تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


محطة تربية الأبقار بدرعا.. خسائرها بالملايين لأكثر من ثلاثين عاماً واللغز يكمن بالأعلاف

تحقيقات
الاثنين 22/9/2008
تحقيق: سلامة دحدل

من الدهشة والغرابة بمكان, أن تتحرك منشأة اقتصادية في بلدنا تواجه المشكلات والصعوبات الكبيرة, وتتعرض للخسائر المادية المتلاحقة لأكثر من ثلاثين عاماً دون أن تجد من يقف إلى جانبها,

ويساعدها على مواجهة تلك المحن وتجاوزها وخاصة أن أسباب تلك المعوقات أصبحت موصوفة وليست عصية على الحل..!‏

ما نقوله ليس حكاية مأخوذة من عالم الخيال ولا مشهداً من فيلم سينمائي, بل حقيقة تعيشها محطة تربية الأبقار في مزيريب بمحافظة درعا.‏

وفي هذا الموضوع, سنتناول واقع العمل والإنتاج في تلك المنشأة الإنتاجية, ونقدم النقاط والعوامل التي تفسر لنا أسباب وقوعها في الخسائر المالية السنوية, وذلك من خلال المعلومات التي بين أيدينا والحوار الصريح الذي أجريناه مع مديرها المهندس منصور الخليل فإلى التفاصيل:‏

في البداية‏

وقبل الدخول في التفاصيل, لابد لنا من إعطاء فكرة سريعة عن تلك المنشأة منذ بداية عملها وحتى الآن ليتمكن القارىء من متابعتنا.‏

حيث أحدثت مبقرة درعا بموجب القرار الوزاري رقم 134/ت تاريخ 26/5/1970 وهي ترتبط مباشرة بالمؤسسة العامة للمباقر في القطر ومركزها الرئيس في مزيريب درعا وتختص بتربية وإكثار الأبقار, وتسمين العجول بهدف زيادة إنتاج الحليب واللحم بأرخص التكاليف.‏

بدأت عملها الفعلي عام 1969 بقطيع من الأبقار تعداده 400 رأس من الفريزيان ثم ارتفع عدد القطيع تدريجياً خلال السنوات اللاحقة إلى أن بلغ الآن 906 رؤوس منها 370 بقرة والباقي من البكاكير الصغيرة وعجول التسمين.‏

تتبع المحطة نظام التربية الطليق في حظائر نصف مغلقة ويعمل حالياً على مساحة تصل إلى نحو 1550 دونماً قابلة للاستثمار الزراعي نسبة المروي منها 15% فقط.‏

تراجع في إنتاج الحليب‏

لم تتمكن المبقرة في أغلب سنوات عملها من بلوغ الأرقام المخططة لإنتاج الحليب, ولنأخذ هذا العام مثالاً.‏

حيث بلغت كمية الحليب المنتجة في المبقرة منذ بداية العام وحتى نهاية شهر تموز الماضي 668.983 طناً في حين كان المخطط 1241 طناً.‏

أي بنسبة تنفيذ قدرها 26و79% وهذه الكمية تزيد عن الكمية المنتجة في الفترة ذاتها من عام 2007 بمقدار 100 طن تقريباً.‏

ويتبين لنا من خلال هذه الأرقام والنسب في إنتاج الحليب أن المنشأة لا تنفذ خططها السنوية في هذا المجال, الأمر الذي ينعكس على حجم الايرادات السنوية التي تحققها المبقرة.‏

إذ بلغت كمية الحليب المباعة فعلياً خلال الفترة المذكورة من هذا العام 411.910 أطنان بمبلغ اجمالي قدره 729.17 مليون ل.س.‏

وهذا المبلغ لا يغطي أكثر من 75% من تكاليف ونفقات الإنتاج.‏

وبرر المهندس منصور أسباب تدني إنتاج الحليب إلى عدة عوامل أبرزها رداءة نوعية العلف (جاهز وحلوب) المستخدم في تغذية القطيع والمستجر من المؤسسة العامة للأعلاف إلى جانب تعرض القطيع إلى موجات من البرد والصقيع خلال الشهر الأول من العام ما أدى إلى تراجع حاد في الإنتاج ويضاف إلى هذا وذاك نقص متوسط عدد الأبقار بمقدار 47 بقرة يومياً عما هو مخطط بسبب عدم اكتمال ولادات البكاكير.‏

واللحم‏

أما في مجال اللحم, فقد بلغ إنتاج المنشأة خلال الفترة المذكورة من العام الحالي 577.53 طناً من أصل المخطط له 775.62طناً.‏

أي بنسبة تنفيذ وصلت إلى 85% وقد تم بيع هذه الكمية بمبلغ 936.4 ملايين ل.س.‏

وبلا شك فإن هذه الأرقام تشير إلى تواضع إنتاجية اللحم ومردودها المادي في المبقرة.‏

فهي لا تشكل سوى الجزء اليسير من حجم النفقات المادية التي تتكبدها المنشأة في مجال إنتاج اللحم والحليب.‏

الولادات معدلات النفوق‏

ولا شك أن نجاح عمليات التلقيح والرعاية الصحية تساعد على زيادة عدد الولادات الحية, وارتفاع عدد القطيع الكلي وبالتالي تطور الإنتاج في الحليب واللحم.‏

ولو نظرنا إلى نسبة تنفيذ الولادات الحية خلال هذا العام لوجدناها متدنية وهي 72% فقط.‏

إذ إن المخطط خلال الشهور السبعة الأولى من هذا العام هو 267 ولادة والمنفذ على أرض الواقع لم يتجاوز 192 ولادة, ويعزو المدير العام للمبقرة النقص في الولادات الحية إلى التأخير في تلقيح البكاكير لافتاً إلى أنه سيتم تدارك هذا النقص قبل نهاية العام الحالي معتمداً في ذلك على وجود 96 بكيرة حاملة ستلد معظمها خلال هذا العام.‏

ولا يفوتنا ونحن نتحدث هنا عن الولادات والنفوق أن نشير إلى نقطة إيجابية حققتها المنشأة هذا العام تجاوز الحد المسموح به عالمياً في مجال الفقد الكلي في العجول الرضيعة ففي حين أن الحد المسموح به عالمياً يبلغ 16% فإن نسبة الفقد الكلي في العجول الرضيعة لم يتجاوز هذا العام 12%.‏

خسائر متلاحقة..?‏

وعندما حاولنا التعرف على ميزان الربح والخسارة للمنشأة فوجئنا بأنها خاسرة بامتياز, وغير اقتصادية على الاطلاق عبر أغلب السنوات التي مرت عليها منذ بداية عملها في عام 1969 وحتى الآن.‏

ففي الفترة المذكورة من هذا العام بلغت خسارة المبقرة 1.070 مليون ل.س. وهي الفارق بين تكاليف الإنتاج البالغة 25.494مليون ل.س والايرادات الاجمالية المقدرة ب24.424 مليون ل.س تقريباً.‏

وفي الواقع فإن خسارة المنشأة لم تقتصر على العام الحالي فقط, بل إنها تعرضت للخسائر في أغلب سنوات عملها الماضية.‏

ففي عام 2007 -على سبيل المثال- بلغت الخسارة المالية 4.602 ملايين ل.س, وفي عام 2006 بلغت 2.604 مليون ل.س, ووصلت عام 2005 إلى 3.887 ملايين ل.س وقفزت في عام 2004 إلى 8 ملايين ل.س‏

وتشير سجلات المنشأة إلى أن سنوات الخسارة تزيد على 30 عاماً منذ بداية عمل المنشأة وحتى الآن.‏

الأسباب..‏

وبعد أن استعرضنا ميزان الربح والخسارة مع المدير العام لمحطة تربية الأبقار أصر على طرح الأسباب التي تعصف بها وتوقعها بالخسائر المتلاحقة ونقوم الآن بعرضها كما جاءت على لسانه أملاً بإيجاد الحلول المناسبة والجذرية لها ولمشكلات المبقرة وواقعها الأليم.‏

حيث أفاد بأن العامل الأساسي الذي يقف وراء خسارة المنشأة هو ارتفاع تكاليف الإنتاج والتربية لقطيع المبقرة الناتج أصلاً عن الاعتماد على الأعلاف المركزة من الكسبة وجاهز حلوب وغيرها التي يتم شراؤها من مؤسسة الأعلاف والذرة من القطاع الخاص وذلك لتوفير حاجة القطيع الغذائية والتعويض عن نقص الأعلاف الخضراء بالمنشأة.‏

فعلى الرغم من أن المساحة الزراعية المستثمرة في المحطة تبلغ 1550 دونماً فإن المساحة المروية منها والمستخدمة في زراعة الأعلاف الخضراء لا تزيد على 15% أي بنحو 235 دونماً.‏

وقد بلغ إنتاجها خلال الفترة المذكورة من العام الحالي -على سبيل المثال- 1713 طناً من الاعلاف الخضراء.‏

وهذه الكمية لا تشكل أكثر من 25% فقط من حاجة القطيع من هذه المادة الضرورية من الناحية الصحية والغذائية.‏

وأشار مدير عام المنشأة إلى أن النقص في كمية الاعلاف الخضراء يعود إلى عدم توفر حاجة أراضي المحطة من مياه الري التي تقع عملية توفيرها على مديرية الموارد المائية بالمحافظة.‏

ويتابع مدير المحطة القول: أمام هذه المشكلة وهي نقص الاعلاف الخضراء, فإن الإدارة مضطرة سنوياً لدفع ملايين الليرات لتأمين الاعلاف المركزة المطلوبة.‏

حيث بلغت قيمة الأعلاف المشتراة خلال الشهور السبعة الأول من هذا العام حوالي 13 مليون ل.س.‏

وهذا المبلغ يشكل 64 .55% من مجمل النفقات التي تكبدتها المنشأة خلال الفترة المذكورة.‏

ومن الطبيعي أن يقود ذلك بالنتيجة إلى رفع سقف نفقات وتكاليف المنتج من الحليب واللحم ووقوع خسارات مؤكدة بالمحطة.‏

ومن العوامل الأخرى التي تساهم في إلحاق الخسارة المادية بالمحطة تدني أسعار مادة الحليب مقارنة بأسعاره في السوق المحلية. إذ تقوم المحطة بتصريف إنتاجها من الحليب إلى معمل الألبان بدمشق بسعر 21.5 ل.س لكل كغ واحد منذ مطلع حزيران الماضي على حين كان السعر في الفترة السابقة من العام الحالي 19,47 ل.س وأقل من ذلك بكثير في السنوات الماضية.‏

وإلى جانب هذه العوامل التي حولت محطة الأبقار بدرعا إلى منشأة خاسرة هناك أسباب أخرى تتعلق بارتفاع أثمان الكهرباء والمحروقات والأجور والرواتب والارتفاعات الطارئة على أسعار الأعلاف بمختلف أنواعها ويكفي أن نشير هنا إلى أن كتلة الرواتب والأجور شكلت وحدها 30.6% من إجمالي تكاليف الإنتاج منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية شهر تموز الماضي.‏

كما شكلت نفقات المستلزمات السلعية من أسمدة وأدوية نحو 12.5% من مجمل تكاليف الإنتاج للفترة ذاتها وباقي التكاليف هي خدمية ومصروفات تحويلية جارية.‏

وفي ضوء ما تقدم من معلومات وأرقام حول واقع منشأة الأبقار بدرعا.. نلاحظ أن الخسارات المالية التي تتعرض لها خارجة عن إرادة الإدارة وهي مشكلات مزمنة تقع سنوياً في ظل غياب معالجة الأسباب الرئيسة التي تنتجها وخاصة ما يتعلق منها بالأعلاف الخضراء ومياه الري وللإنصاف نقول هنا: إن العاملين بالمنشأة من فنيين وعاديين يبذلون قصارى جهدهم لتحسين واقع المنشأة ونقلها من الخسارة إلى الربح ولكن /ما باليد حيلة/‏

وأعتقد أن المسؤولية تقع على الجهات الوصائية بالدرجة الأولى في المؤسسة العامة للمباقر وفي وزارة الزراعة للمطالبة بإيجاد الحلول الناجعة والجذرية لمشكلات المبقرة ولمواجهة الصعوبات التي تعترض تطور العمل فيها.‏

ولعل في مقدمة تلك المعالجات المطلوبة حل مشكلة نقص مياه الري اللازمة لتوفير الأعلاف الخضراء ولابد كذلك من دعم العاملين بالمحطة وتحسين ظروفهم المعيشية ومنحهم تعويض طبيعة العمل وتوفير المعالجة المجانية لهم وتثبيت المؤقتين منهم البالغين 26 عاملاً وخاصة أن تربية الأبقار من المهن الشاقة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية