات فيها من طبيعة الاهداف المولدة لانجازات آخرى لاحقة وبشكل تكون فيه ذات تأثير أكيد على مسار الحرب كلها والمعارك الدفاعية التي يخطط لها بهذه الذهنية. اذن وفي مواجهة القرار الاميركي بشن حرب استنزاف طويلة قد تمتد لعشر سنين او تصل الى 30 سنة كما هولوا بها، اعتمدت سورية استراتيجية اجهاض حرب الاستنزاف والاستنقاذ المتدرج للارض السورية من نيران تلك الحرب، وكان من مقتضيات هذه الاستراتيجية الالغاء المتدرج لخطوط التماس النارية على الجبهات المفتوحة بشكل دائم مع الإرهابيين (والتي من شأن استمرارها ان يجمد القوى العسكرية ويستنزف طاقاتها)، ثم الاجهاز على الاوكار الارهابية بعد تحويل المواجهة من مواجهة جبهات الى عمليات جيوب مطوقة، ثم رسم خط العزل او الفصل بين المناطق المطهرة النظيفة، والمناطق التي افسد الارهابيون حالها وأمنها واستقرارها، واخيرا العمل بسياسة الخط المتدحرج باتجاه توسيع المناطق المطهرة وتضييق مناطق الخلل الأمني ما يعني بشكل منطقي تضييق فرص نجاح حرب الاستنزاف وسحب البساط تدريجيا من تحت اقدام «التحالف الدولي» المشبوه والذي يدعي سعيه لمحاربة الارهاب ويخفي اهدافاً لا تمت بصلة لمصالح شعوب المنطقة ودولها. وبعد أشهر ثلاثة وفي تقييم اولي لنتائج العمل باستراتيجية اجهاض حرب الاستنزاف، نستطيع ان نحصي انجازات ميدانية بالغة التأثير ذات بعد استراتيجي هام، حققتها القوات العربية السورية على أكثر من محور وفي أكثر من جبهة وميدان، انجازات يؤدي جمعها الى رسم مشهد للميدان السوري يؤكد ان ما تم التخطيط له تم تنفيذه فعليا بدقة، لا بل ان الانجازات فاقت في بعض الاحيان المتوقع وكانت كلفتها أقل مما هو مقدر، وفي هذا المجال نذكر مايلي: أولا:ً في محيط مركز الثقل النوعي الاستراتيجي السياسي للدولة أي دمشق ومحيطها تم تطهير هذا المحيط وتحقق الإجهاز على الإرهابيين في المليحة وعدرا وصولاً إلى معظم جوبر ما يعني وبعد إحكام القبضة الأمنية للدولة على القلمون، يعني وضع دمشق خارج دائرة الخطر الإرهابي بشكل شبه كلي بطريقة تضع الأمور على عتبة الإنجاز الأمني الكامل بعد معالجة ما تبقى في المحيط والمتمثل بشكل أساس بدوما التي لن يقوى الإرهابيون فيها وفي أي حال على الاستمرار في أوكارهم بعد الحصار الذكي والعزل الذي نفذ حولها حتى الآن بشكل متدرج تصاعدياً. ثانياً: في المنطقة الوسطى وما يجاورها حقق الجيش العربي السوري والقوات الرديفة إنجازاً نوعياً بالسيطرة على بلدة مورك الاستراتيجية ما فتح الطريق إلى تطهير كامل منطقة ريف حماة من الإرهابيين ما يعني دحرجة خط الفصل بين منطقة الأمن ومنطقة عبث الإرهابيين لمسافة تتجاوز 50كم ويشكل هذا الإنجاز ضربة نوعية لمنطق حرب الاستنزاف بما يريح القوى ويمكنها من الانصراف إلى مهام أخرى في المنطقة خاصة لجهة إقفال ملف وادي ضيف والحامدية. ويضاف إلى ذلك ما تحقق من سيطرة على مناطق إضافية في منطقة جبل الشاعر وتطهير أكثر من بئر للغاز من الجماعات الإرهابية. ثالثاً: في الشمال رغم كل الضجيج الذي افتعل شرقي حلب وريفها فقد استغلت القوات السورية المختصة الظرف المتشكل ووجهت ضربات هامة للجماعات الارهابية ما أدى الى اختلال توازنها في أكثر من موقع خاصة في محيط السجن المركزي في حلب ووجهت بذلك رسالة بليغة للإرهابيين ولمن يدعمهم مفادها بأن معركة تطهير حلب بكاملها باتت قريبة ويعد لها بشكل مطرد وما المسألة إلا مسألة وقت فقط أما النتيجة فيبدو أنها محسومة. رابعاً: على جبهة الجنوب ظن البعض ان فتح معركة نصيب من قبل الجماعات الارهابية وبدعم مشترك من الأردن و«اسرائيل» سيكون مدخلاً آمناً لإقامة المنطقة الأمنية العازلة أو الحزام الأمني الذي تريده «اسرائيل معقلاً للإرهابيين يؤدي إلى إسقاط اتفاقية فض الاشتباك وتحرر «اسرائيل» من مقتضياتها ويؤمن احتلالا اسرائيليا للمنطقة بأيد الإرهابيين وفقاً لما صنعت في جنوب لبنان قبل ثلاثة عقود وتريده الأردن بعد التضليل والإغراءات التي وجهت إليها تريده لإبعاد خطر الإرهاب عنها، لكن الجميع فوجئوا بالرد السوري القاسي والمدروس والذي يشكل في عمقه وجوهره امتداداً لما تقدم من إنجازات والذي يفتح على تطوير الموقف في جبهة الجنوب ليس لإسقاط حلم المنطقة الآمنة الاسرائيلية بل ليكون وجهاً من إنجازات استراتيجية إجهاض حرب الاستنزاف التي شاءتها أميركا. هذه الإنجازات وسواها رسمت مشهداً يقود إلى القول بأن سورية عرفت أن تختار الطريق التي ترد بها على مناورات الغرب المخادعة عندما تم اللجوء إلى حرب الاستنزاف، وأكدت بأنها لم تقع في فخ قد يكون ناصبوه أرادوا تحقيق أهدافهم بأقل السبل كلفة فجاء الرد السوري منبئاً بأن حرب الاستنزاف الأميركية ستفشل كما فشلت سابقاتها من الخطط التي عمل بها منذ أن شنت الحرب الكونية على سورية ويؤكد صحة ما كان توقعه الرئيس الأسد سابقاً، علماً بأن للإنجازات تلك نتائج إيجابية مؤكدة لصالح سورية أقلها مايلي: - دفع الجماعات الإرهابية إلى دائرة الإرباك والتخبط وإدخالها في حالات من الضيق والحصار الذي يحرمها من فرص الهجوم والإغارات والإمساك بأرض جديدة غرب خط حلب حماة حمص حلب، الأمر المعاكس لمتطلبات حرب الاستنزاف. - تخفيف العبء الميداني عن وحدات عسكرية سورية كثيرة ما سيمكن القيادة من استعمالها في أماكن أخرى، الأمر الذي سيسرع من عمليات التحرير ويضيق من مساحات حرب الاستنزاف. - تحرير مناطق سورية شاسعة ووضع أخرى على درب التحرير الأكيد والقريب، ما سيحرم الجماعات الإرهابية من الاستفادة من الدروع البشرية والحاضنات الشعبية التي تستغلها لتعزيز وضعها، الأمر الذي سينعكس خفضاً في قدراتها القتالية ويسرع في انهيارها خلافاً لمقتضيات حرب الاستنزاف. |
|