تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الغرب ... غربان

معاً على الطريق
الاثنين 22/9/2008
خالد الأشهب

على نحو من التعميم الجغرافي باعتباره واقعا إلى شمال المحيط الأطلسي ,

ومن التخصيص السياسي باعتبار أن دوله ومجتمعاته مشتقة من أصول عرقية مشتركة , يجري استخدام مصطلح الغرب ليشمل ضمنا اوروبا واميركا الشمالية , ثم لتعميم خصائص هذا المصطلح وأبعاده الثقافية والاقتصادية والاجتماعية الى جانب السياسية على كامل الغرب , ثم سحب هذه الخصائص والابعاد على كافة مجتمعاته ودوله كما لو أنه دولة واحدة ومجتمع واحد.‏

والواقع أن ثمة اختلافات جوهرية , لاسيما ثقافية , بين الغرب الاميركي والغرب الاوروبي , يعرفها من يعرف الاصول الثقافية التي شكلت الوعي العام في اوروبا وتلك التي شكلت الوعي العام في اميركا , والفارق بينهما سوف يفسر لنا طبيعة ومكونات الانحياز الغربي عموما الى جانب اسرائيل , وسيقول لنا بأن انحياز الغرب الاوروبي يقوم على اسسس مختلفة عن انحياز الغرب الاميركي , ففي حين تنحاز اوروبا لاسرائيل على اسس اقتصادية استعمارية تغلف من الخارج ما اصطلح على تسميته دائما في اوروبا ( المسألة اليهودية ) , أي حل هذه المسألة بالتخلص من اليهود الى خارج اوروبا عبر ( الوطن القومي ) الخادم والمطيع والاداة للمشروع الاستعماري الاوروبي التاريخي , فإن اميركا الشمالية تنحاز الى اسرائيل على اسس ثقافية لاهوتية أولا , باعتبار أن الثقافتين مشتركتين ومن أصول توراتية واحدة , وعلى اساس أن تجربتي النشوء الاميركية والاسرائيلية أيضا مشتركتان وأن الآباء المؤسسين للدولتين والمجتمعين إياهما كان لهم معاناة متشابهة واعداء قوميين متشابهين .‏

فالديمقراطية في اوروبا نشأت بالتزامن مع الثورة البورجوازية وعلى أرضية سيادة المجتمع العلماني مكان المجتمع الديني , وكبح تدخلات الكنيسة في الشأن العام , والاقتصادي خاصة , واعتمدت الانتماء القومي شكلا سياسيا للدولة في وقت تخلص فيه الوعي العام الاوروبي من سلطة الكنيسة ونشأت الدساتير مدنية خالصة تستبعد أي دور أو سلطة لها في الحياة العامة , بينما نشأت الديمقراطية الاميركية على اسس ثورة الاصلاح الديني التي قادها واسس لها مارتن لوثر في اوروبا, وكان معظم المهاجرين الاوروبيين الى اميركا بعيد اكتشافها من انصاره واتباعه , الذين نبذتهم اوروبا الكاثوليكية ولاحقتهم طويلا , خاصة عندما كانت اميركا لاتزال عبارة عن مستعمرات اوروبية , ولم يجر الفصل الباهت والخجول بين الدولة والكنيسة في اميركا إلا قبل نحو مئتي عام ونيف من اليوم وعبر تعديل دستوري , بل إن الإلغاء المتدرج لقوانين التمييز العنصري الاميركية حتى أواخر الستينات من القرن الماضي , والتي كانت ولايزال بعضها سائدا في اميركا , جاء على اسس المساواة والإخاء والرحمة التي طرحتها العقيدة الدينية لا على اساس المجتمع المدني ومقوماته .‏

مناسبة هذه الافكار هي إعادة التذكير مجددا بأن المجتمع الأميركي رغم انتمائه السياسي والاقتصادي الى الغرب ذي المواصفات العامة العلمانية والمدنية , إلا أنه لايزال مجتمعا دينيا بامتياز , وقد استند الرئيس بوش الى هذه الحقيقة بقوة حين ادعى تكليفه من السماء بمحاربة الارهاب , تماما كما اجتهد الرئيس الأسبق جيمي كارتر اثناء حملته الانتخابية , فانتقل من آخر قائمة المرشحين للرئاسة الى مقدمتها. وبالتالي , فإن التداعيات السياسية المبنية على هذه الاسس الثقافية لن تكون في عمقها الايديولوجي مطابقة للتداعيات السياسية الاوروبية .‏

فإذا كان ثمة من يراهن على تغيير سياسي اميركي حقيقي مع الانتخابات الرئاسية القادمة تجاه الانحياز الاميركي لاسرائيل فليجعل من الجذور الثقافية الاميركية تلك بوصلته للاستكشاف والاستدلال !!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية