تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أحنُّ إلى خبز أمي... وإلى جريدتي (الثورة)

آراء
الاثنين 22/9/2008
أحمد صوان

أحن إلى خبز أمي

وقهوة أمي‏

ولمسة أمي‏

وتكبر في الطفولة‏

يوماً على صدر يوم‏

وأعشق عمري لأني‏

إذا مت‏

أخجل من دمع أمي‏

هذه الصورة المفعمة بالعاطفة حيال الحنين إلى الأم تعتبر من أروع الصور الشعرية والفنية, ومن أرقى أنواع الحنين الإنساني والمشاعر الصادقة لدفء العلاقة بين الطفولة والأمومة, بين حميمية العلاقة المحسوسة مع الأم في الود والعشق والحياة وحتى الموت والحزن والفراق والدموع.‏

وإذا كان الشاعر الراحل محمود درويش قد خط وبنى هذه العلاقة المكتشفة في غربته وفي عدم أو استحالة اقترابه من أمه في الغربة والمنفى الاختياري, فإن الكينونة البشرية بالأساس ما قامت إلا على أساس العلاقة التي تربط الأم بابنها, أو تربط وشائج الأسرة في نشأتها وتربيتها ومشاعرها وأحاسيسها بالألم باعتبارها الأصل والجذر, وهي منبع الحنان ومصدر الحنين, ومبعث القوة والإدراك لدى الإنسان في صغره وفي تربيته, وفي نشأته, وفي تكوينه, وبذلك نجح محمود درويش في أن يرمز للأم بالأرض والوطن على نحو شاعري وفني وابداعي قلما نجده عند غيره من الشعراء.‏

هو حنين, بالطبع, لا يتجزأ لأنه حيال الأم والأرض والوطن يشكل وحدة متكاملة غير قابلة للتجزئة أوالتقسيم أو البعثرة والضياع, حنين يبدأ من الحليب ومن الصدر الذي يتفيأ في ظله ذلك الوليد بأحاسيسه ومداركه على بساطتها وتواضعها, لكنها واضحة وجليلة, ربما تكبر وتتسع وتقوى مع الأيام انطلاقاً من تلك العلاقة الوشيجة والوطيدة والعضوية مع الأم, وما قد تشكله على مر الأيام والسنين من قدرة على التبصر والتبصير والمحاكاة, بل والمحاكمة بالعاطفة والعقل, بالفكر والاحساس, بالرؤية والموقف عبر التعلق بتداعيات فرضتها هذه العلاقة وعلى نحو خلاق وحيوي وإيجابي بالواقع, وبالتالي مع مشاغل ومشاكل النفس البشرية, والنزوع إلى اهتمامات وتطلعات وهموم, وإلى امتلاك أدوات الحياة, والتعبير عنها أو تجسيدها بهوايات ومهن وإبداعات في شتى مناحي الحياة, وتفاصيلها, وجميع تضاريسها.‏

وهذا الحنين للأم وبكل ما تمثله للطفل وللشاب وللإنسان, كما عبر عنه محمود درويش بصورة إبداعية إنسانية, نجده عند آخرين وربما بنفس القوة والاحساس والدفء ليس للأرض وللوطن فحسب, بل أيضاً لمهنة هي جزء من حياة وتكوين النفس البشرية, فهناك من يقول: أخبرني ماذا تعمل, وما مهنتك أقل لك من أنت?!.‏

من جهتي, ومع بلورة أحاسيس وربما نضجها على نحو كنت أفتقر إليه في سنوات الشباب, بدأت اكتشف كم هو حجم الحنان الذي أكنه لمهنة أردت من خلالها أن أكون لمهنة مارستها على نحو تعليمي وعفوي في مدرسة صحيفة اسمها (جريدة الثورة), فها أنا أحن إلى جريدتي, إلى معلمتي في المهنة في الصحافة, وفي الكتابة, وفي التحليل, وفي التفكير الجماعي, في عمل لا يستقيم إلا بشكل جماعي أو أسروي متكامل.‏

أجل... هو الحنان الذي لا يتجزأ أيضاً لأصدقائي وزملائي الذين كبرت وإياهم, وتعلمنا, بل وامتلكنا أدواتنا في أدائنا الإعلامي, على الرغم من كل ما شاب ذلك من هفوات وعثرات, لكن أردنا أن نكون (نحن) وليس (أنا) وأن نحمل راية (مهنة) طالما أحببناها, وأخلصنا إليها بكل صدق وأمانة وشرف, بإحالتي إلى التقاعد, عرفت أنني أمضيت نصف عمري المهني بالتمام والكمال في صحيفة (الثورة) وهي النصف الأول من هذا العمر.‏

وكانت (تشرين) صاحبة النصف الثاني, أربعون عاماً ونيف في الصحافة السورية المكتوبة والمقروءة تقاسمته (الثورةب أولاً و»تشرين) ثانياًَ.‏

وها أنا بعد انقضاء النصف الثاني, بعيداً عن »الثورة) قريباً منها في اهتماماتي ونشأتي وتكويني, أعود لأحن إليها, بل ويتملكني شعور الانتماء إلى بيتي المهني الأول.. على حد قول الشاعر:‏

نقل فؤادك حيث شئت من الهوى‏

ما الحب إلا للحبيب الأول‏

فكم منزل في الأرض يألفه الفتى‏

وحنينه أبداً لأول منزل‏

عشرون عاماً في »تشرين) لم تمنعني أو تحجب رؤيتي في أنني ابن »الثورة) ولم تقف حائلاً في أن تستر هذه العلاقة الحميمية التي ربطتني بقوة ومتانة حتى في الجزئيات والتفاصيل والاهتمامات التي تعززت في نفسي وأنا أمارس مهنة الصحافة كرسالة وهدف مقدس ونبيل, وبكل حماسة واندفاع وجهد في مؤسسة أو مدرسة أعطتني ما كنت أريد استكماله بتعلم »الصحافة) على طريقة »الحرب تعلم الحرب) بما يقابلها من مقولة »الصحافة) تعلم الصحافة... أيضاً وللحديث بقية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية