|
دراسات ولاسيما بين وكالة المخابرات المركزية الأميركية والبيت الأبيض بسبب التقرير الذي قدمته وكالة المخابرات المركزية بشأن تحليلها لمجريات الحرب في القوقاز, حيث اتهم التقرير البيت الأبيض الأميركي بتبنيه سياسة خارجية فاشلة إزاء روسيا, كما حمل التقرير المذكور وزارة الخارجية الأميركية ومجلس الأمن القومي الأميركي أيضاً مسؤولية ما حدث في جورجيا وطالب تقرير وكالة المخابرات الأميركية البيت الأبيض بضرورة صياغة سياسة خارجية أميركية إزاء روسيا تقوم على أساس اعتبارات أولوية لحماية المصالح الأميركية في القوقاز وآسيا الوسطى وشرق أوروبا ودول البلقان والبلطيق وضرورة إعطاء الأولوية للوسائل العسكرية الأمنية لتحقيق ذلك بدلاً عن الوسائل السياسية والدبلوماسية. لقد جاء الإدراك الأميركي بشأن قوة الموقف الروسي حيال جورجيا منقسماً إلى أكثر من فئة ومنذ اندلاع الحرب في جورجيا حيث تقول بعض أوساط القرار في إدارة الرئيس بوش أن ما حدث في جورجيا هو بالأساس عملية سرية أميركية تم تخطيطها وتنفيذها عن طريق الإيعاز للرئيس الجورجي ساكاشفيلي ليقوم بدور المعتدي لجهة شنه الهجوم ضد أوسيتيا الجنوبية ومن ثم يقوم بدور الضحية أمام القوات الروسية التي ستبادر بالطبع للتحرك لحسم الموقف حسب التقديرات الأميركية وعندها تكون القوات الروسية في وضع المدانة فيه عالمياً كي يتم تصويرها على أنها المعتدية ويجب بالتالي على المجتمع الدولي معاقبة موسكو على تصرفها الطائش , كما أن هناك فئة ثانية في أوساط القرار الأميركي تقول إن ما قامت به روسيا في جورجيا يمثل الرد الروسي العادل على قيام جورجيا بانتهاكها الاتفاقيات السابقة المتعلقة بوضع اقليم أوسيتيا الجنوبية. في حين اكتفت أوساط أميركية داخل مؤسسات صنع القرار بمتابعة التطورات الميدانية الجارية والاهتمامات حسب تطور العمليات بحسابات الربح والخسارة المترتبة على الوضع الجديد في جورجيا, لكن أكثرية الأوساط الأميركية اعتبرت أن ما قامت به موسكو يمثل في حقيقة الأمر تمرداً وعصياناً مسلحاً روسياً على المخططات والمشاريع الأميركية في شرق أوروبا عموماً وفي منطقة القوقاز بشكل خاص, وهؤلاء يميلون إلى أن مشروع الهيمنة الأميركية في تلك المناطق قد أصبح أمراً واقعاً وبأنه يتوجب على الإدارة الأميركية سواء الحالية أم القادمة التصدي الحاسم لأي محاولة تعرقل هذا المشروع, وهذا بالطبع ما يقود إلى وجوب اتخاذ مواقف أميركية أكثر تشدداً لمواجهة التمرد الروسي على تلك المشاريع , وذلك لسببين حسب تقديرات الفريق الأميركي المتشدد حيال موسكو, الأول إدراك الإدارة الأميركية استحالة استخدام الوسائل العسكرية لمجابهة روسيا, والثاني إدراك الإدارة الأميركية أومشروع الهيمنة التي تنفذه في معظم أنحاء العالم يواجه انكسارات مؤلمة, وهذا يستدعي بالدرجة الأولى عدم الوقوف مكتوفي الأيدي بانتظار المزيد من تلك الانكسارات ولهذا نستطيع القول إن مخاطر المواجهة مع روسيا تفوت الفرص التي يمكن الحصول عليها في الاتفاق معها والتفهم لمطالبها , لكن ما بين تلك الاختلافات في التحاليل في الجانب الأميركي يبدو أن اللعبة الجديدة على خط موسكو وواشنطن قد أدت إلى اقتناع أميركي وحتى أوروبي بأنه على واشنطن إدارة الأزمة الجورجية ليس على صعيد المواجهة الخاسرة مع موسكو بل على صعيد استغلال أزمة جورجيا من أجل إحراز المزيد من التقدم الأميركي في تنفيذ شبكة الدفاع الصاروخي في شرق أوروبا. وكذلك الضغط في نفس الوقت على موسكو كي تنسحب من جورجيا بشكل كامل وفي حال حدوث هاتين النتيجتين تكون بالتالي واشنطن قد حصلت على المزيد من النقاط في وجه روسيا التي ستكون بدورها لم تحصل على شيء على أرض الواقع وفي حال انسحاب موسكو واعترافها بالاقاليم الجورجية تكون واشنطن قد عززت حلفاءها في جورجيا وأوكرانيا ومولدافيا من جديد وتكون بالتالي واشنطن قد عززت مواقعها في تهديد الممرات النفطية الاستراتيجية في المنطقة وهذا بالطبع ما ترمي وتخطط إليه لحرمان الروس من أي موقع استراتيجي في تلك المنطقة, لكن لجوء أميركا إلى خيار الاعتراف الدولي بأقليم كوسوفو والأقاليم الجورجية سيؤدي في حقيقة الأمر إلى خسارتها لحليفها الجورجي وبالتالي سحب الاعتراف باستغلال كوسوفو سيؤدي إلى تعزيز موقف روسيا في مناطق البلقان والقوقاز والبلطيق لأن حكومات هذه البلدان سوف تفهم أن الاعتماد على أميركا كحليف لن يجدي نفعاً طالما أن موسكو تملك حق الفيتو في كسر الإرادة الأميركية. لقد أيقنت واشنطن والغرب عموماً أن روسيا المستيقظة بقوة هذه المرة قد تصرفت بمثل هذه السرعة الفائقة ما لم يكن في حسبانه على الساحة الأوروبية وهو بالتأكيد تصرف قد يتكرر حسب ما أجمعت عليه الصحافة الغربية عندما تواجه روسيا أمراً مماثلاً ولهذا نرى أن الصحافة الأوروبية بشكل عام منقسمة حيال طبيعة الرد الغربي ,حيال تلك الأحداث وهو انقسام يشبه حقيقة الانقسام الذي حدث مع بدء غزو العراق فأغلبية تلك الصحافة كانت مع القول إن روسيا زادت من سرعة حسمها للموقف أن تؤكد للغرب بأنها لن تقبل بسياسة أحادية للعالم وهي تريد بل وتستطيع أن تكون الشريكة الأساسية في صنع سياساته . كما أفرزت أحداث جورجيا مطالبة أوروبية جديدة أيضاً مفادها أن يكون لأوروبا دور وسطي بين الولايات المتحدة من جهة وآسيا عموماً من جهة أخرى أي بمعنى أن تنهي أوروبا دورها المقزم حالياً بفعل السيطرة والضغط الأميركي عليها منذ عقود وأنه آن الأوان لأوروبا كي تتخلى عن تلك السيطرة وتتجرد منها لأن ذلك إن طال الأمر على هذه الحال فإن أوروبا ستخسر المزيد من مكانتها وموقعها كقوة اقتصادية وسياسية وعسكرية هامة على المستوى العالمي, كما ينبغي النظر إلى روسيا على أنها جزء من أوروبا وليس خارجها وهي بهذا الدور أي روسيا عندما تكون جزءاً من أوروبا ستقوم بدورها بما يعزز المطالبة الأوروبية في الاستقلال عن السيطرة الأميركية , ولهذا فأوروبا هي بحاجة للدور الروسي إلى أبعد الحدود بحكم موقعها الجغرافي المتميز ما يتيح لأوروبا إقامة صلة وصل مع آسيا التي تجد فيها وفي أسواقها ما يؤمن المصالح الأوروبية الاستراتيجية. |
|