تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مفاتيح عوالمنا

معاً على الطريق
الخميس 11-10-2012
لينا كيلاني

ذاكرتنا كما هي جزء مهم من قدرات دماغنا فهي أيضاً مخزن أسرارنا.. سلوكنا ومشاعرنا وتفاصيل حياتنا وكل ما يتعلق بنا كبشر فوق هذه الأرض، إنها المستودع الذي نخزن به كل مفرداتنا،

وهي من الثراء والاتساع بحيث تستوعب كل ما لدينا، وفوق ذلك فهي تنظمه في أماكن مخصصة لكل ما نضعه بها، يا لروعتها وهي تقسم نفسها إلى ذواكر: ذاكرة الشم، وأخرى للمس، وثالثة للبصر ورابعة للذوق وخامسة للسمع، أي باختصار للحواس جميعاً ،إلا أن مساحات أخرى هي أيضاً في الذاكرة حاضرة للشعور والمشاعر والتعلم والنطق كما للصور والوجوه والأرقام والألفاظ والخيال عموماً بكل أشكاله المبدع منه وغير المبدع وغيرها وغيرها..‏

ليس هذا فحسب بل إن لدينا أيضاً كجنس بشري مستودعنا الكبير الذي يحوي كل تاريخنا وكل ما عرفناه وسنعرفه ألا وهو مستودع الذاكرة الجمعية التي نتناقلها عبر أجيال المجتمعات البشرية.‏

ونحن إذ نقف مذهولين أمام عقل الإنسان وما يحتويه من قدرات وأسرار نكاد ننظر إلى أكثر الآلات تطوراً وتفوقاً بعين الازدراء، فما هو بحوزة كل منا أكثر براعة وتفوقاً والدليل أننا نحن من نصنع تلك الآلات.‏

والذاكرة هي التي تسعفنا في كل ما يتعلق بمفردات حياتنا بدءاً من تذكر أسمائنا ومن نحن وانتهاء أو ليس انتهاء بآخر فعل قمنا به، إلا أنه لسوء حظنا أو لحسنه تختلف الذاكرة بين الناس في حدتها وحضورها في قوتها أو ضعفها سليمة صحيحة أو مريضة.‏

إلا أن النسيان هو نعمة بحد ذاته فتذكر كل الأشياء بشكل حار وكثيف قد يكون مرعباً لأن هناك مناطق من الذاكرة تحفظ لنا ذكرياتنا المؤلمة والمحزنة بينما لا نريد أن نتذكرها حتى لا نستحضر بالتالي مشاعر عشناها وإنما نريد أن نتجاوزها، كي نستمر في الحياة بشكل سوي وطبيعي فنقول إن النسيان نعمة لنا تهدأ معها نفوسنا وتطمئن.‏

وما يثير الاهتمام أن يكون للحواس دور في تنبيه الذاكرة إذا ما اشتركت معها كتذكر شيء رأيناه، أو سمعناه، أو حتى لمسناه أوغير ذلك، فكل هذا يساعد على استعادة ما مضى، وفتح باب الذاكرة عليه خاصة إذا ما تم الربط بين الأشياء... بين ما عرفناه وما نتعرف إليه.‏

وإذا ما عرفنا أن العقل كلما استخدم في عمليات التفكير والتذكر شحذ، وازدادت إمكاناته لأدركنا أهمية المرونة الذهنية عند المبدعين لأنها تمدهم بالقدرة على الإبداع والابتكار، ولأدركنا أيضاً أهمية هذه المرونة في الانتقال من مهمة ذهنية إلى أخرى، أو القيام بأكثر من واحدة بآن معاً.‏

وإذا كانت الذاكرة تخبو مع الأيام وتضعف عموماً فمن الطريف أن نعرف أن هناك من يتمتع بذاكرة خارقة لا تخبو ولا تضعف مهما مر عليها من الأيام بل تظل ماثلة في عقول أصحابها بأدق التفاصيل وإن كانت يومية، لكن هؤلاء هم نادرون إلى درجة لا يتجاوز عددهم ثلاثة فقط في العالم كله، وهم مصابون بما بات يعرف بمتلازمة فرط نشاط الذاكرة.‏

هذه المتلازمة التي تجعل المصاب يتذكر كل ما مر به في حياته لحظة بلحظة مستحضراً إياها بالأسماء، والأرقام والصور، والأماكن وبكل التفاصيل حتى الدقيقة منها، أي باختصار فإن كل ما تدخله الحواس يخزنه العقل في مستودع الذاكرة، وهو يتعلم كل ما يريده بسرعة مذهلة، وهذا طبيعي في حالته لأن الذاكرة الخارقة والمتفوقة لديه تسعفه في ذلك.‏

وإذ نندهش من تلك الحالة نتساءل: هل أصحابها أكثر سعادة منا لأنهم لا يعرفون النسيان أم إنه العكس؟ وبينما نحتار بإجابة عن هذا السؤال ونحن نستعرض حالات الذاكرة المتفوقة نرصد أيضاً أولئك المسلمين الأوائل من الصحابة من حفظة الوحي وقد استمعوا إلى آيات الله فحفظوها في صدورهم، وكان بعد ذلك تدوينها... فهل ذواكرنا هي فعلاً مفاتيح عوالمنا؟‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية