تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


المنطقة في مرحلة جديدة.. الصراع الحر بلا قواعد اشتباك

الصفحة الاولى
الإثنين 2-2-2015
د. أمين حطيط

هل دخلت المنطقة في مرحلة جديدة على صعيد الصراع مع اسرائيل؟ وماذا يعني تغيير قواعد الاشباك مع العدو الصهيوني؟ سؤالان نعرض لهما لاهميتهما في وقت يزداد فيه شأن المنطقة خطورة وحساسية.

عانى العالم والمنطقة من مرحلة اختلال التوازن بعد العام 1990، ووحدهم من اعتمدوا فكر المقاومة ومارسوها، ثبتوا في المواجهة وامتنعوا عن الاستسلام للمتغيرات، وانشؤوا فيما بينهم تكتلا واقعيا يقوم على فكرة الممانعة وعدم التنازل عن الحقوق ورفض القبول بالامر الواقع الذي فرض، وعبروا عن رفضهم بالسياسة والميدان عبر انشاء مقاومة تصاعدية ضد اسرائيل، مقاومة تمكنت بعد قتال مرير من طرد المحتل من معظم الجنوب اللبناني في العام 2000 فكان تحرير اول ارض عربية بالقوة، واخراجه من غزة في العام 2005، فكانت استعادة اول منطقة من فلسطين المحتلة.‏

وقد حاولت اسرائيل في العام 2006، اجهاض ما انتجته المقاومة في لبنان، ودفن منجزاتها حتى لا تكون نموذجا يحتذى في الصراع معها، فكان عدوان 2006 الذي انتهى الى هزيمة اسرائيلية على يد المقاومة التي ينظمها حزب اللـه ويمارسها‏

بدعم مطلق من سورية وايران، اللذين اعتمدا فكر المقاومة ونهجها اسلوبا يركن اليه في مواجهة اسرائيل، وطورا الامر الى حد تشكيل محور المقاومة الذي ينتظم فيه عضويا الثلاثي ( ايران، سورية، حزب الله ) ويتقاطع معه وبمسافات متفاوتة فصائل من المقاومة الفلسطينية حسب اعتمادها وممارستها للمقاومة الفعلية.‏

وكان العام 2010 عام الظهور العلني لذاك المحور الثلاثي، ظهور تم الاعلان عنه بشكل ذكي عبر عنه بصورة التقطت في القصر الجمهوري في دمشق جمعت الرئيس السوري والرئيس الايراني والامين العام لحزب الله، صورة كانت بمثابة الاعلان عن مولود استراتيجي جديد سيكون له شأنه في احداث المنطقة ومساراتها.‏

لقد تفاوت التعاطي مع الحدث ذاك، من الاهتمام الشديد، الى عدم الاكتراث، وكانت اسرائيل واميركا في طليعة من تعامل مع الحدث باعلى درجات الجدية والخشية من المفاعيل، ووضعت من قبلهم كما تكشف لاحقا الخطط والاستراتيجيات لتفكيك المحور أو تعطيله وشله، ولكن اصطدمت كل تلك الخطط بواقع قائم على الارض تمثل بقواعد الاشتباك القائمة بين اسرائيل وكل من سورية ولبنان حيث المقاومة الاسلامية لحزب الله وهي قواعد ارسيت تتابعا منذ العام 1974 في سورية، وتراكما حتى اكتملت وفقا للقرار 1701 الصادر اثر عدوان اسرائيل على لبنان في العام 2006.‏

وقبل عرض هذا الشأن نرى من الفائدة تحديد ما تعنيه عبارة « قواعد الاشتباك « حتى يكون المشهد المتصل بها واضحا. وفي هذا المجال نقول ان الحروب اوالمواجهات العسكرية التي يتوقف اطلاق النار فيها دونما ان تنهي الصراع اودونما ان يتوصل احد الطرفين الى هزيمة الآخر واخراجه من الميدان اوفرض الاستسلام عليه، يكون الاطراف المشاركون فيها والمستمرون في الميدان بحاجة الى قواعد تضبط سلوكهم وحركتهم حتى لا يؤدي تصرف اي فريق من الفرقاء الى تجدد اطلاق النار والمواجهة دونما ان يكون قد اراد فعلا العودة الى الحرب وممارسة الاعمال القتالية المفتوحة.‏

فقواعد الاشتباك، هي مجمل القواعد التي تحدد للاطراف النطاق الجغرافي للعمل والحركة ، والنطاق الزماني لردات الفعل على سلوك الطرف الاخر، وحجم الوسيلة اوالاداة المستخدمة في الميدان المقابل اوالمعتمدة للرد على سلوك الطرف الاخر، واخيرا المرجعية الصالحة للبت بالنزاعات والخلافات الناشئة عن التطبيق. اي ان لقواعد الاشتباك اركان اربعة : المكان والزمان والوسيلة والمرجعية.‏

وفي التطبيق، كانت القرارات 242 ثم 338 وبعدها اتفاقية فض الاشتباك في الجولان السوري المحتل برعاية الامم المتحدة هي المرجعية في الامر، فانشأت منطقة عازلة في المنطقة عهد بها الى قوات دولية منتدبة من الامم المتحدة (الاندوف ) وتفرض على الطرفين الامتناع عن اي عمل عسكري عبر هذه المنطقة أولا وفي اي اتجاه اخر في العمق ايضا، وتم التأكيد على الحل السياسي الذي يعيد الجولان المحتل الى الدولة السورية، طبعا مع التأكيد على حق الاطراف بممارسة حق الدفاع المشروع عن النفس ضمن الضوابط القانونية المعمول بها في هذا المجال.‏

اما على الاتجاه اللبناني، فقد اعتمدت قواعد الاشتباك في صيغتها الاخيرة استنادا الى القرار 1701، وفيها وقف الاعمال القتالية على جانبي الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة من اسرائيل ( ويقولون عبر الخط الازرق للاشارة الى مناطق التحفظ اللبنانية الثلاث)، وكلفت للامم المتحدة عبر قوات اليونيفل بالمراقبة والتطبيق، وعهد الى الامين العام للامم المتحدة ان يبحث عن مخرج سياسي لحل معضلة مزارع شبعا اللبنانية المحتلة التي لا يشملها عمل قوات اليونفيل، دون ان يسقط حق لبنان بالمقاومة لتحرير هذه الارض.‏

احترمت اسرائيل منذ العام 1974 وحتى العام 2013 قواعد الاشتباك المقررة باتفاقية فصل القوات في الجولان السوري، اما على الاتجاه اللبناني ومستفيدة من مواقف اطراف سياسية لبنانية تضغط على المقاومة وتحاول محاصرتها في اكثر من عنوان واتجاه، فقد امتنعت اسرائيل عن احترام القرار 1701، وادمنت على انتهاك السيادة اللبنانية جوا بشكل يومي، وعلى الاعتداء برا في كل مرة يروق لها ذلك، وتصرفت كما لو أن قواعدالاشتباك تقيد طرفا واحدا هوالمقاومة فقط.‏

لكن بعد اقل من عامين على اندلاع الحريق العربي وتمدده الى سورية التي كانت هدفا لعدوان اجنبي مركز عليها، ظنت اسرائيل ان بامكانها التحلل من قيود اتفاقية 1974، وان بامكانها المجاهرة بالعمل العدواني ضد سورية لاسقاطها، ثم تنفيذ الخطة الموضوعة بتفكيك محور المقاومة، فكان العدوان الجوي الاسرائيلي على محيط دمشق في الشهر الاول من العام 2013، بمثابة الاعلان عن اسقاط اسرائيل لاتفاقية فض الاشتباك، هنا كان الرد السوري الاستراتيجي بقرار فتح جبهة الجولان امام المقاومة الشعبية والتحرر من قيود فض الاشتباك. وكان هذا القرار بمثابة البداية لتأسيس مرحلة جديدة في مسار الصراع مع العدوالاسرائيلي.‏

لم يكن الاعلان السوري عن النية بالبدء بالعمل المقاوم مجرد قول اواستعراض، بل كان قولا للتفيذ، فاحتضن القرار من قبل محور المقاومة الذي انخرط بكل مكوناته في العملية التنفيذية كل وفق موقعه وقدراته وظروفه، وفي اقل من عام كانت المقاومة الشعبية السورية حقيقة قائمة على الارض تستعد للانطلاق في العمل المقاوم. هنا صعدّت اسرائيل تدخلها وزادت من مشاركتها في العدوان على سورية، وانطلقت للعمل باستراتيجية سبق تطبيقها في لبنان ابان الاحتلال وهي «استراتيجية الحزام الامني والجيش العميل»، وانطلقت لاقامة المنطقة الامنية في الجولان واعداد فرع القاعدة في سورية (جبهة النصرة) ليكون جيشها العميل بما يذكر بجيش لحد في لبنان.‏

بهذا برز الجولان كميدان مواجهة مباشرة بين اسرائيل ومحور المقاومة الذي وجد الفرصة قد لاحت للبدء بتحرير الجولان بقوة المقاومة، ليكون الامر بمثابة استثمار للنصر المتحقق في الداخل عبر منع العدوان من تحقيق اهدافه باسقاط سورية، اما اسرائيل فقد رأت ان التسليم بهزيمة المشروع الذي يستهدف سورية سيشكل كارثة استراتيجية عليها، لذلك اعدت خطة انقاذ سريعة تقوم على إحداث خرق سريع انطلاقا من الجولان وبدعم جوي ناري منها، لتمكين عصابات جبهة النصرة من الوصول الى محيط دمشق وقلب الطاولة واعادة رسم مشهد جديد يحمل اميركا على التراجع عن التسليم بأن اسقاط سورية ضرب من الخيال.‏

اما محور المقاومة المتيقظ لخطط العدو ونواياه فقط تابع العمل في الجولان بما يخدم استراتيجية التحرير بالمقاومة وصيانة مكتسبات الصمود الدفاعي، هنا جاء العدوان الاسرائيلي باغتيال مفرزة من الاستشاريين من قادة المقاومة، تنفيذا لقرار توخت اسرائيل منه قطع الطريق على محور المقاومة في سعيه، والاجهاز النهائي على قواعد الاشتباك القائمة والتخلص كليا من اعباء معادلة توازن الردع القائمة بينها وبين حزب الله.‏

رد محور المقاومة على الاغتيال، بعملية بارعة مدوية في مزارع شبعا، وأكد المحور تماسكه واعتماده لقراراته السابقة، الى ان كان الاعلان الواضح في الخطاب الاخير للسيد حسن نصرالله باسم محور المقاومة، ان كل ما كان قائما من قواعد اشتباك قبل الآن قد سقط بعد ان اسقطته اسرائيل التي لم تحترم اي قاعدة اوحكم من احكام الاتفاقيات والقرارات الدولية التي تكرسها، وبات على المقاومة ومحورها ان يتحرر هوالآخر من تلك القواعد وان يرسم هوالمشهد الجيوسياسي الجديد في المنطقة فيبني القبب الفولاذية الامنية التي تحمي عناصره وكوادره وتمكنه من السير الآمن في طريق التحرير ، حيث لم يعد مقبولا ان تتصرف اسرائيل طليقة اليدين ويكون محور المقاومة مكبلا بقواعد اشتباك لا يعمل بها سواه. وبهذا بزغ فجر مرحلة جديدة في الصراع مع العدواختصرت سماتها بالتالي :‏

الصراع مفتوح في المكان والزمان لا تقيده حدود سياسية اوخطوط اتفاقية، اوأحكام من قرارات دولية، اوضغوط من هنا وهناك، انه صراع حرّ في اعتماد وسيلة القتال الملائمة واختيار الهدف المناسب، صراع ينخرط فيه محور المقاومة بكليته، دونما تجزئة يكون فيه الرد على العدوان حق لكل المحور بمجرد العدوان على اي من مكوناته، وهنا لم يعد مجديا مثلا السؤال ماذا يفعل حزب الله في سورية اولماذا لم ترد ايران بنفسها على عدوان اسرئيل.‏

إنها مرحلة جديدة جهدت اسرائيل لمنع تشكلها منذ العام 1949 تاريخ توقيع اتفايقات الهدنة مع العرب بشكل ثنائي، مرحلة اعادت الامور الى نصابها واكدت ان اسرائيل مشروع اعتداء على الامة والمنطقة، وان الامة من حقها ان ترد مجتمعة على العدوان دون ان تكون مقيدة بقيد اوشرط إلا ما تقيد هي به نفسها من قواعد الاخلاق والانسانية، فهل تكون المرحلة الجديدة هي المرحلة الاخيرة التي تغير المشهد كليا في المنطقة ؟ نعتقد ذلك.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية