|
تحقيقات تعكس ألوان ماحولها مئات من الغراس الخضراء اليانعة فتخال نفسك في حديقة غناء ووسط شجيرات بنوا كوخاً من الخشب والبلاستيك تتوسطه مدفأة يتأجج لهيب حطبها وكثير من الدجاج يلحق برجل لمجرد أن يوحي لها بأن بين يديه ما يغريها, وسط المدينة ثمة فسحة قروية خضراء ممتدة شكلت ومنذ القديم بساتين حمص الشهيرة.
في غفلة منهم في عام 1994 صدر القرار 5047 القاضي باستملاك منطقة من البساتين تمتد من المسلخ البلدي وحتى ديك الجن تحت عنوان (للمنفعة العامة) بغية إقامة حديقة عامة أسموها منذ ذلك الحين بحديقة الشعب! قرار الاستملاك ذاك قضى وقتاً طويلاً مصاباً بالشلل فكان بالنسبة لأهالي البساتين الملاكين منهم والمستثمرين بمثابة داء مزمن تشتد أعراضه حيناً وتهدأ حيناً آخر فلا هو قابل للشفاء ولا هو قابل للاستئصال. ومع إطلاق مشروع حلم حمص قامت الدنيا ومازالت واقفة حتى الآن رغم محاولات السادة المسؤولين لعب دور الإسفنجة لامتصاص فورة وغليان أهل حمص الذين سيتضررون بشكل أو بآخر من تحويل الحلم إلى واقع, هنا بالضبط حصل تشابك بين أمرين: بين استملاك البساتين لتكون حديقة للشعب واستملاك ما تبقى منها ليكون (جنة حمص) كمشروع استثماري ضخم. نقاط على الحروف
إن استملاك بساتين المنطقة العقارية السادسة الواقعة بين كورنيش الغوطة وشارع الميماس والمحصورة بين شارعي بدر الدين الحامد والأسعدية والممتدة على مساحة 460 دونماً والمشغولة بالأهالي من مالكين ومستثمرين مع أسرهم والبالغ عددهم أكثر من 1500 نسمة أغلبهم من محدودي الدخل يطرح عدة نقاط حسب وثائق عديدة قدمها الأهالي لنا ونشير إلى أهمها:
أولا: إن استملاك البساتين المشار إليها أعلاه كان بموجب القرار رقم 5047 لعام 1994 الصادر عن رئاسة مجلس الوزراء لإقامة حديقة الشعب أي للمنفعة العامة وقد استند ذلك القرار إلى القانون رقم 60 لعام 1979 وهو قانون ناظم لآليات وتفاصيل الاستملاك بغية التنظيم! ثانيا: ولما كان ذلك, طعن معظم المالكين والمستثمرين بالقرار 5047 أمام القضاء الإداري الذي قضى في بعض الدعاوى بانعدام القرار 5047 وهي درجة أعلى من البطلان وأشد لأنه لا يدخل في نطاق القانون 60 وغاياته, فالقانون 60 يتحدث عن تنظيم المدن (أي يستملك أرضا.. يضع مخططات للخدمات والمرافق العامة من مدارس ومشاف وحدائق ومن ثم ينظم المقاسم الفائضة ويقسمها ويعيد توزيعها للأهالي والقطاعين العام والخاص) وهذا لا ينطبق على الغاية المرجوة من استملاك البساتين, هناك يتحدثون عن تنظيم مدن وهنا يتحدثون عن منفعة عامة.
ثالثا: حين لم يجد المعنيون حلا أمام انعدام القرار 5047 لجؤوا إلى طريقة أخرى فأسندوا قرار الاستملاك ذاته إلى القانون 20 لعام 1994 بدلا من القانون 60 لعام .1979 أكبر من سؤال وهنا يسأل أصحاب الشأن: هل يحق للقضاء إسناد قرار إلى قانون آخر والكل يعلم أن القانون يلغيه قانون والمرسوم يلغيه مرسوم, والقرار يلغيه قرار, فكيف حكم القضاء بقبول دعوى بعض الأهالي بالطعن بحكم القضاء الإداري شكلا وموضوعا وإعلان انعدام القرار 5047 (والانعدام هنا بمثابة رفع للاستملاك!) لأنه يستند إلى القانون الخطأ (60/1979) لكن مع بقاء الاستملاك قائما وفقا للمرسوم التشريعي رقم 20 لعام .1983 انعكاس الإسناد الجديد فيما يتعلق بانعكاسات إسناد قرار الاستملاك إلى القانون 20 فإن ذلك يتجلى واضحا في بدلات التعويض ففي الوقت الذي يعطي القانون 60 للمواطن 112 ليرة كتعويض عن المتر المربع الواحد يعطي القانون 20 (825 ليرة) للمتر الواحد, الأهالي يقولون: كل المسؤولين في المحافظة يرددون: لن يضيع حق أحد وسنعطي لهم سعر المتر بالسعر الرائج! عن أي سعر رائج يتحدثون عن ال 825 ليرة?! إن سعر المتر في أرضنا هذه قد يبدأ من 25 ألف ليرة ويصل إلى 100 ألف ليرة?! عن أي منفعة عامة يتحدثون?! إن القضية مازالت منظورة أمام القضاء, لقد حكمت المحكمة الإدارية العليا بانعدام القرار 5047 وأبقت الاستملاك قائما وقالت:إن الخطأ كان في منطوق القانون فقط?! وقد قام المحامي (لجهة الأهالي)بتوجيه إنذارات لعدة جهات يعالج فيها كل قضايا المدينة وبطلانها فلم المسارعة-يسأل الأهالي-إلى تطبيق الاستملاك حيث يجب إيقاف التنفيذ حتى يقول القضاء كلمته الفصل في الأمر! ولماذا يواجهوننا بإنذارات إخلاء شفهية? ألا يتهرب مسؤولو مجلس المدينة من إعطاء وثيقة سيستخدمها الأهالي في المحكمة للمطالبة بوقف التنفيذ, فالأوامر الشفهية لا يتبناها القضاة ولا يوقفون التنفيذ بناءً عليها?! ولماذا قاموا عام 2005 بإجراء نزع ملكية لبعض المالكين ودون علمهم بالاتفاق بين رئيسة المدينة السابقة والسجل العقاري ( وبكتاب رسمي منها). لا بد للقضاء أن يلغي أولاً القانون 60 كإسناد لقرار الاستملاك بعدئذ على الجهة صاحبة الاستملاك أن تصدر قراراً جديداً خالياً من الانعدام, لم لا يفعلون ذلك? يقول الأهالي: إن هذا يتطلب وقتاً وتشكيل لجان وسيضطرون لوضع بدلات استملاك عالية ناهيك عن روتين الحصول على الموافقات, فالطريق الأقصر وغير القانوني هو ما قاموا به? يتساءل أصحاب البساتين بالقول: عن أي منفعة عامة يتحدثون على حساب 1500 نسمة معظمهم يعمل في هذه البساتين?! إلى أين يذهبون? بعيداً عن القانون والقرارات ثمة آثار اجتماعية واقتصادية سوف تتأتى عن تطبيق قرار الاستملاك, إذ سوف ينضم معظم العاملين في هذه البساتين إلى طابور العاطلين عن العمل والعائلة المؤلفة من 8-15 فرداً ستنتقل للعيش في شقة قد لا تتجاوز مساحتها 60 م2 وقد يبلغ ثمنها مليونا و 800 ألف ليرة تقسط على مدى سنوات بواقع 6000-8000 ليرة شهرياً فمن أين سيدفعون تلك الأقساط?! يملك المواطن محمد مالك دامس 3 دونمات وربعا ضمن الاستملاك ويقول بصوت متعب: يريدون رمينا في الشارع! لدينا سند طابو منذ جد أبي أي من عبد الغني إلى محمد إلى عبد الغني ثم جاؤوا إلي ذات يوم في الصباح الباكر واقتلعوا الأشجار ليقيموا محولة لتوليد الكهرباء! قالوا سيعوضون لنا المتر ب 700-850 ليرة بينما يصل سعر المتر هنا إلى 70 ألف ليرة, تلك الأرض التي أعطيت للكهرباء قدروا لي ثمنها ب 240 ألف ليرة لكنهم لم يدفعوا لي قرشاً وباعها مجلس المدينة للكهرباء ب 9 ملايين ليرة, هذه المحولة ليست من أجل الحديقة بل لتغذية المجمع السياحي الذي يقام بدلاً من مطعم الغاردينيا. عبد الغني الجنيات يقول للثورة: هذا المشتل لي وهو مستملك أقمنا دعوى عام 2000 لطلب رفع الاستملاك على غرار جيراننا آل حجازي (رفع الاستملاك عن العقار 1028) لكن القضاء لم يفعل أي هناك حكمان قضائيان مختلفان في قضية متشابهة. لقد نفذت المدينة قبل مدة قصيرة شارع نزار قباني واكتسح أراضي البساتين وأشجارها وهو لم ينزل على مخطط البلدية فقد كان مهندسو البلدية مرتبكين لا يعلمون كيف سيوسعون الطريق فجاءت رئيسة المدينة وركنت سيارتها وأملت عليهم ما يجب القيام به, لقد قطعوا 1500 شجرة وسجلوا منها 20 شجرة فقط ولم يعوضوا على أحد من الأهالي!. عام 1994 قامت البلدية بمسح لتعداد السكان في البساتين ولم نكن ننظر بجدية للأمر فالفكرة كلها لم تكن مقنعة لنا ولم نصدق أننا سنطرد يوماً من أرضنا فسجلوا 65 عائلة فقط وخصصوا لها 65 شقة يبلغ ثمن الشقة ما يقارب 2 مليون ليرة وقسطها الشهري 5 - 6 آلاف فإن طردنا من البساتين أين وماذا نعمل? وكيف ندفع أموال الأقساط? ونحن جميعاً نعمل في الأرض: مشاتل - زراعة خضار - تربية أبقار ودواجن وخلايا نحل! - مصعب ملوك بستاني تبلغ مساحة أرضه حوالى 15 دونما أخذوا أراضي كثيرة من بستانه لديه بقرتان ويقوم بزراعة الخضار ( فجل - سلق..) يقول: أحوالنا مستورة.. خبزة وبصلة عايشين. زرعت بستاني بكل أنواع الأشجار المثمرة, قدروا دونم الخضار ب 5000 ليرة رغم أن كلفته الحقيقية 15 ألف ليرة ولم أستلم قرشاً واحداً ومنذ 5 سنوات قطعت عنا مياه الري ومع ذلك علينا أن ندفع 60 - 100 ألف ليرة? منذ 25 سنة قطعوا المياه لتجف الأشجار ثم يريدون مني الآن 27 ألف ليرة ثمناً للماء? أراضينا أراضي طابو منذ عام 1700 ولا نريد بيع متر واحد منها ولو دفعوا مليون ليرة بالمتر! يجيب آخرون بحسرة: والله أن نجلس بين هذه الأشجار يساوي مال الدنيا. المدهش أن معظم ملاكي أراضي البساتين غير مستفيدين من الأرض لأن المستأجرين المستثمرين هم المستفيدون ومع ذلك يرفضون بيع أرضهم. لقاءات مع الفلاحين رغم كل الاعتراضات والاعتصامات المتتالية أمام غرفة التجارة ومبنى المحافظة في حمص وأمام رئاسة مجلس الوزراء في دمشق التي نفذها المتضررون من قرار الاستملاك أعلن السيد محافظ حمص وفي أكثر من مناسبة أن حديقة الشعب سوف تنفذ على العقارات المستملكة منذ عام 1994 خلال عام 2008 وإن وقتاً كافياً قد أعطي لأصحابها لرفع الاستملاك عبر القضاء لكنهم لم ينجحوا وبالتالي سيتابع مجلس المدينة تنفيذ إجراءات الاستملاك والتي لن تتوقف إلا بقرار يقضي بذلك? وأضاف السيد المحافظ أن طرقاً شقت وأعيد تأهيل بعضها الآخر من أجل هذه الحديقة وقد عملت البلدية على توفير 65 شقة سكنية للمتضررين وستسعى إلى تعويض أصحاب المشاتل بأراض أخرى في منطقة الوعر بأسعار رمزية! إذا كل شيء من وجهة نظر الإدارات المعنية جاهز للبدء بالتنفيذ وبدلات الاستملاك أودعت في المصرف وعلى الناس التوجه لقبضها ,يؤكد السيد المحافظ أنه مسؤول أمام القانون عن عدم التنفيذ, فثمة قرار صدر ولابد من تنفيذه ويلقي باللائمة على الأهالي الذين تكاسلوا ومطمطموا الحكاية ( ببوسة شوارب ودقن وعزايم ) هم يعلمون أن الأرض مستملكة وأنذروا سابقاً بالإخلاء.. ولابد من التنفيذ!! |
|