|
الافتتــاحية بعد أن تكرر أكثر من مرة، وبالرتم ذاته، بل في بعض الأحيان، يعلو الصراخ قبل أن تنطلق الاستغاثات كتمهيد للفشل سلفاً. غير أن ذلك الصراخ الذي نسمعه اليوم، من قبل حكومة العدالة والتنمية يبدو مختلفاً في بعض جوانبه ويعكس نيات واضحة في اللعب بالنار وعلى المكشوف، فيحاول أن يثير غباراً وزوابع وأن يفتعل معارك ويفتح جبهات الصراع في الداخل التركي وجرها إلى معاركه وجبهاته المفتوحة التي يديرها في الخارج لحساب أجندات أتضح مدى تعارضها مع المصالح التركية.!! فقد أدرك الأتراك بعد أشهر من التجربة، أن النَفَس الضيق وقصر النظر اللذين يسيطران على أردوغان، والنزاقة السياسية في التعامل مع خصومه في الداخل التركي، لايمكن لها أن تبني رؤية سياسية واضحة، وأن إصرار حكومة العدالة والتنمية على التفرد بالقرار والارتباطات الخارجية يهدد بجر تركيا إلى مأزق لن يقتصر على الاضمحلال في دورها الإقليمي الذي يواجه مأزقاً واضحاً، بعد أن وجد فيه الاتراك منفذاً لعلاقات ومصالح اقتصادية من غير المسموح التفريط بها، خصوصاً حين تكون ضحية مطامح شخصية وأوهام زعامة كاذبة ومفتعلة!. السلوك التركي وصراخه المستميت وحالات الهستيريا المواكبة لمواقف اردوغان وتصريحاته المترافقة بهلوسات وزير خارجيته، باتت مصدر إزعاج حتى لمشغليه الغربيين الذين يحاولون النأي بأنفسهم بعيداً عن مغامراته، فيما حلفاؤه الخليجيون يواجهون مآزق التردد الناتج عن الانكماش الغربي في تغطية دعمهم للمسلحين. لذلك، فإن الصوت التركي المرتفع اليوم لم يعد مجرد صدى لاستغاثات الإرهابيين، بل ينطوي أيضاً على أصوات استغاثة اردوغانية لاتخطئها عين المراقب، وهو يجد حكومته وحيدة في مواجهة عاصفة من الانتقادات الداخلية والخارجية، وفي جبهات صراع تقودها منفردة، بعد أن تخلى عنها الحلفاء وابتعد عنها المشغلون والمستخدمون. ماهو واضح، أن الاستخدام الغربي والاميركي لحكومة العدالة والتنمية، كأداة مفصلية في مشروع إعادة ترتيب المنطقة، وصل إلى نهاياته، وتحول هذا الاستخدام في بعض جوانبه إلى عبء سياسي الأخطر فيه أنه بذيول عسكرية تثير مخاوف واضحة تجاوزت حدود المنطقة. والأوضح أن تكلفة التغطية الغربية لأي حرب جديدة في المنطقة سياسياً وعسكرياً تفوق قدرات أوروبا الغارقة في أزمة اليورو، فيما واشنطن لاتبدو مستعدة من الناحية السياسية على الأقل، في الوقت الحالي، لتحمل تبعاتها والأعباء التي ستترتب عليها. والمسألة الملحة أن لجم الغرب لاندفاع اردوغان وتهوره لايكفي عملياً لوقف مسلسل حماقاته وقد لا يمنع بوضعه الحالي، دون انزلاق الأمور خارج السيطرة.. ومثلما باتت الحاجة ملحة للحجر السياسي عليه من قبل الداخل التركي.. هي بالمقدار ذاته وربما أشد الحاحاً على المستوى الخارجي، لأن اللعب بالنار ليس وجهة نظر.. ولاهي تجربة خيارات.. انها إشعال للنار في المنطقة، لن تكتفي بحرق أصابع من يشعلها، بل شرارتها ستطول من تغافل عن ردعه، وتجاهل خطورة مايقدم عليه، وسكت عن حماقاته، وتواطأ معه وعبره. وحين تشتعل النيران، لن يكون بمقدور أحد اطفاؤها.. لا بالتخلي عن التحالف معه، ولا بالنأي عن حماقاته وتهوراته!!. وما حذر منه رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يكشف جزءاًً من مخاطر ما يترتب على السلوك التركي الوقح الذي لم يعد خافياً على أحد. |
|