|
إضاءات فمن مدينة أتلانتيك سيتي الأميركية التي اضطرتني للنزول في مطار فيلادلفيا والوصول إليها بواسطة السيارة التي استغرقت ساعة ونصف من الوقت، وبعدها إلى نيويورك بالسيارة أيضا وعلى مدى ساعتين من الزمن لمدة ثلاثة أيام، عدت بعدها إلى مدينة فيلانوفا وجامعتها الشهيرة التي دخلتها من أجل زيارة نائب الرئيس الأب الدكتور كويل إليس وهو من أصل لبناني ومن منطقة كسروان، وبعدها إلى مدينة آن آربور حيث جامعتها الشهيرة أيضا، توسعت المواعيد لهذا كان انتقالي من منطقة إلى أخرى بالسيارة أحيانا وبالقطار أحيانا أخرى وبالطيران الداخلي أيضا، مما جعلني أراقب المحطات والشوارع والجدران ولوحات الإعلانات بحشرية المراقب والمستفسر والمتعجب من خلو هذه الأماكن من مستلزمات الدعاية الانتخابية التي تضم صور المرشحين ويافطات الأحزاب وشعاراتهم الرنانة وغيرها من وسائل الدعاية التي تستوجب أيضا تلطيخ الجدران بكتابات استفزازية. كانت نظراتي تتابع مشهديات الدروب حيث الأشجار تنعم بهدوء الربيع ونسيمه العليل، والجدران والأسوار مطمئنة لنظافتها وخلوها مما يشوه ألوانها،إضافة إلى أسراب العصافير المترنحة بدلال فوق أعمدة الكهرباء والأشجار مؤانسة إنسانية الإنسان الأميركي الذي لا يقتلها بخرطوشة صيد من أجل وليمة يتشاطر في تقديمها لمن يحب كما يقتل الإنسان في بلادنا دون شفقة أو رحمة ظنا من أسيادهم أن شعوبنا تستحق القتل والذبح وتدمير الأوطان وتهديم الفرح والحضارات التي بناها الأجداد بصلابة الإيمان بوطن يستحق التضحيات والصمود في وجه الغزاة. ومن مشاهداتي أيضا، منظر الطلاب في حرم الجامعتين «آن آربور/في ولاية ميتشيغان، وفيلانوفا في ولاية فيلادلفيا»، الخاليتين تماما من أي مظهر من مظاهر الحركات الطلابية المؤيدة لهذا الحزب أو ذاك، لهذا ظننت أن المعركة انتهت، وأن كل شيء قد أزيل بسرعة، إلى أن قمت بالمتابعة عبر التلفاز، إذ بالمرشح دونالد ترامب يخطب في مناصريه بولاية نيويورك، يشيد اولا بأعماله الاقتصادية والمالية ونجاحه المعروف جدا لدى الجميع، حيث انه من رجالات الاقتصاد الأوائل في أميركا، بعد أن يعرج على كيل الاتهامات لمنافسته مرشحة الحزب الديموقراطي هيلاري كلينتون، فيحملها مسؤولية وفاة الديبلوماسي الأميركي في ليبيا، كما موافقتها على اجتياح العراق،إضافة إلى انتقاده للسعودية التي ترعاها الولايات المتحدة الأميركية والتي عليها مستقبلا أن تدفع ثمن هذه الرعاية التي مكنتها وما زالت تمكنها من استتباب وضعها الآمن المستقر، إلى ما هنالك من اتهامات يعرفها المتابعون والملمون بالسياسة الأميركية البرغماتية،التي تضع مصالحها العامة ومصالح شعبها فوق كل الاعتبارات الإنسانية والدولية والقانونية. كما ترامب المرشح الجمهوري، كذلك المرشحة الديموقراطية الأولى هيلاري كلينتون، التي تتهم منافسها الجمهوري بأنه عديم الخبرة في المجال السياسي، خصوصا السياسة الخارجية، وبأنه رجل العقارات والمنتجعات السياحية وملكات الجمال فقط، وبأن رجلا كهذا لا يمكن له أن يقود الولايات المتحدة الأميركية سوى إلى الحضيض.. أما المرشحون الآخرون من الحزبين، فلا حظوظ لديهم بالوصول إلى الانتخابات الأساسية التي ستتم فيما بعد بين مرشحين أثنين فقط، أحدهما يمثل الحزب الجمهوري والآخر يمثل الحزب الديموقراطي، يعني دونالد ترامب وهيلاري كلينتون الحائزين على أعلى نسبة من الأصوات. هنا لا بد من القول إن هذه هي أميركا المتسلطة على هذا العالم، المبتلي بغطرستها وغطرسة مرشحيها للرئاسة ورجالاتها الممسكين قراراتها الهمايونية، وكل من هم في دوائر السلطة القائمة على استعباد الشعوب وسلبهم حرياتهم وثرواتهم بقوة السلاح تارة وبتجنيد العملاء تارة أخرى..وبأحادية القطبية العالمية التي أنتجها تدهور الاتحاد السوفياتي فيما مضى، وتقهقر الحركات الوطنية في دول العالم الثالث ومنها المنطقة العربية من خليجها للمحيط. هذه هي أميركا العدالة والإنماء والتطور وحسن المعاملة في الداخل، وفي الخارج المستبدة التي لا تتوانى عن استعباد الشعوب وقمع حرياتهم واحتلال البلاد واختراق السيادة الوطنية المصونة بقوانين منظمة الأمم المتحدة، التي تمسك قراراتها هذه الدولة الأميركية التي لا يهمها سوى وضع المظلة الآمنة على شعبها في الداخل، حتى لو ماتت وذبحت شعوب الأرض قاطبة. نعم هي أميركا البلد الجديد، التي استطاعت في أقل من مائتي عام من أن تكون سيدة الكون بلا منازع، تفرض عقوباتها ساعة تشاء، وترفعها عمن تشاء، وترمي الحرم على من يعصي الأمر، وتهدد الحكام ببقائهم أو خلعهم أو إعدامهم أو قتلهم أو هروبهم كما فعلت بشاه إيران وصدام حسين ومعمر القذافي وحسني مبارك وزين العابدين بن علي وغيرهم من الحكام الذين ما زالوا تحت السيطرة الاستبدادية التي تمارسها أميركا تحت شعارات الديموقراطية والحرية، وهي منها براء. ترى ألا يعلم حكام العرب الذين يديرون عقولهم وبقية ضمائرهم خلفها، أنهم في قواميس السلطة الأميركية هم شخصيات هزلية وكلامهم حبر على ورق فقط لا غير، وأنهم في التصنيف الأميركي خائنون لشعوبهم وقيمهم وأوطانهم، وهذا يقلل احترامهم في نظرهم، لهذا تضعهم أميركا على لوائح الشطب، لساعة قد تأتي على حين غفلة من أمرهم، لأنهم الواثقون من الرعاية الأميركية وحمايتها اللوجستية، دون أدنى استبصار بما تخبئه لهم دوائر القرار الأميركي من مفاجآت، حين تطفو مصالحها فوق كل اعتبار لحليف أو صديق أو عميل!! والدليل الأكبر ما حصل بينهم وبين إيران حاليا بشأن الاتفاق النووي، وما يحصل اليوم من مباحثات حول الحل السياسي في سورية التي لم تركع، لأن ميدانها اتخم ببطولات جيشها وصمود قيادتها وشعبها وحلفائها الخلص الأوفياء، ولقناعة تامة بات يدركها الأميركي بأن الصمود في الميدان هو الكلمة الفصل. لهذا كله تتأرجح السياسة الأميركية الخارجية بين حالات المد والجزر، وهنا الميدان هو الحكم وهو من يسجل الانتصارات في المرمى الأميركي، واكبر دليل ما حصدته السلطة الأميركية من خسائر معنوية من جراء تنظيم حربها الكونية على سورية، ورهانها الخاطئ على سقوط سورية ورئيسها خلال أشهر معدودة، ودعمها العصابات الإرهابية في سورية والعراق وليبيا، التي ظنت أن بإمكانها لجم تحركاتهم ساعة تشاء، لكن النتيجة أتت عكسية ومذهلة بل مؤلمة، وهذا ما يزعج المواطن الأميركي والعديد من المحللين السياسيين إضافة إلى أساتذة الجامعات وغيرهم من الكوادر التي لها باع عميق في التأثير في حركة السياسة الخارجية الأميركية، لدرجة أن مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب قالها بالفم الملآن خلال هجومه على السعودية يقولون أنهم: يحاربون الإرهاب ويتهمون بشار الأسد بأنه إرهابي وهم من مول الإرهاب ودعمه.. لهذا أقول: هم الإرهابيون. هذه هي أميركا من الداخل، أمن وسلام يحظى به كل من يسكن على أراضيها، وحروب وافتراءات خارج حدودها، وحين السؤال لماذا؟ يأتي الجواب: من اجل رعاية المواطن الأميركي في أمنه ومدار حياته كلها. ترى هل سيفكر حكام الثروات النفطية بأمن ومدار حياة شعوبهم وقضايانا العربية ومنها قضية فلسطين؟ أم سيبقون في دائرة الأنانية المطلقة التي تحد الوجود بعبارة: أنا ولا أحد؟! ظني أن هذا الأمر لن يستمر طويلا في ظل الانفتاح التكنولوجي ووسائل التواصل الالكتروني وتقريب المسافات والقارات، والصمود في الميدان، حين الدفاع عن الوطن هدف أسمى ومجد مكتوب في الكتب الموروثة، ومن يتجاهل هذا الأمر هم المتخلفون القانعون بالرعاية الأميركية المتزلفة، التي ستخضع عما قريب للكلمة الفصل التي تسجل في الميدان السوري انتصارات متواصلة مؤمنة بسورية الواحدة الموحدة في ظل قيادة شجاعة بل حكيمة لم تسلم سورية إلى أعدائها على طبق من خنوع وعار وانهزام. |
|