تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


قصـــــة الأفغــــان مــــــع الغـــــزاة

قاعدة الحدث
الخميس 11-10-2012
 إعداد: وضاح عيسى

أفغانستان التي أطلق عليها نائب الملك البريطاني في الهند في أوائل القرن العشرين «رأس حربة آسيا»، وصفها الشاعر المشهور إقبال بأنها «قلب آسيا»، في حين كانت البوّابة الرئيسية لجنوب آسيا، وقد احتلت مرات عدة في الماضي والحاضر..

أسباب كثيرة اختلفت أو تباينت أو تطابقت وقفت وراء احتلالها قديما وحديثا ، وكي نفهم ما حدث فيها حاليا وفي السابق من حروب، لابد من معرفة العوامل التي شكّلت تاريخ هذه البلاد، وما مر عليها عبر التاريخ من تقلبات انتقلت إثرها من محتل إلى آخر، بعضه اندمج واختلط مع السكان المحليين، في حين استقر آخرون ورحل البعض الآخر.‏‏

في ثلاثينيات القرن الثامن عشر فتح الباب عريضا أمام بريطانيا لوضع أفغانستان تحت هيمنتها وزاد نفوذها خاصة عندما حاولت روسيا أن تدخل حلبة الصراع على أرض أفغانستان وزاد ولاء حكام الأفغان للانجليز، ففي الفترة الممتدة بين 1821-1833 زار ضابط بريطاني أفغانستان وكان مكلفا بمهمّة دراسة علم الطوبوغرافيا والسمات الأخرى ذات العلاقة بالميدان العسكري.. وهنا تسارعت أحداث المناورات بين روسيا وبريطانيا في المنطقة ، وأجج الأمر مجيء مبعوث روسي إلى كابول، حيث اعتبر الانكليز أن ظهور الروس هنا دليل على إصرارهم لمد نفوذهم إلى أفغانستان .. لذلك أمر الحاكم العام البريطاني للهند بغزو شامل لأفغانستان بعد قتال مرير ومقاومة شديدة.‏‏

لم يكد عام 1841م يوشك على نهايته حتى كان التدخل البريطاني في الحكومة الأفغانية بغير حدود، فقد أصبح كل شيء في يد الإنكليز.. واقترح خبراؤهم هناك أن الأمر يحتاج إلى تغيير شامل سواء في البناء السياسي أو الاجتماعي والاقتصادي، حتى آلت الأمور إلى الأسباب التي جعلت انسحاب القوات البريطانية من الأراضي الأفغانية أسوأ عملية انسحاب في تاريخ الجيش البريطاني وانتهت بكارثة مروعة.‏‏

في تشرين الثاني 1878 غزا الجيش البريطاني أفغانستان للمرّة الثانية، ليهزم مرة أخرى، ورأت أفغانستان حينذاك أن الحل الوحيد يكمن في اتباع سياسة حذرة أو الحياد لتجنّب إثارة المتنافسين الكبار المجاورين لأفغانستان ومنعهم من التدخّل في شؤون البلاد الداخلية، إلا أن البريطانيين لم يتخلّوا عن هدفهم لإخضاع الشعب الأفغاني إلى حد الحرب الأفغانية الثالثة عام 1919 .‏‏

كان لثورة «أكتوبر» الروسية أثّر على أفغانستان، حيث بدأت حركة من الإصلاحات فيها، مبشرة بعصر جديد لأفغانستان ولآسيا، وكان إبرام معاهدة صداقة بين أفغانستان وروسيا السوفييتية في شباط 1921 قد أثار حفيظة الإمبريالية الأميركية التي عارضت بقوة النظام الجديد في كابول المؤيد للثورة، لهذا وبتعمد حرّضت الإمبريالية الأميركية تحالف الرجعية الأكثر بربرية ضدّ الثورة الأفغانية ومدته بالمال والعتاد في تلك الحقبة، صرفت خلالها الإمبريالية الأميركية بلايين الدولارات وزوّدت مساعدة عسكرية كبيرة لإسقاط نظام كابول وتصفية أغلب الإصلاحات التقدمّية، ليترك باب الصراع مفتوحا لموجة جديدة من الأصولية الرجعية الأكثر تطرفا بدعم نشيط من وكالة المخابرات المركزية الأميركية، أوصلت البلاد إلى مرحلة عانت ولا تزال من الجفاف والجوع بعد أن مزقتها الحرب، لتزيد العقوبات الأميركية المفروضة من حدة التعاسة، ولتضيف الظروف المتدهورة بعدا مأساويا على الوضع بسبب استمرار حرب بربرية تتنافس فيها قوى أجنبية للسيطرة على آسيا الوسطى وثرواتها النفطية الواسعة، لعبت الإمبريالية الأميركية دورا رئيسيا فيها أعادت أفغانستان إلى مستوى العصور المظلمة وحطّمت حضارتها.‏‏

وظلت الولايات المتحدة تتحين الفرصة التي تشن فيها الهجمة على أفغانستان، إلى أن جاءت هجمات أيلول التي استهدفت نيويورك وواشنطن في 2001، فتوجهت أنظار العالم منذ الساعات الأولى للهجمات إلى أفغانستان وحركة طالبان الحاكمة هناك وأسامة بن لادن الذي تؤويه الحركة والمطلوب أميركيا، فقد سارع مسؤولون أمريكيون إلى توجيه أصابع الاتهام إلى بن لادن وطالبان في المسؤولية عن تلك الهجمات، وكأن الاتهامات قد أعدت سلفا.‏‏

لكن السحر انقلب على الساحر، حيث أحرق الأميركان أصابعهم بشكل سيئ وهذا ما صورته لنا الأحداث في نيويورك وواشنطن وما بعدها، بشأن صعوبة تحقيق القوات الأمريكية ربح الحرب في أفغانستان، ورغم التكثيف الأمريكي الظاهر للقوة العسكرية فيها تلوح في الأفق ملامح لحظة الأفول التي توشك أن تسدل أستارها على ساحة الغزو الإمبريالي الأمريكي في أفغانستان، ويوشك التاريخ أن يطوي صفحة مجلّلة بالخزي والعار على ثالث إمبراطورية عظمى استهانت بالشعب الأفغاني وقامت باحتلاله منذ تسع سنوات، في وقت بلغ منه الضعف والتمزق مداه، بعد حروب طويلة استنزفت قواه، تبعتها حرب أهلية تعيسة طرحته أرضا فاقد الوعي يلعق جراحه.. ومع ذلك يعود الشعب الأفغاني المجهد البسيط للمرة الثالثة ليحطم أسطورة الإمبراطورية الأميركية في عز قوتها وجبروتها .‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية