تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


فهد بلان في ذكرى رحيله الثامنه نكهة الغناء الأصيل

ملحق ثقافي
13/12/2005م
معين العماطوري

ومن لم يسمع (يا بنات المكلا) و(جس الطبيب) و (تحت التفاحة) و (يوم على يوم)،

لا شك أنه الفنان الراحل فهد بلان الذي صدحت حنجرته بتلك الأغنيات التي خالط الدم والروح وألهبت المشاعر الوطنية والعاطفية. قبل أعوام ثمانية غيّب الموت فناناً كبيراً من الساحة الفنية تاركاً خلفه إرثاً فنيّاً تفتخر بها المكتبة الغنائية العربية، لا يستطيع أحد أن ينسى ذاك المطرب الفحل فهد بلان الذي كان بحق مطرب الرجولة وعنوانها. ولا بد لنا في هذه المناسبة أن نلقي الضوء على مسيرة فناننا الراحل فمنذ أواخر الخمسينات بدأت حياته الفنية عندما قدم من محافظة السويداء، مكتسباً منها الصوت الرجولي المستمد من الحجارة الصلبة الزرقاء، وعذوبة صوته من عذوبة النسائم العليلة، مشاركاً في الأعراس والمناسبات الاجتماعية يغني الفلكلور الجبلي، انتقل إلى دمشق ليعمل في كورس الإذاعة مردداً، حتى يصقل موهبته في أداء الأغاني العربية بألوانها وأشكالها المتعددة. ليبدأ في نهاية الخمسينيات مردداً بكورس الإذاعة السورية وإذ ذاك كان الملحن عبد الفتاح سكر رئيساً للكورس، حينها عرف الملحن سهيل عرفة وقدم له أولى ألحانه من كلمات راشد الشيخ بعنوان/ يا بطل الأحرار/ وذلك عام 1958احتفاءً بالوحدة العربية بين سورية ومصر وهي اللحن الأول للملحن سهيل عرفة وكذلك الأغنية الأولى التي يصدح بها فهد بلان. وفي مطلع الستينات وبعد أن التقى في إذاعة حلب مع الفنان شاكر بريخان وشكل ذاك اللقاء ولادة أغنية آه يا قليبي التي غناها مع المطربة سحر، حقق نجاحاً كبيراً، صبغت أغانيه منذ حينها باللون البدوي، وتجسد اللون الجميل معه بالأداء الأجمل، إلى أن التقى فنياً مع الفنان والملحن الموهوب عبد الفتاح سكر الذي قدم له ألحاناً كثيرة وجميلة، خاصة أغنيتهما الأولى التي تعتبر لوحة غنائية شعبية لهما ( لركب حدك يالموتور ) وتوالت الأغنيات بعدها (واشرح لها وألفين سلام وشفتا أنا شفتا ) وغيرها..... ثم انتقل إلى بيروت حيث قدم في برنامج ألوان الذي كان يعده ويقدمه الفنان نجيب حنكش الذي أطلق عليه لقب مطرب الرجولة، في حينها قدم له الملحن سهيل عرفة لحناً جس د لونه الرجولي في أغنية ( بالأمس كانت تهوى وجودي ) التي كانت فعلاً تجسيداً للون الرجولي له، وفي بيروت كانت شهرته كبيرة جداً وقدم أغاني عديدة ومثل أفلام سينمائية تصل إلى أكثر من ثلاثة عشر فلماً مشاركاً فيها البطولة مع نخبة من نجوم السينما العربية من لبنان ومصر لاسيما الفنانة القديرة مريم فخر الدين التي كانت من نتاج فيلمهما فرسان الغرام أن وقعا في الغرام والزواج، وكذلك اشترك مع المطربة صباح في فيلم ( عقد اللولو وأين حبي و حبيبة الكل) والمطربة نجاح سلام في فيلم ( يا سلام على الحب )، ثم انتقل إلى مصر فأقام فيها ما يزيد على تسع سنوات في القاهرة استطاع أن يسيطر على الساحة الغنائية سواء بألحانه السورية أو بالألحان التي قدمها له الملحنون اللبنانيون والمصريون. نجاح الأغاني الشعبية التي قدمها له الملحنون السوريون عبد الفتاح سكر وسهيل عرفة وشاكر بريخان، والملحنون اللبنانيون فيلمون وهبة الذي قدم له ( يا خيال يارايح على الجولان - وعباية مقصبة) وملحم بركات ( ما أشتقتيش ) و (قوم تعلل يا مدلل)و عفيف رضوان (أنا صياد شارد بالبراري) وحسن غندور موشح (دع الملامة)، دفع بالعديد من الملحنين المصريين أن يقدموا له ألحانهم فلحن له الملحن بليغ حمدي( بحري الهوى) و (من غير معياد) و (على كفي ) وخالد الأمير ( ركبنا على الحصان و دوري دوري و أهلانين وسهلانين) وكذلك الشيخ سيد مكاوي قال فيه ( أنت تعطي فهد بلان اللحن شجرة عارية وتسمع منه اللحن مزهوة بأجمل الأثمار ) قدم له ( يا بو الطاقية ) وموشح (مال وأحتجب ) و هذا الموشح من كلمات أمير الشعراء أحمد شوقي وأداء فهد كان مميزاً به لأنه حمل روح الموسيقار سيد مكاوي وظل هذا الموشح يحمل عبق الإبداع لهذين الفنانين إلى أن سمعناه مؤخراً من الموسيقار والمطرب كاظم الساهر بلحن جديد وتوزيع جديد وأداء جديد.، ولكن كانت أكثر الألحان شهرة هي ما قدمه من الموسيقار الكبير فريد الأطرش بأغنيته ( ما أقدرش على كده ) و أغنية ( وشوي شوي يابنية ). بعد سنوات قضاها في مصر عاد ليلثم تراب أرضه ووطنه، حيث أقام في مدينته السويداء وأسس فرع المنطقة الجنوبية لنقابة الفنانين، متابعاً مسيرته الفنية مع الكاتب والملحن سعدو الذيب الذي قدم له / يوم على يوم و غالي علينا يا جبل وسلامين/ وغيرها... تميز فهد بلان بأدائه للغناء الوطني فلم تخل مناسبة وطنية إلا وغنى لها، فقد غنى للوطن العربي أغنية ( وطني امتد وصار كبير ) و( تهنا يا عربي )، وغنى لوطنه سورية من كلمات د. علي عقلة عرسان و ألحان أمين الخياط ( تعيشي يا بلدي ) و / يارب تبارك سورية / للملحن ايلي شويري كما غنى للقدس الشريف وللشعب الفلسطيني من ألحان الموسيقار محمود الشريف ( المسجد الأقصى - والقدس الشريف)، وغنى لثورة الثامن من آذار المجيدة أغنية من ألحان عبد الفتاح سكر/ ثورة تعيد الأرض / و/ لو أعطيت الثورة / للملحن رياض البندك، وكان للحركة التصحيحية الكريمة نصيبها إذ غنى لها باقة من الأغاني منها / حيو الشآم - وسيف الحق - و سورية تشارين الغار - ومن يوم ولدنا يا بلدنا - و فارس التصحيح - وصباح الخير يا بلدنا / وغيرها الكثير... وهل ننسى أغنيته الشهيرة التي غناها بعد نكسة حزيران فأثارت مشاعر الكبرياء بعد الانكسار وهي ( ويلك يلي تعادينا ويلك يا ويل.. شبه النار تلاقينا بظلام الليل ) وتلك الأغنية قدمت في مهرجان الأغنية السورية الرابع. أراء وشهادات : قال الموسيقار محمود الشريف عندما سئل عن لون فهد بلان الغنائي : (فهد بلان أتى إلى مصر لكي ­ يلقي حجراً في المياه الراكدة) أما الملحن الكبير محمد الموجي فقال : (إن صوت فهد بلان يمتاز بالقوة والجمال...). و سيدة الغناء العربي أم كلثوم فقالت: (فهد بلان لون جديد وأداءًٌ جديد ومغنى جديد في الغناء العربي...... ). واعتبر الملحن عبد الفتاح سكر فهد بلان بأنه (توأم روحه). الدكتور علي عقلة عرسان الذي اعتبر فهد بلان فارس الأغنية وتليق له العباءة، وعاشق يتماهى مع عشقه الغناء. الشاعر والأديب شوقي بغدادي قال : من هو المطرب الذي يمكن أن نسمّيه (سوريّاً ) حقاً بعد رحيل فهد بلان، من يملك صوته وأصالته وموهبته وقدراته الخُلقية والفنية الفطرية على اختراق الأوساط الفنيّة العربية جمعاء دون أن يضحي بشيء من أصالته ؟.... وقد وصفه الشاعر العربي الفلسطيني سميح القاسم بأنه ظاهرة فنية غير متكررة. أخيراً نستطيع القول برحيل مطرب الرجولة فهد بلان فقدت الساحة الغنائية العربية بعامة وسورية بخاصة أحد أعمدتها الذين ساهموا في إغناء المكتبة العربية الموسيقية بالأغاني الوطنية والقومية والعاطفية والإنسانية، لأنه حمل الوطن بفؤاده وراية الأغنية السورية بصوته وحبه لانتماءه، رحم الله فناننا الكبير فهد بلان الذي رحل عنا جسداً وسيبقى في ذاكرتنا ظاهرة فنية لن تتكرر..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية