تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


كلمة أولى فــنُّ الإصـــغاء

ملحق ثقافي
13/12/2005م
حسين عبد الكريم

تجتهدُ المخيِّلةُ أجملَ اجتهاداتِها،في ابتكارِ صورةٍ مدعاةٍ للطمأنينة وبعضِ الحب، الذي لايتشتّت ويهلك، أمام التعاسات الكبيره. وفن الإصغاء يلتقي مع المخيلة، في مواظبتها على الاحتفاء بالجمال، الذي هو الدهشةُ والفرحُ الانسيابي، المولود من غير تعثّر، أو عملياتٍ قسريه.

فنون الإنسان المتلاقية مع نشاطه النفسي والاجتماعي عديده: فن الحب، فن الزخرفه، فن النحت، فن اللون والخط والتشكيل.. فن الكلام، الذي يلاقيه ويكمله فن الإصغاء. الإصغاء بمعناه الاصطلاحي والنفسي واللغوي، وفي كلِّ المعاني، هو المقدرة على الاستفادة من أداء الآخر وسلوكه الثقافي، وتجربته، وحين يصيرُ فناً، يصير أكثر فاعليةً.. قديماً وحديثاً يقول القائلون: فلان قرأ على فلان كتاباً أو نصاً أو موضوعاً أو قصة أو قصيدة. معنى هذا أن الاستاذ سمع التلميذ، فاستفاد الثاني من الأول عبر الإصغاء. لكن الصخب الكوني، قتل عند إنسان العصر ملكة الهدوء، واستبدلها بملكة الضوضاء،حتى غدونا فقراء إلى الإصغاء واشتقاقاته، وصار الغالبيةُ يتكبرون على النباهة الإصغائيه، وينصرفون عنها إلى «الثرثره» التي فتكت بمسراتٍ عديدةٍ في حياتنا المعاصرة. أكبر الشعراء، توهجوا شعراً عظيماً عبر أسماعهم: «أُمَامةُ قد وصفْتِ لنا بحسنٍ فإنّا لانراكِ فألمسينا» وهنا تحالفت موهبة الإصغاء مع موهبة أخرى هائله «اللمس».. «أذني لبعض الحي عاشقةٌ والأذنُ تعشقُ قبل العين أحيانا» والإصغاء بدلالته العصريه، قد يختلف عن دلالاته المعجميه، إذ دخلت في تكويناته اهتمامات الإنسان وهمومه، وحاجاته الثقافيه والحياتيه. نتعلّم طويلاً حتى نقول جملاً مفيدةً.. وليس عبثاً أن تُتطالب الدروس الأولى المتعلمين الصغار بكتابة جمل مفيده.. وسلوكات مفيده.. و مهما يكن من أمر التجديد والحداثه والتقانات الاتصاليه والمعلوماتيه، سيبقى فن الإصغاء والتعلّم من الآخر، فناً عظيماً خالداً، قائماً بذاته، ومتجاوباً مع كلِّ العصور والفنون. كم يَقرأ الإنسان، حتى تتربَّى نفسه على قواعد وأساسيات الإصغاء والاغتناء بالتجارب الأخرى!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية