|
شؤون سياسية ونحن نعلم بأن حياتنا العربية السياسية والعامة صارت مرهونة بالاندفاعات المضطربة التي ينتجها الداخل العربي وبإرادات الآخرين عبر المشاريع والوقائع العسكرية والاقتصادية من خارج الحدود العربية، ولم يعد خافياً على أحد أن العالم الإسلامي صار مطارداً بعوامل القهر والتخلف والتشرد السياسي حتى لكأن الحدود وخصوصية الشخصية الوطنية والقومية زالت تماماً مابين الواقع العربي المؤلم والواقع الإسلامي المفترض، ونعرف جميعاً أن الآخرين لايقيمون وزناً لأي تمييز بين الواقعين العربي والإسلامي وأن ذات المعايير والأهداف هي التي تحرك أو تستدعي المشاريع الخارجية بمجملها. وعند هذه النقطقة يرانا الغرباء موحدين وعندها يتعاطون معنا باعتبارنا جسماً عربياً وكأننا موحدون عضوياً وينظرون إلينا على أننا كيان إسلامي، وكأننا نأخذ الموقف والقرار بما يعود لمصلحة المسلمين وبما يستجيب لأهدافهم، يحدث ذلك في حين يعرف كل متابع أو ناقد أن الواقع العربي هو مصطلح مجازي ليس أكثر لأن الحال العربي يشتمل على النقائض والصراعات وأنماط السلوك السياسي، مايدل على أننا نعيش أقسى مراحل التجزئة، ولولا خبرتنا الشعبية بدرجة الانهيار والألم لقلنا على العرب والعروبة السلام، وهنا تنهض حالة بذاتها أشرت إليها بكونها الاستثناء، ومفهوم الاستثناء هنا مخالفة المألوف والمعمول به في تيار الإحباط واليأس والتفكك المتدرج، الاستثناء هنا هو في أصله قاعدة ناظمة للحياة وعمل تكوين وصحوة وعلامة سلامة ووعي، ولكن مواصفات الواقع العربي جعلت من النقاط المضيئة مجرد استثناء، لعلنا عشنا مثل هذا الموقف ونحن نتابع أعمال اجتماعات وزراء خارجية الدول الإسلامية المنتمية لمنظمة المؤتمر الإسلامي والتي لم نعرف على وجه التحديد هل هي الدورة الثالثة والثلاثون أم السادسة والثلاثون، ومايعنينا هو عنوان المؤتمر من حيث مهامه وأهدافه، وقد كان هذا العنوان هو تعزيز التضامن الإسلامي في مواجهة التحديات، وما يعنينا بصورة أكثر وضوحاً هو جملة الأفكار والقيم والمعايير التي أطلقها الرئيس بشار الأسد في كلمته أمام المؤتمر، وإذا كنت قد تخيرت نقاطاً عامة في مقال سابق أساسها هو أن العقيدة الإسلامية لابد أن تنتج مفاعليها في مواجهة التحديات والرد على العدوان تماماً كما في إنجاز التضامن والوحدة وبناء جوانب العلم والثقافة والصناعة والتطور، وكذلك في الابتعاد عن صيغة الشكوى والتشكي.. والتملص من المسؤولية الذاتية بإلقاء اللوم على الآخرين وبإطلاق ذريعة الصبر والمصابرة بانتظار اليوم الموعود، يوم يستفيق المسلمون مع الفجر، فإذا دنياهم قد تحولت إلى جنائن ومصانع وانتصارات، إذا كنت قد أشرت إلى ذلك فإن المسألة عبر منهجية الرئيس بشار الأسد تفرض حضورها كمنهج عقلي وصيغة نقدية وأسلوب واضح يسمح للمتابع أن يستطرد بالتقاط الأفكار والتعليق عليها وتحليلها إذا كان يملك همة التحليل وبصورة عامة أحاول أن ألتقط بعض العناوين ذات المنطق المستدام والتي لامناص من الاعتراف بها في سياق ضبط سلوكنا السياسي على كل ماهو ضروري ومفيد للعرب والمسلمين ومن ذلك أن المسلمين يقعون في جوف الأزمة ومحرقها على المستوى العالمي، والعالم كله يعيش الأزمة، لكن هناك من ينتج الأزمة ويستثمرها ويصدرها مثل الغرب ودوله الصناعية الكبرى وفي ركابه الكيان الإسرائيلي، وبالمقابل هناك من تفترسه الأزمة ويسدد فاتورتها من دم الأبرياء ومن لقمة عيش الإنسان ومن براءة الطفولة ومن خصائص الوجود البشري في عصر متفجر كالذي نعيش، حتى لقد بدا الوضع عند المسلمين كما شخصه الرئيس بشار الأسد على أنه صراع حضاري بين الخير والشر وبين المألوف والمأمول وبين وجود ساكن سلبي ووجودمتمرد متضخم يرى في المسلمين مجرد موقع جغرافي وديمغرافي واقتصادي لايصلح إلا للنهب والتطرف وإنتاج كل ماهو غريب عن حياة البشر، هناك من أراد إطلاق الفكرة أن العرب والمسلمين طارئون على حضارة العالم، وتستخدم في هذا السياق وسائل التشويه، والمؤسسات الدولية التي تسعى لتقطيع أواصر العالم الإسلامي، وسد كل المنافذ التي تنقل التفاعل الحضاري بين المسلمين وأمم الدنيا، ولعل ذلك هو الذي حدا بالقوى الغربية الامبريالية إلى أن تنشىء قيمها واستراتيجياتها على قواعد ثابتة باتجاه العرب والمسلمين، بعضها يؤكد أن العرب والمسلمين هم العدو الأول والخطر الأول على العالم المعاصر، وأن المعالجة عندهم هي في السيطرة والنهب الاقتصادي وكذلك باعتماد مبدأ الاستباقية سواء في رسم السياسات أو في شن الحروب الاستباقية على العرب والمسلمين أو في تصوير العدد الهائل للمسلمين والذي شارف المليار ونصف المليار من البشر على أنه مجرد كم واسع ورقم كثيف التعداد ولكن مخاطره هي الأكثر كثافة وحضوراً، والصورة عند الغرب والصهيونية عن المسلمين لاتخرج عن كونها صورة المتخلف والجاهل والذي لايصلح إلا لاستحداث الإرهاب والمفاجآت السلبية، حتى لقد صار مصطلح (الإسلام فوبيا) واحداً من أهم عوامل تحديد السياسات الغربية الشاملة نحو العرب والمسلمين، ولقد أقام الرئيس بشار الأسد معادلة المنهج والواقع والحل في منظومة واحدة، وكان هذا التوصيف الحي لمجمل ردود الأفعال عند العرب والمسلمين والتي تراوحت بين العزلة والتمرد وبين التطرف والانغلاق، وصارت الشكوى والتذمر هما الأسلوب الطاغي على حساب مجمل عوامل امتلاك ناصية العلم والبحث العلمي وصياغة السياسات الحكيمة والتحصن بالمواقع الوطنية وبالتفاعل الإيجابي بين كل موقع وآخر، وواضح تماماً أن الرئيس بشار الأسد أراد أن يقول في هذا العصر حيث القرار والقوة هما الصفتان المؤسستان، لايجدي أن نتوارى عن الحقائق وننكفىء عن التحديات ونجهل أو نتجاهل طرق ومخارج الخلاص من الأزمة الخانقة والعنوان في ذلك كله قائم في قاعدة قوة الانفتاح في مواجهة ضعف الانغلاق، وكذلك في هذه الضرورات التي لابد أن نعرف فيها حقائق ذاتنا وعوامل وجودنا المعاصر، ونتعرف فيها على الآخر دون أن نتمترس بمطارح الانغلاق ثم لانفعل شيئاً سوى أن نحمل الله مسؤولية مانحن فيه ومسؤولية الخلاص مما نحن فيه، وكثيراً ما أوردتنا القاعدة المعكوسة في التعامل مع قيم الإسلام هذا المورد السلبي الصعب، فالعقيدة تدعونا للتوحد ونحن نصر على أن نتناقض وأن نتجه نحو التجزئة بصورة متعمقة ومتواترة. |
|