تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


اهتزاز النظام العالمي الجديد

دراسات
الاثنين 22/9/2008
د.صياح عزام

بعد سقوط الاتحاد السوفييتي بدت الهيمنة الأميركية على العالم واضحة في ضوء التراجع الروسي, وصمت الصين التي انصرفت إلى بناء نفسها

دون أن تثير أي عاصفة في وجه أي دولة كانت, في حين كانت أوروبا في مراحل سيرها الأولى باتجاه فرض نفسها كقوةٍ عظمى فاعلة بالرغم من ميلها في العديد من المواقف للولايات المتحدة, ولكن هذا النظام العالمي الجديد الذي سيطرت عليه الولايات المتحدة وانفردت بقيادته أصبح الحديث عنه مجرّد سراب أو خرافة نتيجة سلسلة من القرارات الخاطئة التي اتخذتها إدارة /بوش/. وتسارعت الأحداث والتطورات وتزايدت الضغوط والمشكلات والأزمات في العالم, وبدأت مع ذلك كله هيبةُ القوة الأحادية التي تتحكم بهذا النظام تتداعى وتضيع.‏

إنّ اهتزاز النظام العالمي الجديد بدأ بعد أحداث الحادي عشر من أيلول عام /2001/ والتي تجسدت بالهجوم على نيويورك وواشنطن, حيث تم اختراق الأفق الاستراتيجي الأميركي, وكان الأمر بمثابة الزلزال الذي غيّر وجه العالم, وأحدث متغيرات كبرى في مفاصله وحياة شعوبه وأوضاعه العامة... ثم جاء بعده ما حصل في أفغانستان ومن ثم في العراق,وظن العالم للوهلة الأولى أن النظام العالمي الجديد قد كرّس وجوده عبر نجاح المحافظين الجدد في الولايات المتحدة في فرض الهيمنة على العالم والسيطرة على منابع النفط وطرق تسويقه, وتأكيد القدرة على شنّ حربين في وقت واحد, وفي تجاهل الأمم المتحدة ودول العالم أجمع.‏

ولكنّ الذي تبين أنّ الولايات المتحدة لم تجْنِ من وراء ذلك سوى الفشل بسبب تلك القرارات الخاطئة المتوالية, وسوء التقدير والحساب من قبل /بوش/ وإدارته التي يسيطر عليها المحافظون بشأن مختلف الأمور, ولاسيما فيما يتعلق بالعراق, حيث ظنّ الأميركيون أنّ احتلالهم للعراق سيكون سهلاً, وبمثابة نزهة كما صوّر لهم ذلك بعض عملائهم, وأن أمر العراق سينتهي خلال أيام بعد إزاحة نظام حكم صدام حسين. في الوقت نفسه, فإن روسيا حاولت أن تنصح الأميركيين بعدم التورط في الحرب على العراق إلا أنهم لم يقبلوا النصيحة, بل اعتبروها مُغرضة, ولهذا تركتهم يغوصون في وحول المستنقع العراقي حتى الآن.‏

ولم يقتصر الأمر على العراق وأفغانستان, بل تعدّاه إلى المنطقة بأسرها, ووصل الأمر بالإدارة الأميركية إلى تحدّي روسيا في عقر دارها /في جورجيا وأوكرانيا/ وفي جمهوريتي /التشيك وبولندا/ من خلال مشروع الدرع الصاروخي الذي تمّ التوقيع على اتفاقاته مؤخراً على رغم المعارضة العنيفة لروسيا وتهديدها بردٍّ غير دبلوماسيّ أي عسكري على هذه الخطوة.‏

بعد ذلك, اعترفت الولايات المتحدة ودول أوروبا باستقلال /كوسوفو/ واعتبارها دولة مستقلة, ولم تأخذ التهديدات الروسية بعين الاعتبار, ولا على محمل الجدّ عندما لوّحت روسيا بإمكانية دعمها لانفصال واستقلال دول أخرى حليفة للغرب مثل /أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا/ وغيرهما, وبمعنى آخر, لم تحترم واشنطن المشاعر القومية الروسية, ولم تراعِ مصالح وأمن روسيا القومي, بل عملت باتجاه محاصرة روسيا أيضاً من خلال توسيع الحلف الأطلسي, وضمّ دول كانت خاضعة للاتحاد السوفييتي السابق إلى الاتحاد الأوروبي, أو إلى المحور الغربي.‏

لقد ظنّت الولايات المتحدة وبعض الدول الحليفة لها أنّ روسيا ضعيفة, وأنها ستبقى كذلك دون أن تتعافى وتستعيد قدرتها وبناء قوتها الاقتصادية والعسكرية, ولهذا فوجئت بالردّ الروسي الحازم والحاسم على استفزازات جورجيا لها, إضافةً إلى اتخاذ إجراءات أخرى في أماكن متعددة في العالم ردّاً على الدعم الأميركي لجورجيا.ولكن ماذا كانت النتائج?‏

لقد تحوّل النظام العالمي من /نظام عالمي جديد/ إلى /فوضى عالمية جديدة/, تتهدد العالم بمخاطر جسيمة تنعكس تداعياتها على العالم أجمع وخاصة الدول الصغيرة منها.‏

والسؤال الهام هو: أين العرب من كلّ ذلك?!‏

إن المطلوب من العرب في ضوء ذلك أن يسارعوا إلى إعادة ترتيب البيت العربي, ونبذ الخلافات, ومنع استغلال الأعداء لهذه الخلافات في تكريس التباعد العربي القائم, ذلك أنّ الفوضى العالمية الجديدة التي جئنا على ذكرها تعنيهم وتستهدفهم بالدرجة الأولى, ولهذا يجب ألا يستمروا في موقف المتفرّج, بل أن يعملوا على إحياء التضامن العربي وترسيخه, لأن هذا التضامن هو السبيل الوحيد لدرء الأخطار عنهم, ولاسيما أنّ إسرائيل تسعى -وبدعم أميركي- إلى تكريس احتلالها للأراضي العربية وتصفية حقوق العرب المشروعة والهيمنة على سياسة واقتصاد المنطقة بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية