|
آراء لدى صغار السن, لم يكن أمامه من حل سوى الدخول في تجربة مباشرة من خلال مجموعة من الأسئلة تمكن من تحليل الإجابات عن هذه الأسئلة أن يحدد عمر السابعة باعتباره نقطة البدء في تكون الوعي الأخلاقي. وقد كان السؤال الأساسي الذي طرحه بياجيه على هؤلاء الأطفال هو: إذا التقيت برجل كسر زجاج إحدى الصيدليات ليسرق منها دواء ضروريا لعلاج زوجته من السرطان, علما بأن هذا الرجل فقير, ولم يستطع الحصول على هذا الدواء الضروري من أي مصدر آخر بصورة شرعية, فهل تنظر إلى هذا الرجل على أنه لص سارق? وكانت المفاجأة عندما تبين بياجيه أن كل الإجابات تقريبا قد برأت هذا الرجل من صفة اللصوصية والسرقة, بل إن كثيرا من إجاباتهم قد امتدحت سلوكه الذي يتسم بالوفاء والحب لزوجته المريض. ومن هذا الاختبار الذي قام به بياجيه يتضح أن الأطفال كانوا قادرين بفطرتهم السليمة على تمييز الخير من الشر, فلم يندفعوا إلى إدانة السارق نظرا لأنهم ميزوا أن فعل السرقة قد استند إلى بواعث نبيلة هي إنقاذ الرجل الفقير لزوجته المصابة بالسرطان ,وجدير بنا أن نتعلم من الأطفال - نحن الراشدين- فنحلل حكمهم الأخلاقي تحليلا عقليا, ونكتشف المسوغات الأخلاقية لما اهتدى إليه الأطفال بفطرتهم السليمة وحساسيتهم المرهفة. ما نريد أن نستخلصه من هذه الحقيقة العلمية وتلك الواقعة الإنسانية هو أن اللغة تحجب كثيرا من حقائق الأشياء بدلا من أن تظهرها. ويبدو أن هذا أمر ملازم لطبيعة اللغة وماهيتها. فنحن نطلق صفة السرقة على جملة من الأفعال التي تشترك في خصائص عامة من غير أن نقف على الخصوصيات المميزة لكل فعل منها, وبذا يتم حذف الدافع مباشرة والاكتفاء بالنتيجة القانونية التي تسمح بوصف الفعل بأنه كذلك, ولو أننا ربطنا كل فعل بدوافعه, أو بالحاجات التي دفعت إليه لاختلف وصفنا للأحداث اختلافا شديدا, على الرغم من التماثل الصوري أو الشكلي القائم فيما بينهما وهذا ما يجعلنا نحشر في زمرة واحدة لصا سرق في سبيل ابتناء قصر جديد يضيفه لقصوره العديدة. وبالمثل فإننا نصف بالفساد موظفا قد ارتشى ببضع مئات من الليرات وفاسدا كبيرا قد وضع يده على جانب كبير من أموال الناس وأرزاقهم مستندا إلى كل أشكال القوة والسلطة, وعلى رأسها قدرته على إفساد الآخرين صغارا وكبارا وعلى الرغم من الفارق الكبير بين هذين الفاسدين, فإن ما ينتهي إليه الوصف لفعلهما وصف واحد, ولربما حوكما أمام قاض واحد فيما لو لم يحالفهما الحظ بالتستر على فعلهما وبالتهرب من نتائج الجريمة التي ارتكباها. ونحن نعلم أن القانون قد انطوى, في ما انطوى عليه, على مخفقات ومشددات للحكم. لكننا نعلم أيضا أن النظام الاجتماعي والسياسي يتلاعب بهذه المخففات والمشددات بحسب موقع الفاسد من هذا النظام ,فتضيع بذلك الحكمة من مراعاة القانون لدوافع الفعل وأسبابه وحجمه وتكراره, وحجم الضرر الذي لحق بالمجتمع نتيجة لهذا الفعل. والنتيجة المترتبة على علاقة هذا الفاسد بالنظام الاجتماعي والسياسي هي أن الأطفال في أي مجتمع هم أكثر حكمة من أحكم الرجال والنساء في مجمعاتنا العربية غير أن المأساة هي أن هؤلاء الأطفال سيصبحون في يوم من الأيام نساء ورجالا راشدين وفي هذه اللحظة سيصبحون مثلنا تماما ينظرون إلى الفعل وحده دون التفكير في دوافعه, وهذه إشارة إلى أنه قد تم ترويضهم, وسيصبحون في وقت قريب أعضاء في القلة الفاسدة أو قضاة حسبهم التماثل الصوري أو الشكلي في وصف الفعل, أو محامين تدافع أكثريتهم عمن يدفع أكثر أو جمهورا للإدانة دون أن يكون قادرا على التمييز بين الجلاد والضحية |
|