تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


عصام المأمون في معرضه الجديد.. خطــوط الشـــخوص في تعبيريـــــة قصــــوى

ثقافة
الخميس 12-10-2017
أديب مخزوم

معرض الفنان التشكيلي عصام المأمون الجديد في صالة الرواق قاعة لؤي كيالي، تضمن مجموعة واسعة من لوحاته المنجزة بقياسات مختلفة، والتي يتناول فيها موضوعات وحالات إنسانية مرتبطة بالماضي والحاضر وتوليفة المستقبل، وهي تشكل امتداداً لأعماله التي طرحها في معارض فردية وجماعية سابقة.

فهو يطل على المغامرة، ويحقق أعلى درجات الصدق، مع خطوطه وعناصره وتقنياته، التي وصلت في مراحل سابقة، الى حدود الاستفادة من الحجارة ومقاطع من جذوع الاشجار، والقصاصات القماشية الملصقة، وكل ما يخدم بحثه التشكيلي ومغامرته التقنية.‏

حشود بشرية‏

ورغم تخليه عن بعض طرق ووسائل التشكيل السابقة، التي دفعته باتجاه المغامرة التشكيلية المتطرفة في حداثتها، تبقى لوحاته الجديدة في حيز اللغة التشكيلية البحتة، حيث يبرز عفوية وتلقائية مطلقة في صياغة الوجوه والاجساد وموضوع العشاء الأخير والصلب وغيرها، معتمداً على تداعيات الحالة الداخلية، التي تتسع للتعابير الذاتية، في كثير من جوانب لوحاته، المفعمة بحركات الخطوط السوداء، المنسابة بتلقائية وعفوية قصوى، على أرضية أو خلفية غنية بالطبقات اللونية، والتي تشير إلى وجود عناصر تكاد تكون ممحية بطبقات لونية مطلية فوقها، وصولاً إلى موضوعات العائلة والأمومة والوجوه المنفردة، والتي تشغل أحياناً كامل مساحة اللوحة، كاللوحة المشغولة بقصاصات قماشية ملصقة، والتي تأخذ أشكال المثلثات والمستطيلات والخطوط المنكسرة، ويبرز فيها بعض التكعيب.‏

لا يزال عصام إذاً مستمراً في البحث داخل لوحته عن عناصر الدهشة والمغامرة، وعن إيقاعات بصرية غير مستهلكة، فهو يوزع لمساته اللونية وحركاته الخطية في مساحات اللوحة ويضاعفها في بؤر معينة، بما يضمن حضور الصدق الذاتي، وبما يضمن إبراز الجو التقني في معالجة الطبقات، وصولاً إلى اعتماد التنفير والتشقق والاداء الدادائي، الذي يقرب اللوحة أكثر فأكثر من تقنيات وثقافة فنون العصر، عصر التحولات والانقلابات الفنية الكبرى، ويجعل اللوحة تنقل الحس المباشر، بصدق مطلق وبدون تكلف أو تصنع.‏

وإذا كنا أشرنا إلى أن اللوحة مشغولة بسماكات في أحيان كثيرة، تتجاوز التفاصيل، وتعمل بالتالي على ابراز مساحة المشهد وأبعاده الداخلية، على خلفية تصل حدود البياض اللوني احياناً، فهذا لا يعني عدم رغبته في الارتداد إلى الشكل وابراز تعابير العيون وقسمات الوجوه والتي تعكس الحالة الداخلية لشخوصه، والواقع الحياتي المأساوي الموجود في عالم اليوم، عالم الحروب والأهوال والمآسي والويلات والأحداث المأساوية الكبرى.‏

هاجس روحاني‏

ونرى في لوحات عصام المأمون عفوية في إعادة صياغة العناصر الأيقونية، حيث يصل إلى درجة من الحساسية الخطية واللونية، التي تذهب إلى الجوهر، وتحمل هاجس التجديد والبحث عن جماليات حديثة، باتباع أسلوب الاختصار، والعمل على إبراز جمالية تشكيلية جريئة، تحافظ على قدرتها التعبيرية عبر ضربات وحركات ولمسات لونية سريعة ومدروسة في آن واحد.‏

ويمكن القول إن احتكاك عصام الدائم ونشاطه اليومي ومعارضه المتواصلة وسوى ذلك من نشاطات فنية، ساهمت بتقديم مساحات لونية مشغولة بتنوع تقني تحركه دائماً انفعالات متنوعة، ترتد في كل مرة نحو الداخل والعمق. والواضح في بعض لوحاته، رغبته البادية في إظهار شغفه الدائم بالخطوط التلقائية، والاهتمام بتقديم الموضوع نفسه، على أنه صورة لا تمثيلية للشيء المرسوم، والذي يعزز هذا التوجه تناوله لموضوعات العشاء الأخير والصلب والموضوعات المرتبطة بهاجس روحاني، يبرز حدة المفارقة بين الماضي والحاضر، وبين الشرق والغرب والشمال والجنوب، على اعتبار أن ثقافة فنون العصر ماهي إلا مزيج بين ثقافات وفنون الشعوب في العالم أجمع.‏

فالعناصر الانسانية تبرز بانفعال وبمعالجات تهتم بمسألة إظهار الخطوط التلقائية، التي تتماهى مع الخلفيات، مع أن سطوح لوحاته لا تستقر على هذه الطريقة، حيث تظهر الأطراف احيانا بطريقة أوضح على خلفية البياض. وهكذا نجد تحولاً من طريقة دمج الأشكال في خلفية اللوحة، واستخدام الخطوط المخففة، إلى طريقة اعطاء الخط أهمية كبرى، وهنا يصبح سطح اللوحة مجالاً للتشكيل الحر، بحيث تخضع معطيات العمل البصرية، لحركة الخطوط المتداخلة والمتشابكة والمنفلتة من أي نظام هندسي أو نمطي.‏

رياح اختبارية‏

ويذهب عصام في أحيان كثيرة إلى جعل المساحات اللونية المعتمة، تتداخل مع مساحات لونية مضاءة، وبذلك تتدرج الحالة اللونية، من تلك الباهتة أو القاتمة التي يغلب عليها اللون الرمادي إلى أخرى تغلب عليها الألوان المضاءة، والتي تبرز من خلال الأبيض والأزرق وسواهما، والأبيض غالباً ما يجعله ستاراً شفافاً لألوان أخرى مغطاة ومطلية به أو يجعله فاصلاً بين مساحة وأخرى ووسيلة لتحديد العناصر الأخرى لاسيما الشخوص التي تشكل رموز موضوعاته المتداخلة مع اللمسات التعبيرية والتجريدية، التي تشغل باقي أجزاء اللوحة، وتعمل على إظهار التوازن والتوافق بين اللمسات والمساحات والاشارات، التي يخرجها من برودتها وقساوتها وينقلها إلى التعبيرية المبسطة لقول انفعالاته وأحاسيسه الداخلية.‏

وفي هذا الجو من توكيد البصريات اللونية التعبيرية والحركية، يصبح عمله عرضة لتبدلات الحالة الداخلية التي يعيشها أثناء إنجاز اللوحة. فهو حين يكون في حالة قلقة ومتوترة، لابد أن تأتي الحركات اللونية متوترة ومرتبطة ببؤرة الانفعال الرئيسية، وهو بذلك يترك عمله عرضة لرياح الاختبار والتجريب، وهذا لاشك يعمل على إغناء القدرة التعبيرية ويضفي إيقاعية بصرية أكثر حركة وحيوية في فراغ السطح التصويري.‏

هكذا برزت الحرية الأدائية في مساحات أعماله السابقة والجديدة بمظاهر تكوينية و تلوينية وتقنية، وحين تختزل اللمسات التلقائية الأشكال الانسانية، فإنما تختصر تداعيات ثقافة بصرية، أطلقتها عواصم الفن الكبرى، وتكشف تعبيراً غنياً في مدلولاته وإشاراته وروحانياته، وتنقلنا إلى حالة ذاتية أكثر روحانية وعمقاً ودلالة.‏

facebook.com/adib.makhzoum‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية