تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الحقائق والأدلة.. أكثر إقناعامن فبركات مجاميع التضليل الإعلامي

دراسات
الثلاثاء 13/12/2005م
ميخائيل عوض

بدأت الماكينة الإعلامية تنقلب على نفسها, وباتت الواقعات أقوى من الترهات, والحقائق أنصع من الفبركات,

والأدلة المادية أكثر إقناعاً من أكاذيب وفبركات مكاتب ومجاميع التضليل الإيديولوجي, والتهويل النفسي والحرب الإعلامية.‏

جاء خطاب الرئيس بشار الأسد صفعة قوية لكل ما كان يقال وكل ما كان يروج فقلب المزاج, وغير من الحراك وحول السيناريوهات واحتمالات التطور قاطعاً كالسيف مانعاً من استمرار لعبة التيئيس والإحباط والتخويف, ومعلناً عن خيار وقرار سورية وكيف أن عزيمتها لم تفلّ, ولا ثوابتها قد أصابها وهن, ولا أصابت الشوائب رؤيتها ونصاعة حلمها.‏

قالت سورية ما أرادت وحددت أهدافها ورؤيتها بلسان رئيسها وقد عبر عن حالة الإجماع الوطني والقومي حيث حقق الخطاب التفافاً حول الرئيس والدولة, والقيادة ما أذهل المتابعين للحالة السورية, وصفع المراهنين على سقوط من الداخل أو بواسطة لجنة ميليس أو بالترهيب من قرار مقاطعة, وإلى ما هناك من سيناريوهات كان يقال عنها.‏

عرفت سورية قيمتها وموقعها وقدراتها وطبيعتها, فوقفت الموقف المطلوب في اللحظة الحاسمة الموقف الصحيح في الوقت الصحيح, ووضعت النقاط على الحروف, الأمر الذي دفع العالم بإدارته والمهتمين إلى التفتيش عن آلية جديدة للتعاون من دون شروط مسبقة تفرض على سورية ومن دون عناد, وبلا إملاءات, بل بالاستجابة لما قالت سورية من حقوق لها ولمواطنيها.‏

وعندما قررت سورية أن لا تتعامل بالإيجاب مع ما يمس أمنها الوطني, وثوابتها اضطر مجلس الأمن إلى البحث عن آليات وعن صياغات للتعاون مع سورية وبعد أن كان المفوض بالحكم العرفي لسورية بموجب قرار مجلس الأمن 1636 يهدد ويتوعد ويعاند, عاد وقبل تغيير قراره حول مكان الاستماع إلى الشهود السوريين, بمخرج يتساعد الكثيرون من قادة المنطقة والعالم على توفيره تلبية لشروط سورية, وقرارها, القرار الصلب الذي عبر عنه وزير الخارجية قبيل ساعات قليلة من الاتفاق على المكان والضمانات, وفي اللحظة التي أدركت واشنطن وهي أساس الابتلاء أن سورية جادة وماضية في قرارها في المقاومة حتى النهاية وقد بدأت تفعيل أوراقها واستنفار طاقاتها وجدت أن اللحظة خطيرة وأن أي خطأ يمكن أن يدفع المنطقة والوجود الامبريالي فيها إلى أزمة حاسمة وانفجار عنيف يطيح باستقرار المنطقة وبمصالح القوى الاستعمارية وأتباعها, فسارعت واشنطن إلى طلب العون من روسيا العضو في مجلس الأمن والأقرب إلى التفاهم مع سورية والساعي إلى العودة للمياه الدافئة, فكان الدور الروسي مستحضراً وحاضراً بقوة الثبات السوري, وعادت روسيا إلى الفاعلية كطرف مفروض عنوة عن الأميركي والأوروبي الذي حاول استبعادها بل تآمر على إقصائها في آسيا, وفي دول الجوار الروسي عبر الثورات الملونة, وإقامة القواعد العسكرية والأمنية التي نظمت بالاتفاق بين الاتحاد الأوروبي والإدارة الأميركية لتفكيك روسيا والإحاطة بآسيا الصاعدة مع منظمة شنغهاي والقوة الاقتصادية الصينية والهندية.‏

الوساطة الروسية, الضمانة الروسية, مقبولة من سورية بل مطلوب أي يجري التعامل معها بإيجابية وتفعيلها, والموقف الروسي مثل المصالح السورية والروسية والإيرانية والعربية تستوجب عودة روسيا لاعباً دولياً مرهوباً, ومستقلاً فاعلاً, وتفعيل دور روسيا وتعزيز حضورها لا بأس أن يكون من البوابة اللبنانية-السورية.‏

في هذه الجولة الحاسمة من معركة استقلال المنطقة العربية, وتعزيز خياراتها المقاومة كأساس مادي لمشروعها النهضوي نجحت سورية عندما عرفت قدراتها وموقعها وأهميتها فأدارت معركتها بتقانة عالية, وبقدرة قيادية إبداعية, وكان أن ظفرت, عندما أحرجت الجميع وأخرجت البعض, فانتزعت مكانتها وانتزعت قيادتها ثقة الشعب وثقة الحلفاء وكشفت عن قدرة إبداعية على التعامل مع الربع الساعة الأخيرة, وأثبتت من جديد أنها على عادتها سيدة الموقف وصانعة النهايات على طريقتها.‏

أحرج بعض العرب المستعجلين للتعاون مع الضغوط الأميركية-الأوروبية, وأحرجت الإدارات الأوروبية التي اتضح أن نخبها الحاكمة والمالكة مجرد تابع للمشروعات الأميركية لا تتحكم بمسار الأمور ولن يكون لها موقع إلا إذا تعاونت مع سورية وعربها, وإذا احترمت مقاوماتها.‏

أوروبا التي حاولت التملص من التزاماتها الأوسطية وانقلبت على علاقاتها العربية, وعلى تنسيقها مع سورية ولبنان, وتحولت إلى التعاون التابع مع أميركا وشارون خسرت في اللحظة الحرجة, بل هي في طور فقدان وزنها وحضورها ومشروعها للشراكة المتوسطية, وأقرب الأدلة ما انتهت إليه القمة التي قاطعها الرئيس الأسد وقال فيها إن سورية وقائدها لا تحني رأسها إلا لله عز وجل, فاضطر قادة عرب آخرون للمقاطعة وانفضت القمة من دون إعلان توافق مقتصرة على بلاغ نوايا, في مؤشر على انهيار وتداعي المشروع الأوروبي الذي كان قوياً ويقوى فيما لو استمرت أوروبا في موقفها ومشروعها المستقل عن أميركا وإسرائيل, النخبة الأوروبية دفعت باتحادها وبدولها وبتماسكها الداخلي إلى طور التأزم وانهيار شعبية إداراتها التي عكست مسار تحالفاتها وانقلبت على إرادة جمهورها عندما توافقت مع الإدارة الأميركية الصقرية, وتأتي أحداث باريس, ونتائج استطلاع الرأي الدالة على انهيار شعبية شيراك, وانهيار شعبية حكومة بلير, ومأزق الحياة السياسية في ألمانيا خير دليل وإثبات ملموس بعكس أدلة ميليس ولجنته المدعومة فرنسياً وأميركياً.‏

أخلت أوروبا الساحة, وافترضت نخبتها أن انقلابها للتفاهم مع أميركا لإدارة المنطقة سيعطيها وزناً ويحقق مصالحها أكثر مما لو ظلت على تفاهماتها مع سورية العرب وإيران, وتصورت ومعها بعض النخب والحكام العرب أن ذلك سيؤدي إلى انهيار الممانعة العربية, وإلى إسقاط سورية وتأزيم المقاومات, وتعويم الشراكة الأوروبية-الأميركية لانتداب المنطقة العربية والإقليم, فجاء موقف سورية وإعلانها لخياراتها الاستراتيجية, وموقف إيران الصلب الثابت على الحق بالاستقلال صفعة مؤلمة, وأساساً لتحولات على الصعيد الإقليمي والدولي والعربي, فتحولت العتلة إلى آسيا, وجاءت روسيا تستعيد دورها محمولاً على تفاهمات مع سورية العرب, ومع إيران, وبدأت تأخذ موقعها الذي يجب أن يكون.‏

انتزعت سورية اعترافاً بقوتها ومحدودية قدرة الضغوط والتهويل عليها, فأحرجت, ووفرت الأسباب والظروف الموضوعية لتغييرات في البيئة والتوازنات والأدوار وبالتالي في مستقبل المنطقة وانحسار مشاريع الهيمنة.‏

مبروك سورية عروبتها, وقيادتها, وشعبها المتماسك, وثباتها وإنجازاتها.‏

الخيبات وصفعة بعد الأخرى لكل من يتطاول على سورية ولمن يفترض قدرة على لي ذراعها.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية