تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ميساك باغبودريانعلينا مواكبة العصر مع المحافظة على الخصوصية العربية

ملحق ثقافي
13/12/2005م
حوار: إدريس مــــراد

مفهوم الكلاسيك

أين الموسيقا الكلاسيكية الغربية من الموسيقا العربية في واقعنا المعاصر؟‏

دعنا نتفق في البداية على مفهوم الموسيقا الكلاسيكية وماذا تعني. تم الاتفاق على مر العصور تسمية الموسيقا التي تتميز بجديتها، وتركيبتها المنطقية والعاطفية ضمن قوالب معينة بالموسيقا الكلاسيكية. وتحتوي في داخلها عصوراً وأساليب مختلفة منها العصر الكلاسيكي، وبالتالي فإن اصطلاح الموسيقا الكلاسيكية هو اصطلاح لا يهتم بالزمن وبالعصر، وإنما بطريقة التفكير والتأليف ضمن شروط فنية واضحة. هنا أريد أن أوضح رأيي في هذا الموضوع، إنني أعتبر التسمية السابقة غير دقيقة ولذلك ينبغي إيجاد اسم شامل يعبر عن عالمية هذا النوع من الموسيقا وشموليتها.‏

إن المجتمع العربي بقي ولظروف تاريخية معزولاً وبعيداً عن التطور الموسيقي العالمي لعصور طويلة، رغم أن الموسيقيين والمفكرين العرب قدموا لهذا التراث العالمي مساهمات هامة، ورغم ذلك تم الإيحاء لهذا المجتمع أن هذه الموسيقا لا تمت لها بصلة، بل إنها موسيقا غربية، بالتالي نشأت الرؤية السائدة بأن الموسيقا الكلاسيكية هي موسيقا تابعة للغرب وليس للعرب أي صلة بها.‏

من واجبنا الآن كموسيقيين، توضيح هذا المفهوم.‏

بعد مفترق الطرق الذي تحدثت عنه، أي بعد الكندي وزرياب، بدأت الموسيقا في المجتمع العربي تبحث عن طريق للعيش، وبالتالي أصبحت تبحث عن وظيفة لها لخدمة المجتمع، وكانت الطريق الأسهل لذلك هي الموسيقا الغنائية ومفهوم الطرب، هذا المفهوم وضع حدودا لتفكير الموسيقيين العرب وأغلق أمامهم طرقاً كان من الممكن سلوكها لتطوير هذه الموسيقا وآلاتها، في حين استطاع (أهل الغرب) توحيد السلالم بإيجاد السلم المعدل وتطوير الموسيقا الغنائية باتجاه الموسيقا الآلية، وإيجاد قوالب جديدة تسمح في التطوير المنطقي للموسيقا وإبعادها عن وظيفة التسلية وجعلها أداة حقيقية تساهم في الحياة اليومية للمجتمع وتعكس تطوره المنطقي والفلسفي وتشكل شاهداً على التطور الإنساني والتكنولوجي.‏

استطاع الموسيقي “الغربي” توظيف الثورة الصناعية في إحداث ثورة موسيقية عن طريق تطوير صناعة الآلات واختراع آلات جديدة تسمح له بإيجاد ألوان صوتية مختلفة وهو ما لم يستطع الموسيقيون العرب التفكير به، فمثلا نجد انقراض عائلة كاملة من الآلات الوترية لعدم قدرتها التعبير عن متطلبات المؤلفين الموسيقية المتطورة نتيجة لتطور الحياة مثل آلات الفيول واستبدالها بعائلة الكمان، حتى أننا نجد التطور الذي شهده الة العود في اسبانية بعد ان وصل إليها مع الفتوحات العربية وأصبح الة الليوت التي قامت بعزف الهارموني بالاضافة إلى اللحن في حين نجد الموسيقي العربي متمسكاً بآلة العود التقليدية دون التفكير في إمكانية إعطائها دورآً مهماً جانب كونها الة تراثية أساسية لتصبح مساعداً في تطوير الموسيقا العربية عن طريق تطوير طريقة التأليف لها ولم لا، دراسة سبل تطوير طرق إصدار الصوت في العود وطرق صناعتها وتطويرها. هنا يجب التمّييز بين الموسيقا التراثية والفولكلورية وآلاتها وبين الموسيقا العالمية التي يساهم كل أبناء هذا العالم في تطويرها. إن معظم الشعوب العالم احتفظت بآلاتها الشعبية، كما تحتفظ بموسيقاها التراثية وبشكل مواز تساهم في إغناء الإرث العالمي الموسيقي.أما نحن، فنجد أنفسنا كمجتمع عربي ضائع بين هذه المفاهيم، وإلى الآن لم نستطع التمييز بين حفظ التراث وتطوير الموسيقا “العربية”، في الوقت الذي استطاع المؤلفون الموسيقيون في أوروبا توظيف ألحان من الموسيقا الشعبية في أعمال مصنفة ضمن الموسيقا الكلاسيكية مثل (بارتوك، فورجاك، برامز...) دون المساس بالتراث الشعبي وتشويهه، لا نزال نتخبط اليوم بمفهوم التطوير والتحديث بمحاولات أقرب ما تكون إلى تشويه التراث، بدلاً من دراسته والاستفادة فقط من نكهته لإضفاء الروح الشرقية المتميزة على أعمال مكتوبة بلغة عالمية. هذه اللغة التي تطورت عبر العصور ووصلت إلى ما نحن عليه الآن، فينبغي أن نتذكر أننا نعيش في القرن الواحد والعشرين، في عصر أصبح بالامكان رؤية الأرض من على القمر وأصبح من الممكن الدوران حول الكرة الأرضية في أقل من أربع وعشرين ساعة.‏

وبرصد التحول الذي يعيشه المجتمع العربي في هذا القرن نجد أن موسيقانا العربية ما زالت بعيدة كل البعد عن واقع المجتمع واللغة التي يتحدث بها، أعيد وأؤكد أنني لا أطلب نسيان تراثنا والاستغناء عنه فكما قمنا بتغيير لباسنا وأسلوب طعامنا وحياتنا اليومية فعلينا مواكبة العصر الذي نعيش فيه مع الانتباه إلى المحافظة على الخصوصية العربية.‏

خطأ التحديث‏

برأيك أن التراث لا يتطور، لذلك ينبغي علينا البحث عن صياغة ثانية للتطور..؟‏

ذا كنا نتحدث عن التراث كونه التراث الشعبي أي الفولكلور، فإنني أرى من الخطأ تحديث الفولكلور، وهذا الرأي مبني على ما رأيته أثناء دراستي وتجوالي في أوروبا وخاصة أوروبا الشرقية التي تمتلك فولكلوراً موسيقياً غنياً حيث يتم المحافظة عليه كما هو، وتوثيقه لكي لا يتم تشويهه مع الزمن، ومن المعروف أن التراث والفولكلور ينتقل بشكل شفهي وهو أمر خاضع إلى الناقل والمتلقي وإحساسهم وبالتالي يمكن أن نجد تشويهاً ينتقل من جيل إلى جيل نتيجة لظروف الحياة وامتزاج الثقافات.‏

أما التطور في التأليف الموسيقي الذي نتحدث عنه، إن كان مستلهما من التراث أم لا، ينبغي أن يكون بمنهج منطقي وعلمي وهو أمر بعيد عن الفولكلور.‏

العفوية المدروسة‏

هل بإمكانك أن تتحدث عن التناقل الشفاهي والتدوين، وهل كان موجوداً في التراث الغربي أيضاً..؟‏

إن ما يميز الفولكلور هو انتقاله الشفهي العفوي بين الأجيال، أما الموسيقا الكلاسيكية فإنها تعتمد على التدوين الواضح والمتفق عليه عالميا. وقد استفاد الغربيون من تجاربهم في المجالات غير الموسيقية حيث وجدوا أنه إذا أرادوا التطور، يجب عليهم تسجيل وتوثيق التجارب وبالتالي بدؤوا في البحث عن طرق للتدوين الموسيقي تسمح بالتعبير عن كافة الاختلافات الصوتية والطبقية وقاموا باختراعها ولا يزالون يخترعون إلى الآن مصطلحات موسيقية جديدة حيث نجد مصطلحات حديثة تواكب جميع متطلبات التأليف المعاصر.‏

إن التدوين سمح بالحفاظ على الأفكار الموسيقيين وأعمالهم من التشويه على مر العصور ونقل تجاربهم إلى الأجيال الجديدة مما سمح بالتطور السريع للموسيقا الغربية. أما بالنسبة للموسيقا العربية فبالرغم من أن أول تدوين موسيقي في التاريخ هو من صنع أجدادنا في أوغاريت إلا أن الموسيقا العربية تعاني إلى الأن من عدم وجود منهج علمي موحد في التدوين الموسيقي وهو ما يؤثِّر سلبا على الحفاظ على هذه الموسيقا ونقلها بحذافيرها عبر الزمن دون تشويه وتشكيل قاعدة متينة تمكن الأجيال القادمة من الاستناد عليها.‏

طرق إصدار الصوت‏

تحدثت عن انقراض بعض الآلات وتطور بعضها، ألا تعتبر آلة البيانو آلة قديمة التي تمت عليها أساسيات الموسيقية الكلاسيكية..؟‏

إن الموسيقا تعتمد على الصوت، وإذا قمنا بتحليل طرق إصدار الصوت في الآلات الموسيقية لوصلنا إلى طريقتين أساسيتين، مهما اختلفت أنواع الآلات وأشكالها‏

. فإما أن يصدر الصوت عن طريق انكسار الأمواج بالنفخ، أو عن طريق اهتزاز الوتر. أما دراسة تطور طرق إصدار هذا الصوت هو الأمر الممتع. هكذا بإمكاننا متابعة سلسلة التطور للآلات التي نراها بين أيدينا عبر التاريخ، وبما أن حديثنا عن آلة البيانو، فإننا نجد بتحليل تطورها بالاتجاه العكسي للزمن، أننا نمر عبر آلة فورتي بيانو وآلة الكلافيسان وهي آلة تحتوي على لوحة مفاتيح، ولكن بدلاً من المطارق التي نجدها في البيانو هناك ريشة تقوم بنقر الوتر كما هو الحال تقريباً في آلة القانون، بينما المطارق الموجودة في البيانو تذكرنا بالمطارق اليدوية لآلة السنطور، وهذا يمكن أن يعطينا فكرة عن الخط الذي نهجه الأوربيون للحصول على آلة معقدة مثل آلة بيانو التي ما زالت قيد التحديث والتطوير. أهمية الموسيقا ماذا عن المجتمع والموسيقا بين (الرفض والقبول) وضرورة نشر الثقافة الموسيقية؟ لقد واكبت الموسيقا المسيرة الانسانية في كافة مراحلها وكانت مع أخوتها من الفنون الأخرى وسيلة للتعبير ومرآة تعكس الواقع الذي يعيشه الانسان بأفراحه وهمومه. وأدت الموسيقا دورها في الحماسة في قلوب المحاربين والخشوع في قلوب المصلين. إن هذا هو جزء صغير مما يمكن للموسيقا أن تفعله على الصعيد النفسي دون الحديث عن العلاج بالموسيقا. بالتالي أجد أن للموسيقا دوراً اجتماعياً مهماً يجب علينا تفعيله. إن حياة الانسان اليومية مبنية على ايقاع معين وتتم تحركاته بالاستناد على هذا الايقاع. وبالتعرف على الموسيقا يمكن للإنسان العادي اكتشاف ايقاعه الشخصي والتعرف على اشكال إيقاعية أخرى من الممكن أن تساعده في حياته اليومية. كما أن الموسيقا «الجادة» تساهم في تطوير التفكير المنطقي بالاضافة إلى كونها طائرة تساعد الانسان على التحليق عاليا والارتقاء إلى مستويات من الشعور الانساني بعيدة عن الحياة اليومية الروتينية. إن الموسيقا عبارة عن نظام يفرض نفسه علينا بعذوبة وبالتالي أجد ضرورة نشر الثقافة الموسيقية بدءا من الأطفال و اشراكهم في هذه التجربة الانسانية المهمة. فالموسيقا هي عمل جماعي تخلق مشاعر مشتركة وتساهم في خلق حياة للطفل على العمل الجماعي والمساهمة الفعالة بالرغم من اختلاف الصوت أو الالة وبالتالي يتشكل لدينا جيل يحمل أفكاراً سامية ويدرك أهمية العمل الجماعي ويستطيع التعبير عن مشاعره الانسانية وبالتالي نجد مواطن المستقبل الحساس والمثقف.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية