|
الاحد 25 /6/2006 فالمجزرة التي ارتكبها الجنود الأميركيون في مدينة حديثة العراقية في تشرين الثاني العام ,2005 والتي تم اكتشافها والكشف عنها بمحض المصادفة هي واحدة من عشرات وربما مئات المجازر المرتكبة في العراق والتي تحصد أرواح شيوخ ونساء وأطفال أبرياء. وعلى الرغم من أن المصادفة وحدها هي التي قادت الى التعرف على هذه المجزرة البشعة التي ارتكبت بدم بارد, إلا أن الادارة الأميركية وكبار ضباطها وقادتها العسكريين في العراق حاولوا وما زالوا يحاولون التغطية عليها وعلى غيرها من المجازر المماثلة. وعلى الرغم أيضاً من أن شرائط الفيديو الملتقطة والشهادات المقدمة تظهر تعمد الجنود الأميركيين ارتكاب فعل القتل العمد بوحشية ودم بارد ضد المدنيين العراقيين, غير أن الادارة الأميركية تواصل الضغط على التحقيق بهدف تفريغه وتحويل مساره في محاولة للتهرب من المسؤولية وإلقاء اللوم أو حصر المسؤولية بعدد محدود من الجنود دون توجيه التهم الى ضباط من رتب رفيعة. وهنا لا بد من الاشارة الى أن المحاولات المبذولة لإلقاء المسؤولية على المجندين الأميركيين تأتي بعد محاولات الانكار والتعتيم التي مارستها الادارة الأميركية لإخفاء معالم الجريمة /المجزرة/, وكما هي العادة, حيث بات من الثابت أن هذه الادارة على علم بكل ما يحصل في العراق من ارتكابات وانتهاكات, وهي في كل ذلك تراهن دوماً على التكتم والتعتيم بحكم أن عدسات الصحفيين غير الأميركيين بعيدة عن ممارساتها. وليس أدل على ذلك من فضيحة التعذيب اللاأخلاقية التي تم كشفها في معتقل أبو غريب, والتي أثارت اشمئزاز العالم واستنكاره, وهو الأمر الذي جعل الادارة الأميركية في موقف شديد الحرج وفي حالة كانت فيها أضعف من أن تدافع عن ممارسات جنرالاتها وجنودها ما دفعها مكرهة الى الاقرار بالفضيحة بعد محاولات التقليل من شأنها والزعم أنها حالة سلوكية فردية محدودة. فضيحة أبو غريب ومجزرة حديثة وجريمة الاسحاقي, والحادثة الشهيرة التي تم فيها ضبط عناصر أميركيين متخفين بزي عراقي مدني وهم يهمون بوضع متفجرات في بغداد, ما هي إلا نماذج من سياسة منهجية يمارسها الاحتلال الأميركي على أرض الواقع مستفيداً من سجله الاجرامي في غير مكان, حيث من شأن مثل هذه الفضائح والمجازر وجرائم الحرب الموصوفة أن تعيد الى الذاكرة الممارسات الاجرامية الأميركية في فيتنام. مجزرة حديثة التي من المتوقع أن يمتد التحقيق المزعوم فيها لشهور أخرى وربما الى سنوات من دون توجيه الاتهام الى جنرالات الاحتلال أصحاب المراتب العليا.. هذه المجزرة ليست الأولى في سلسلة جرائم الحرب الأميركية في العراق وبالتأكيد لن تكون الأخيرة, ولنتذكر جميعاً أن سلسلة العمليات العسكرية الأميركية التي تم تنفيذها بذريعة تعقب المتمردين أو الارهابيين في الفلوجة وبعقوبة والرمادي ومحافظة الأنبار تحت مسميات الخنجر.. وكرة النار.. و.. ومسميات اجتهد جنرالات الاحتلال في العمل على ابتكارها وابتداعها على غرار أفلام هوليود, هي عمليات لا شك أنه ارتكب خلالها مئات وربما آلاف المجازر التي ما زالت طي الكتمان. ولئن عمدت القوات الأميركية في عملياتها العسكرية السابقة والحالية واللاحقة الى إغلاق المناطق التي تجري فيها, ولم تسمح بتواجد الاعلاميين هناك, فإن التاريخ كفيل بالكشف عن مجازرها المرتكبة سواء عن طريق الناجين العراقيين من مجازر الاحتلال, أو عن طريق المصادفة بصحوة ضمير لصحفي أميركي ما زال يحتفظ بالصور والشرائط التي التقطها. وسواء أتم الكشف عن هذه المجازر اليوم أو غداً فإن ذلك لن يغير من حقيقة أن أركان الادارة الأميركية مسؤولون مسؤولية مباشرة عن جرائم الحرب المرتكبة في العراق ويقضي الواجب الإنساني استدعاؤهم الى المحاكم الجنائية الدولية المختصة للمساءلة وتحقيق العدالة. وإذا كان من حقيقة أخرى تعكسها المجازر الأميركية في العراق, فإنما هي فشل إدارة بوش وإخفاقها في مسألتين, الأولى, أنها خسرت رهانها على الاستئثار بقلوب العراقيين والأميركيين على السواء, فلا الشعب العراقي استقبلها بالزهور والرياحين, ولا الشعب الأميركي ارتضى سلوكها وممارساتها التي تسيء له وتلطخ تاريخه وسمعته وتمس قيمه. فالعراقيون اليوم كما كل شعوب الأرض التي احتلت أوطانها يمارسون حقهم في المقاومة لتحرير أرضهم واستعادة سيادتهم واستقلالهم.. والأميركيون يترجمون موقفهم الرافض للحرب والممارسات الوحشية بانتقاد إدارتهم ومطالبتها بالانسحاب من العراق وإعادة أبنائهم الى وطنهم, ويحثونها على الانفتاح والحوار مع الحضارات والثقافات والشعوب الأخرى كسبيل لمعالجة المشكلات الدولية ومكافحة ظاهرة الارهاب ومحاربته بديلاً عن نهج استخدام القوة تحت يافطة الحروب الاستباقية والوقائية التي تهدد الأمن والاستقرار الدولي. وأما المسألة الثانية فتتلخص بضرورة إقرار الادارة الأميركية بأنها أخفقت في توفير الأمن والاستقرارفي العراق.. بل على عكس ما تدعي, فإنها خلقت الفوضى وعدم الاستقرار في العراق والمنطقة, ومن المنتظر أن يؤدي استمرار هذه الحالة الى جعل الولايات المتحدة تدفع أثماناً باهظة ما لم تصل عاجلاً الى قناعة تقودها الى اتخاذ قرار إنهاء احتلال العراق ووضع جدول زمني عاجل للانسحاب منه. |
|