تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


هل بدأت الانتفاضة العالمية ضد الهيمنة الأمريكية?!

محطة
الاثنين 22/9/2008
د. خلف الجراد

تشير الأجواء السياسية العالمية الحالية إلى تلبّد شديد ونذر نشوب نزاعات إقليمية في عدد من المناطق وبؤر التوتر التقليدية المعروفة, وإن أي تحليل موضوعي للخارطة الجيو سياسية والاستراتيجية العالمية الراهنة,

وتوضعات القوى العسكرية وقواعد الامدادات والدعم العملياتي لها.. سيظهر أنّ الولايات المتحدة الأمريكية بنزعتها المتنامية إلى الهيمنة على المناطق الحيوية, سواء في الشرق الأوسط, أو في جنوب شرق آسيا, أو في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى, أو في أوروبا الشرقية وبحر البلطيق, أو في جنوب شرق آسيا أو أمريكا اللاتينية, هي التي خلقت البيئة المتوترة والقابلة للانفجار والاشتعال في أية لحظة, وقد أشار إلى هذا الأمر بوضوح عشرات الباحثين والمفكرين والأكاديميين والمحللين من انتماءات سياسية وإيديولوجية وفكرية مختلفة, مثل: نعوم تشومسكي,وستيفان هالبر, وجوناثان كلارك, وبنجامين باربر, وإيمانويل تيد , وروبرت فيسك, إضافة إلى مجموعة من القادة والسياسيين البارزين والشخصيات, التي عملت في مواقع قيادية عالية في الإدارات الأمريكية المتعاقبة, كالرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر, وبريجنسكي وبيكر وأولبرايت... وغيرهم.‏

والحقيقة إن نزعة التفرد والهيمنة الإمبريالية الأمريكية, ليست وليدة اليوم أو مقتصرة على إدارة جورج بوش (الابن), كما توحي دراسات وكتابات وتحليلات جزئية ومتسرعة, إذ إن هذه التوجهات الاستراتيجية والاقتصادية والعسكرية والإعلامية معلنة ومعمول بها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية, ونشير هنا إلى ما سمي ب (مبدأ ملء الفراغ) , الذي أعلنته الولايات المتحدة في مطلع خمسينيات القرن الماضي, وهو الشهير ب (مبدأ أيزنهاور), وجملة الأحلاف المجسّدة له, مثل ( حلف السنتو) أو (حلف بغداد), ومشروع (استراتيجية حرب النجوم) (في عهد الرئيس ريغان), و(حلف شمال الأطلسي), الذي مازال يتضخم ويتمدد ويتوسع رغم انفراط عقد الحلف المواجه (حلف وارسو) منذ أكثر من ربع قرن من الزمن.‏

ومن الجدير بالذكر أن للولايات المتحدة قواعد عسكرية منتشرة في حوالي ثمانين بلداً في العالم , وفي قارات الكرة الأرضية كافة, ماجعل هذه الدولة العظمى نموذجاً للهيمنة الامبراطورية, التي تحدَّثَ بشأن عناصر قوتها وتوسعها وصعودها, ومن ثم عوامل ضعفها وانحدارها وسقوطها, المؤرخ والمفكر الأمريكي بول كينيدي في كتابه الشهير (نشوء وسقوط القوى العظمى).‏

لكن بعد مرور حوالي ثلاثة عقود على التفرد والأحادية وممارسة أشكال كثيرة من القمع والهيمنة, بدأت دول وشعوب عديدة تتململ, ثم ارتفعت درجات الرفض وكبرت موجة النقد والتحدّي للديكتاتورية الأمريكية, المتطرفة في عنفها واستعلائيتها, إلى الحدّ الذي دفع روسيا الاتحادية للإعلان الصريح أنها لم تعد لتقبل بهذا التفرد الأمريكي والأحادية القطبية.‏

وقد تصاعد الموقف الروسي الناقد والمتحفظ والرافض في السنوات السبع الأخيرة, إلى أن وصل إلى ما وصل إليه في هذين الشهرين, ويعتقد المحللون أنه سيستمر ويتنامى إلى أن تتراجع الإدارة الأمريكية الحالية أو المقبلة عن استفزازاتها الموجهة إلى روسيا ومصالحها الوطنية والقومية والأمنية والاستراتيجية.‏

أما الأمر اللافت, بالاضافة للمقاومة المباشرة للاحتلال الأمريكي في العراق وأفغانستان ولبنان وفلسطين, فإنه يتمثل في (تمرد)دول مهمة جداً تقع -كما يقال- في »الفناء الخلفي) للولايات المتحدة الأمريكية, مثل كوبا وفنزويلا وبوليفيا والبرازيل , وغيرها من بلدان أمريكا اللاتينية.‏

وفي ضوء ما يجري اليوم من تعاظم للموجة النقدية والمواقف الرافضة للسياسات الأمريكية, القائمة على التوسع والاستكبار والغطرسة الامبريالية, وعدم احترام إرادة الشعوب وسيادتها واستقلالها وكرامتها.. هل سنشهد تحولات سياسية واستراتيجية جديدة, على هيئة تمرّد كوني وانتفاضة عالمية ضدّ التوسع والتفرد والأحادية القطبية الأمريكية?! .. أم أن الهلامية, وعدم الحسم, و»الرمادية) وحالة »المد والجزر) والصعود والهبوط .. ستبقى سائدة في العلاقات الدولية إلى أن تبرز أقطاب ومراكز عالمية مؤثرة اقتصادياً وعسكرياً وتقنياً, قادرة على منافسة الولايات المتحدة, وإجبارها على تقاسم النفوذ والقرارات المصيرية الكبرى?!.. هذه هي الأسئلة المطروحة بقوة الآن, و لابدّ أن تترتب عليها متغيرات أساسية ومحورية في العقود القليلة القادمة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية