تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


إسماعيل نصرة احتفاء بالجمال الأنثوي

ملحق ثقافي
2017/10/24
لا يتوقف الفن عن أن يلعب دوره في أي وقت من الأوقات. ولا يتوقف الفنانون عن التفكير في حلول جديدة للحياة. فالفنان الحقيقي هو الذي يتقدم بثقة صاعداً سلم المجد، وقد أفعم نفسه بالتضحية في سبيل الآخرين. إن البطولة هي معيار الفنان الحقيقي.

ولا شيء يعادل تضحية الإنسان في سبيل تجميل العالم والتخفيف من آلام ناسه.‏‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

تتصدر موضوعة المرأة معظم النتاج الفني للفنانين عبر العصور، وهي مقياس تقدم الفنان ومعيار تحضره وتطور أفكاره. ولا يمكن لفنان يهين المرأة أن يكون فناناً فعلاً. إن المرأة كما يقول جورج ميريديث «آخر شيء تصل إليه الحضارة»، أي أنها قمة هرم الحضارة. والمرأة أيضاً كما يقول بيكاسو: «خليط من الأشكال والألوان»، وهذا لا يقلل من قيمتها، بل إنه تعبير فني عن هوس بيكاسو بالنساء وتقديرهن.‏‏

إسماعيل نصرة فنان سخر معظم لوحاته للمرأة، هذا الكائن السحري والغامض، الكائن الحلم، ومنبع الجمال والدفء. لقد أعلى كونفوشيوس من المرأة، واعتبرها أبهج شيء في الوجود. وهنا يعلي إسماعيل نصرة من شأن المرأة ويهب فنه لكي يكرم فيها كل الجمال والوداعة والحب. وفي كل معارضه تحضر المرأة بسحرها وجمالها، ولا تكون المواضيع الأخرى سوى تتمة. إنها المفردة التي يعشقها إسماعيل نصرة، ويعمل جاهداً على تصويرها بشغف قلبه وضوء عقله. إنه يخرج من الواقعية، ليوقد نار التعبيرية، علها تصل إلى شيء ولو بسيط من عالم المرأة الغني.‏‏

يقول نصرة: «المرأة كانت وما زالت وستبقى بطلة مطلقة لأعمالي لأنها مفردة تشكيلية أساسية تأخذ وتلعب أدواراً كثيرة فهي الأنثى بكل حالاتها وأشكالها وهي الوطن الكبير والمدينة والشجرة والغيمة والملاك وتحمل الكثير من الخيال والحب والتناقض رغم أن المرأة التي أرسمها في السنوات الأخيرة تغيرت وتأثرت بما يجري حولنا من أحداث».‏‏

وهو، رغم التصاقه بالواقع وبما يجري في الوطن وفي العالم، إلا أنه يعبر عن كل هذا من خلال رسمه للمرأة: «ترتبط مواضيعي بواقعنا بشكل لصيق حيث اعبر عن الوطن من خلال الأنثى بحالاتها المتعددة فالجمال هو الحل لكل مشاكلنا بما ينتجه من نشر للمحبة والخير».‏‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

ولد الفنان إسماعيل نصرة في مدينة سلمية. درس في كلية الفنون الجميلة بدمشق، وتخرج منها عام 1986 باختصاص تصوير، ومن ثم حاز دبلوم دراسات عليا عام 1998.‏‏

ومنذ أن كان في الكلية لفت أنظار أساتذته إلى فنه، وأعجب فاتح المدرس بمشروع تخرجه الذي كان عبارة عن 90 لوحة. وبعد تخرجه نشط نصرة بالمعارض الداخلية والخارجية. وبدأ يجرب العمل على الخشب إضافة إلى القماش، كما استخدم ورق الذهب، واستخدم تقنيات خاصة به. إنه يؤلف بين التشخيص والتجريد والاختزال. ولا يرهن نفسه لمدرسة فنية واحدة، إذ إنه يجمع بين التعبيرية والرمزية والتجريد. وتحضر المرأة بقوة، ليضفي على اللوحة شفافية وجمالاً ورومانسية طاغية.‏‏

يقول نصرة عن التقنيات التي يوظفها في عمله: «أدخلت مع الخشب التنك... فقد استفدت من لون الصدأ لـ»التنك» الذي لا يخرج إلا بفعل الطبيعة والزمن، وما زلت للآن أرى أي شيء في الأرض وأعمل عليه، وفي أحد معارضي في الكويت كتبت أغلب الصحف بأني صديق للطبيعة، وأستخدم مواد مهملة وتالفة جداً، مثلاً المواد التي أعمل عليها أغلبها من الأرض والشارع، وأنا أفتخر بهذا الأمر، لأني أعتبر أن أي شيء في الطبيعة له قيمته وجماليته، ولكن يحتاج لمن يكتشفه ويضع الإضاءة عليه، فعندما يستخدم الفنان مادة مهملة وينجز منها عملاً فنياً يعرضه في الصالات والبيوت يكون قد حقق إنجازاً إضافياً لعمله، لأنه من الطبيعي أن يحضر الفنان القماش النظيف، أما أن يأتي بشيء ذي قيمة فنية ولكنه مهمل فهذا أمر جيد».‏‏

وكذلك فإنه عمل على الخشب العتيق مستخدماً ألوان الأيقونة: البني والذهبي والأحمر والأزرق، فهو كما يقول يشعر في هذا الجو بالفرح والسلام الداخلي.‏‏

ابن البيئة‏‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

يرى نصرة أنه لا توجد في الفن السوري المعاصر أعمال توثيقية لحقبة من زمن مضى أو تجسد أسطورة معينة، وأن الفن المعاصر لا يحمل إلا طابع الحداثة، فالأعمال الفنية تأتي مقولبة من الخارج ويقوم الفنان بإعادة هيكلتها. وهذا لا يعتبر فناً له صفة الديمومة. على الفنان أن يعمل من ضمن بيئته ويسخر أساطيره وتاريخه لإنتاج لوحة مميزة، لا ترتهن للخارج. ويقول نصرة إن ما يميز الفن السوري «هو ما تحمله اللوحة في طابعها من حرارة الألوان ودفئها؛ فالفنان يبقى ابن بيئته ويتأثر بكافة الألوان المحيطة به».‏‏

الأنثى‏‏

تحضر الأنثى بقوة كبيرة في أعمال الفنان إسماعيل نصرة، بحالاتها النفسية كافة وتقلباتها وعفويتها. وقد قام نصرة بنقل الأنثى من بين قصائد الشاعر نزار قباني إلى لوحاته. وقد قال عنه الفنان بديع جحجاح: «للمرأة حضور لافت في لوحاته وكأنها ضالته التي لا يجدها أبداً، فهي تلازمه في تعدد المواضيع والأفكار التي تناولها خلال تجربته اللافتة والناعمة والأنثوية والعفوية متتبعاً تعابير الوجه والعيون والضوء المنسكب من الطبيعة الساحرة». وأكثر من ذلك، أن المرأة في أعماله يطرح من خلالها ما يريد أن يقوله في شتى المواضيع الأخرى، فهي الخزان الذي ينهل منه. وهو يقول عن المرأة في إحدى معارضه: «المرأ ة هي مفردة تشكيلية أساسية، فهي الوطن والمدينة والشجرة والغيمة والملاك التي تحمل الكثير من الخيال والحلم والتناقض، رغم التغيرات التي تعرضت لها المرأة خلال الأزمة الحالية». وفي لوحاته دخلت المرأة في هذه الأزمة في طور جديد من المشاعر، فصارت حالمة حزينة متألمة. إنها وليدة مشاعره الحزينة، والتصاقه بالواقع الذي يعيشه؛ واقع مؤلم، ولكنه مليء بالأمل بالمستقبل. وهو يقول: «أسلوبي لم يتغير في هذه التجربة، فظلت المرأة الحالمة المفعمة بالأنوثة حاضرة في لوحتي بأسلوب تعبيري جمالي مع حوارية بصرية فكرية».‏‏

ويقول في حوار معه: «لا يوجد عندي لوحة واقعية أبداً، إنما كل اللوحات التشكيلية التي أرسمها هي عبارة عن حالة حلم مجرد، فالمرأة في لوحاتي امرأة حالمة. فأنت تراها إما نائمة أو تطل من النافذة أو تنظر للبعيد ولكن بحالة حلم، لأن المرأة الحالمة بنظري أقوى من المرأة الواقعية. وهذه هي الحالة التي تسحرني والتي أعرضها في لوحاتي، فالمرأة الحالمة في نظري كالموسيقا واللون لا حدود لها.. أما الرجل فموجود في لوحاتي من خلال الرموز فقط وهو إما تفاحة أو سمكة أو حوت».‏‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

التنوع‏‏

لم يقف إسماعيل نصرة عند الواقعية التعبيرية المفعمة بالأنثى والمشغولة بتقنية لونية شديدة الحساسية، بل لقد طرح موضوعاً آخر عن تآخي الأديان، وذلك في إحدى معارضه الذي أطلق عليه «حديث السماء». انطلق نصرة إلى التجريد مع إدخال الكولاج، وبتناغم فني لوني وتكوينات سوريالية. ونجح الفنان في إيصال فكرة اللوحة حول التآخي الديني، إذ طغت على اللوحات الروحانية الهادئة والمعبرة عن السلام بين البشر.‏‏

ومن الطبيعي أن تكون هذه التقنية الجديدة، المطعمة بالكولاج، قد أغنت تجربة الفنان، وقدمت للمتلقي غنى وتأكيداً على أن الفنان نصرة، قادر على القيام بتجارب فنية جديدة، تخصه هو وحده.‏‏

آفاق‏‏

إن لوحة الفنان إسماعيل نصرة في تطور مستمر، وهو دائماً ما يتجه نحو التجريب وإيجاد حلول جديدة، ينتقل بين المدارس حسب الموضوع، ويدمج بين المواد ويعدد التقنيات. ولديه الكثير من الأفكار التي يحملها والتي يمكن أن تسهم في تقدم الفن وتطوره. فهو يقول عن واقع النقد التشكيلي لدينا: «ينقصنا أن يكون لدينا إعداد أكاديمي للنقاد التشكيليين حتى نبتعد عن المزاجية في الكتابة حول العمل التشكيلي من خلال إيجاد قسم خاص بالنقد التشكيلي في كلية الفنون الجميلة، وهذا أصبح أمراً ملحاً وضرورياً خصوصاً مع تطور الحركة التشكيلية السورية ودخولها السوق الفنية العالمية وتحقيقها تواجداً مهماً في هذه الساحة الفنية». وهو يدرك أن اللوحة السورية مطلوبة خارج البلد كما داخله، لذلك فإن النقد يسهم بقوة في تشكيل رؤى الفنان وتطور لوحته.‏‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

أخيراً‏‏

إن تجربة الفنان إسماعيل نصرة من التجارب التشكيلية الغنية في التشكيل السوري المعاصر، وهو فنان مجتهد ولا يتوقف عن التجريب، إضافة إلى أن أفق اللوحة لديه يتطور تدريجياً، فقلما تشاهد معرضاً جديداً إلا وقد جاء بجديد عن الذي سبقه. إن هذا النضج الفني من ناحية التقنيات رافقه تميز في إضاءة اللوحة وفي اللون وفي الفكرة، وفي الشفافية الملائمة لموضوعة المرأة. وكل هذا ليس سوى انعكاس لداخله الشفاف. وتحمل أعماله الكثير من القيم الوجدانية العميقة والتي تتمثل بالوجوه والأيدي والرموز.‏‏

_______________________________________________‏‏

بطاقة‏‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

ولد عام 1964 في سلمية‏‏

خريج كلية الفنون الجميلة قسم التصوير 1987‏‏

حاصل على دبلوم دراسات عليا 1998‏‏

حائز على مجموعة من الجوائز المحلية والخارجية‏‏

له مشاركات كثيرة في المعارض الجماعية والعديد من المعارض الفردية وأعماله مقتناة في عدد من دول العالم.‏‏

له أكثر من /40/ معرضاً فردياً ومشتركاً.‏‏

حصل على الجائزة الأولى في أول منافسة أقيمت في (صالون الشباب) وهو نوع من المسابقات تضم عدد من الفنانين من داخل سورية وخارجها، حيث تعرض أهم اللوحات وتقَيم لمنح الجائزة لأفضلها.‏‏

أعماله مقتناة في عدة دول من العالم: ألمانيا، إيطاليا، كندا، فرنسا، مصر، لبنان، وسلطنة عمان.‏‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية