تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


تربية الأمل

آراء
الاثنين 22/9/2008
حسين عبد الكريم

العوض بسلامتك يا راشد ..

وسلامتك باقية يا زهرة...‏

لا تفصل بيني وبين زهرة سوى كلمة عتب وتحية ود ..حملت كلمة العتب على كتف القلب كسُلّم من وجد, واستعنت بتحية الود كمسافر يستعين بقارب خشبي بسيط للوصول إلى الضفة التالية .. بادهتها بسؤال ليس اعتياديا :‏

زهرة كيف العافية أولا .. وثانيا من فقد راشد ومن فقدت أنت حتى تبادلتما العزاء ?‏

أنت تأخرت بعض حزن عن مجلس عزاء جمعني أنا وراشد ووجدان وسوسن وندى وأبو النور وأيمن وآخرون لا أذكر أسماء مفقوديهم وملامح فقدهم.‏

البقاء للحب ولكم والعوض بعافية أمانيكم وصدقكم ..‏

الحب هو أحد المفقودين ..والمفقودون الآخرون هم آمالنا : راشد أبّن أمله بحبيبته رنا , التي قطعت وصال شوقها تجاهه ,وسافرت إلى قريتها البعيدة في الأرض المحتلة فلسطين .‏

لماذا قتلت الأمل ,وكان بإمكانها إبقاؤه حيا يرزق ?‏

قالت : يبقى الأمل حيا وتموت آمالها الأولى ,التي ربّتها وعلّمتها حرفا حرفا وجملة جملة ودرسا درسا في مدرسة عمرها وسنواتها الابتدائية والثانوية قالت له: لايمكنني ترك آمالي جميعا تفشل في امتحانات الصفوف الانتقالية والشهادات لصالح أملك الوحيد الذي ربّيته على عجل يا راشد وقالت له : الوحيد تربيته أنانية وقاسية.‏

لو أنها لم تقتل وحيده : الحب, كان بوسعها الالتفات إلى بقية الطلاب الذين سهرت على نجاحهم !‏

الوحيد مدلل ولا يقبل أحدا يشاركه الرضى وسعادة الأشواق, وهو لا يدخل الخدمة الإلزامية في صفوف الجيش ...‏

وهي تريده قويا ومدربا على القسوة والصبر والتحدي والعناد المرير لعل بمقدوره استرجاع عافية الأيام العربية وعافية التراب المقهور ...تريد أملا يعرف دروسا توازي درس الحب , ويوازي مؤلفات الآمال ..قالت وتقول إلى اليوم: هي لاتُؤبّن أملا مادام عندها أمل آخر ..تقوّي الأمل الباقي بمعزة الأمل المفقود .‏

تابعت زهرة الحديث:‏

لكن أبا النور صديقنا الذي نعرفه جيدا فقد أملا كاد أن يكون آخر ما جادت به قريحة عمره .. تعرف أنه فقد منذ سنوات أكثر أصدقائه وفيما بعد فقد حبيبته رمانة التي كان يسميها رمانة القلب بعد أن خدعته خديعة كبرى ,لاشفاء منها حينها قال: رمانة صارت آفة القلب .. وبعدها أحبّ سعدى ,وعاهدته لكنها منذ عرفته, وقبل ذلك أبّنت غالبية عهودها ..شكلها يشبه عهداً قُطّعت أوصاله, وملامحها تنذر بتأبين أيّة ابتسامة وفاء, تغامر باتجاه وجهها .. لماذا تورّط بها هذا ال أبو النور?! ألم يعثر على غيرها ?!‏

أنت هذا رأيك أما هو كان يراها جميلة الآمال وشجرةً زاهرةً في أعالي التلال ..وكانت تملأعليه السمع والبصر والبال .‏

حضرت صورة امرأة قروية ضاع منها ولدها وكان سيئا طبعا وبشعا ملمحا وأعرج الخطا والدروب أبّنت غيابه: (غاب القمر وصارت ب غيابو الدني كومة عتم وضباب).‏

كل واحد يرى أمله, وإن كان معتوهاً, أجمل الآمال, ويظن أن تربيته له أفضل تربية, وأن نجاحه أعلى النجاحات.. لكن يبقى الأمر لثقافة النظرة العامة هي التي تحدد قيمة هذا الأمل وعلو شأنه أو انحطاط قدره.‏

سوسن وندى وأيمن ووجد حضرن الحوار, وشاغبن على الصمت بجمل مفيدة.‏

سوسن: ربيت آمالي تربية غير استثنائية, خشية أن أخسر جملة حياتي وإمكاناتي في تعليمها وتأهيلها لدخول امتحانات الصفوف الابتدائية والشهادات..‏

وفي نهاية المطاف قد أفشل وأسقط في دوامة الخيبة .. أبقى عازمة على العيش والبقاء ب أمل أو أملين أو ثلاثة آمال من النوع الذي لا يتأثر بتبدلات طقوس وعادات الحبّ والعهود .. زمان فقد الآمال الجميلة أقسى من جميع الأزمنة.‏

ندى: تعب العمر من تربية الآمال وتوديعها حتى تعودّت على الفقد ومجالس العزاء وجملة: العوض بسلامة عمرك الباقي أو بعافية روحك أو الحياة لطيبة أحبابك السالمين.‏

وجدان: أرقب خط برق الأصدقاء بعين الحذر خوف أن تضيع البروق الأنيسة في زحمة الوحشة والخديعة المقنّعة.‏

تربية أي أمل تعادل تربية ريح تقرأ في كتاب الأغصان دروس الهبوب والعصف.‏

وأصعب من تربية الأمل تربية الغياب وتأبين المفقودين .. الغياب يصير درسا تتلعثم في فهمه روح الأيام الباقية.. والتأبين يصير عذاب ضمير أو مادة غير مقررة في امتحانات الوجد والحنين, وعلى المحب التقدم للنجاح في معلوماتها وشرحها وعلامات ترقيمها.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية